لم يتخيل العراقيون في مختلف مهاجرهم ان يأتي اليوم الذي يعودون فيه الى وطنهم، وكان جل ما يتمنونه التواصل مع اهلهم بالمساعدة والامل. لكن بعد سقوط النظام، تفتحت آفاق جديدة للعودة والاسهام في بناء العراق الجديد. إلا أن ما تشهده البلاد الآن من اعمال تخريب وعدوان على الشعب العراقي من قبل جهات مختلفة، فضلا عن مخلفات الادارة الاميركية السيئة لشؤون العراق، شكل عائقا في طريق العودة. ولا يبدو ذلك سببا لابتعاد هؤلاء العراقيين عن واقع انتمائهم لبلدهم، بل ربما جعلهم اكثر تعلقا به وبحثا عن السبل الكفيلة بتحويل هذا الانتماء الى حقيقة، بتقديم كل عون ممكن لاخوانهم في الداخل عبر خبراتهم المتراكمة والتطلع الى المشاركة في الانتخابات القادمة. ومن هذا المنطلق بادرت مجموعة من العراقيين في بريطانيا من ذوي الاختصاصات المختلفةالى تنظيم اجتماع موسع في السادس من حزيران يونيو الماضي ضم ممثلين عن جمعيات ومنظمات ومؤسسات للجالية، الى جانب شخصيات مستقلة. وقد انبثقت من هذا التجمع لجنة دعم الحقوق الانتخابية لعراقيي المهجر، كما كان اول نشاط للجنة تنظيم مؤتمر للجالية في لندن دعيت الى المساهمة في التحضير له تشكيلاتها المختلفة، كما شملت الدعوة الى حضوره والمشاركة في اعماله عراقيين خارج بريطانيا. ومن اهداف هذا التحرك التأسيس لقاعدة معلوماتية عن عدد العراقيين في بلدان المهجر تكون رصيدا لهم لاثبات عراقيتهم وعونا للمسؤولين المعنيين باحصاء العراقيين في الخارج. وكان الحافز على اطلاق هذه المبادرة قيام اول حكومة ذات سيادة بعد اكثر من عام على الادارة المدنية الاميركية، والتزامها باجراء الانتخابات العامة التي لا بد ان تعبر عن اردة العراقيين. وبسبب تدويل الوضع في العراق، كما هي الحال في مناطق الازمات، فان الاممالمتحدة تقوم بدور مهم في العملية الانتخابية. وكان قد نقل عن ممثلتها كارينا بيرلي، مديرة قسم المساعدة الانتخابية التي تولت تشكيل اللجنة المكلفة بالاشراف على الانتخابات في العراق، ان العراقيين في الخارج يمكنهم المشاركة في الانتخابات داخل العراق فقط، لافتقاد الآليات الكفيلة باشراكهم من مناطق اقامتهم. وان كان هذا التصريح متعجلاً وغير مدروس ولا يعبرعن القرار السياسي للحكومة الجديدة، لكنه اثار في حينه قلق عراقيي المهاجر وولّد الحاجة الى جهد جماعي يمثله هذا المؤتمر كخطوة اولى تهدف الى تسليط الضوء على حقوقهم التي لا تنفصل عن حقوق الشعب العراقي. وللعراقيين في بريطانيا تاريخ في بناء الحالة السياسية في بلادهم الأم، فقد شهدوا تحضيرات المؤتمر الوطني الاول للمعارضة الذي عقد في فيينا عام 1992. وكان ينظر الى العاصمة البريطانية باعتبارها مركز التحرك السياسي ضد نظام صدام حسين، وهو ما تكلل بانعقاد مؤتمر لندن لاحزاب المعارضة في نهاية 2002. ولذلك ليس غريبا على عراقيي بريطانيا الاهتمام بالشأن السياسي من موقع الحرص على سلامة عملية التحول الى الديموقراطية. ومما يدعو الى التفاؤل تأكيد الشيخ غازي الياور رئيس الجمهورية، على حق عراقيي المهجر في المشاركة بالانتخابات، ومواقف بالمعنى نفسه للدكتورين اياد علاوي رئيس الوزراء وبراهيم الجعفري نائب رئيس الجمهورية والسيد فؤاد معصوم. وكان بعض اعضاء اللجنة قد التقى منذ الايام الاولى لنشاطها بالدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط، الذي اكد على ان عملية الاحصاء السكاني ستشمل جميع العراقيين، في الخارج كما الداخل. واشار الى انه لا مبرر للقلق على حق عراقيي المهجر في المشاركة بالانتخابات القادمة، وان الاستعدادات جارية بهذا الشأن وسوف تتولى السفارات تأمين متطلباتها. والحديث عن الانتخابات قد يبدو مبكرا في ظروف العراق الحرجة بعد اصدار قانون الدفاع عن السلامة الوطنية والتركيز على اولويات حفظ الامن وصيانة ثروات البلاد ومؤسسات الدولة، أمام فيض العمليات الارهابية بالاضافة الى ذلك صدور تلميحات يفهم منها إمكان تأجيل الانتخابات لضرورات امنية. وكل ما تقدم مأخوذ في الحسبان، لكنه لا يتعارض مع تنشيط العملية السياسية ودفع العراقيين في المهجرالى ان يكونوا صوت العراق في الخارج. وهذا انما يصب في مصلحة البلاد والدولة الجديدة التي تكافح لاعادة بناء نفسها وتتعرض إلى أشرس هجوم متعدد الاطراف والامكانات المالية والاعلامية الكبيرة، في مقابل افتقارها الى جهاز اعلام قوي بعد قرار سلطة التحالف الخاطىء بحل وزارة الاعلام. وقد انعكس ذلك الهجوم بأشد صوره في الحملة الدعائية-الحقوقية في ظاهرها للدفاع عن صدام حسين ونفي كل جرائمه بحق الشعب العراقي. ويبقى ان نؤكد على شرعية مطالب العراقيين في المهجر بالمساهمة في رفد عملية البناء الديموقراطي التي تستند الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اقرته الاممالمتحدة في 1948، وما نصت عليه الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة في 1966.