اكد صندوق النقد الدولي تحسن فرص الاقتصاد الاميركي في رفع مستوى ادائه في الفترة المقبلة، لكنه حض الحكومة على التصدي للتدهور المتسارع في وضعها المالي واعتبار هذه المهمة احدى اولوياتها في المدى الطويل، محذراً من ان تفاقم مشكلة العجوزات الضخمة في كل من الموازنة المالية والحساب الجاري سيضع ضغوطاً غير مستحقة على اسعار الفائدة والمدخرات العالمية التي تقدر قيمة استثماراتها في اميركا بزهاء تسعة تريليونات دولار. توقع صندوق النقد، في تقرير عن نتائج مشاوراته السنوية مع كبار مسؤولي الاقتصاد والمال وفي مقدمهم وزير الخزانة جون سنو ورئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الن غرينسبان ان يعزز الاقتصاد الاميركي زخم نشاطه مساهماً في نمو الناتج المحلي بنسبة 2.25 في المئة السنة الجارية و3.5 في المئة السنة المقبلة مقارنة ب2.4 في المئة العام الماضي و 0.3 في المئة عام 2001 الذي امضى ثلاثة ارباع فصوله في ركود. وبنى الاقتصاديون في المؤسسة الدولية توقعاتهم على "تحسن معنويات المستهلك الاميركي بعد النهاية السريعة للحرب على العراق والدعم الاضافي الذي يتلقاه الطلب المحلي من الخفوضات الضريبية وانتعاش اسواق المال واسعار الفائدة المنخفضة وتراجع اسعار النفط". واشاروا الى ان هذه العوامل مجتمعة اضافة الى النمو القوي في انتاجية العامل الاميركي والآثار الايجابية لانخفاض الدولار يتوقع كذلك ان تعمل على تنشيط ارباح الشركات والانفاق الاستثماري لقطاع الاعمال العام المقبل. ولعب المستهلك دوراً مهما في النتيجة غير المتوقعة التي حققها الاقتصاد الاميركي في الفصل الثاني من السنة الجارية اذ اشارت وزارة التجارة في الاسبوع الماضي الى ان الانفاق الاستهلاكي الذي يشكل ثلثي القيمة الاجمالية للناتج المحلي انتعش بقوة في الفصل المذكور مساهماً في رفع نسبة النمو الى 2.4 في المئة مقارنة ب 1.4 في المئة فقط في كل من الفصلين السابقين، الفصل الاول من السنة الجارية والفصل الرابع من العام الماضي. لكن المديرين التنفيذيين في صندوق النقد حذروا من ان الانتعاش الاقتصادي المتوقع في الفترة المقبلة يواجه مخاطر كثيرة من ضمنها الغموض المحيط باحتمالات استئناف الشركات نشاطها الاستثماري الذي يعاني من الجمود منذ تفجر ازمة اسواق المال في بداية عام الفين وكذل امكانية تأثر الانفاق الاستهلاكي بصدمة محتملة تتعرض لها سوق العقار السكني التي سجلت معدلات نمو قياسية في الاعوام القليلة الماضية مساهمة في توفير دعم هائل للمستهلك. ولم تنحصر تحذيرات مسؤولي المنظمة الدولية في مخاطر الانتعاش بل نبهوا الى ان الاقتصاد الاميركي لن يتمكن من استغلال طاقاته الكاملة ما لم تتخذ الحكومة خطوات جدية لمعالجة وضعها المالي المتدهور، مشددين على ان الاستجابة الفعالة لهذه التحديات ستساعد في ضمان استمرار الاقتصاد الاميركي في لعب دور رئيسي في نمو الاقتصاد العالمية الحؤول دون تعريض اسعار الفائدة العالمية والادخار الدولي لضغوط غير مستحقة. ولإيضاح مدى خطورة التدهور الحاصل في الوضع المالي لأميركا لفت تقرير صندوق النقد الى اعلان البيت الابيض اخيراً ان العجز المتوقع في موازنة السنة المالية الجارية التي تنتهي بنهاية الشهر المقبل سيصل الى 455 بليون دولار ثم سيرتفع الى 475 بليون دولار في موازنة السنة المالية المقبلة وسيستمر في السنوات اللاحقة وان بمستويات اقل وذلك من دون حساب عجز مزمن في الحساب الجاري بلغ معدله السنوي في الفصل من السنة الجارية 544 بليون دولار. وما يعنيه ذلك ان المحصلة الاجمالية لعجزي الموازنة المالية والحساب الجاري ستصل الى سبعة في المئة من الناتج المحلي بحلول نهاية السنة المقبلة وستتطلب تغطيتها من اميركا مد يدها من جديد الى سلة الادخار العالمية لرفع تدفقات الاستثمارات الدولية الى اسواقها الى ثلاثة بلايين دولار يومياً، أي اكثر من تريليون دولار سنوياً مقارنة بقرابة بليوني دولار يومياً او 50 بليون دولار شهرياً في الوقت الراهن. وعلاوة على صندوق النقد اكد اقتصاديون اميركيون ان متطلبات تمويل العجزين المالي والتجاري الاميركيين ستعرض سلة الادخار العالمي لضغوط غير مسبوقة، لكنهم اشاروا الى ان نجاح اميركا في الحصول على هذا التمويل الهائل لن يتوقف على مدى استعداد المستثمرين الدوليين لزيادة استثماراتهم وحسب بل سيدفع كذلك باتجاه رفع اسعار الفائدة في اميركا وبقية الاسواق العالمية على حد سواء. وفي دراسة مرفقة بتقريره خلص صندوق النقد الى ان عجز الموازنة الاميركية، وتحديداً الجزء الناجم عن الخفوضات الضريبية التي أقرها الكونغرس منتصف عام 2001 واوائل السنة الجارية سيرفع اسعار الفائدة العالمية بواقع نصف نقطة مئوية لكل واحد في المئة من مقدار العجز مقدراً كنسبة مئوية من الناتج المحلي. ولا يبدو هذا الأثر هامشياً اذ اشار الرئيس جورج بوش في مؤتمر صحافي اخيراً الى ان الخفوضات الضريبية ستساهم بنحو 25 في المئة من العجز المالي أي قرابة واحد في المئة في كل من السنتين الماليتين الجارية والمقبلة.