معرض "أنا عربية" يفتتح أبوابه لاستقبال الجمهور في منطقة "فيا رياض"    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    أمانة القصيم توقع عقداً بأكثر من 11 مليون ريال لمشروع تأهيل مجاري الأودية    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    محرز يهدي الأهلي فوزاً على الوحدة في دوري روشن    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    القادسية يتفوق على الخليج    النصر يكسب ضمك بثنائية رونالدو ويخسر سيماكان    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ذوو الاحتياجات الخاصة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي تأثير ل"الدياسبورا" العراقية في الانتخابات المقبلة ؟."عراقيو ايران" أبرز الناخبين ... ومشاركة "أوروبية" متوقعة ومقاطعة "مفروضة" على "العرب"
نشر في الحياة يوم 30 - 12 - 2004

في إجراء إتخذته المفوضية العليا للإنتخابات في العراق، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، تقرر فتح مراكز إقتراع في 14 دولة عربية واجنبية، ليتمكن أبناء الجاليات العراقية المنتشرون في هذه الدول وما جاورها، من المشاركة في الإنتخابات. وعلى رغم الإشكاليات المتعلقة أساساً بمواقف بعض الدول وما يمكن ان تقدمه من تسهيلات لعمليات الإقتراع، أو بقضايا إدارية وتنظيمية يمكن ان تحول دون مشاركة كثيفة في التصويت، الا ان المفوضية تأمل بمشاركة ما يزيد على نصف مليون مهاجر أو ربما ضعف هذا العدد، كما يتوقع الناطق الرسمي باسم المفوضية فريد أيار، وذلك من أصل أكثرمن ثلاثة ملايين عراقي ينتشرون في بلاد الإغتراب، وهو ما يعني بلغة الأرقام ضمان وصول بين 20 و30 نائباً الى الجمعية العمومية المقبلة وبأصوات المغتربين التي تمثل نحو ثمانية في المئة من مجموع الناخبين العراقيين البالغ 12.9 مليون، أي ما تشكل نسبته عشرة في المئة من 275 مقعداً مقررة للجمعية. لكن الى أي اللوائح ستتجه أصوات الكتلة الأكبر من المغتربين؟ وما هي الأحزاب أو التيارات السياسية الأكثر نشاطاً بينهم والقادرة على استقطابهم؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي أولاُ الإطلاع على خريطة الهجرة من العراق والأسباب التي رافقتها او ادت اليها، للوقوف على الحيثيات التي يمكن ان تدفع بهؤلاء المهاجرين للذهاب الى صناديق الإقتراع والمشاركة في رسم مستقبل العراق.
من المعروف تاريخياً ان العراق من البلدان المستقطبة للهجرات، اذ دخلته، وعلى موجات كثيفة متتابعة، مجموعات كبيرة من القبائل العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية من عدنانية وقحطانية، وذلك منذ القرن الاول للهجرة وما قبله وحتى بدايات القرن العشرين وتأسيس الكيانات السياسية التي رسمت حدوداً معترفاً بها وتشريعات قانونية حددت بموجبها أنظمة الهجرة وشروطها، وبالتالي حولت وجهتها من بواعثها الإقتصادية والإجتماعية والدينية وما شاكل، الى مسببات سياسية في الغالب.
أنماط الهجرة من العراق ومراحلها
تعددت أنماط الهجرة من العراق وتنوعت مظاهرها بتنوع الأسباب التي أدت اليها، لكنها تمحورت اجمالاً حول ما يمكن تسميته ب"الهجرة القسرية"، أي تلك التي أجبر أصحابها على الهجرة تحت ضغط سلطة سياسية أو إجتماعية مباشرة، وهو النوع الأكثر شيوعاً الذي عرفه العراق. اما الهجرة لدوافع إقتصادية أو إجتماعية أو غيرها، فلم تأت الا ربطاً بأسباب نتجت بدورها من سوء الإدارات السياسية للحكومات العراقية المتعاقبة، والتي إستنفدت إمكانات البلد في حروب وصراعات أدت الى إفقار العراقيين ودفعهم للبحث عن لقمة العيش في أوطان أخرى. وما عدا ذلك لم يحسب العراق في قائمة الدول الفقيرة التي تشكل في العادة مصدراً للهجرات، لوفرة ما فيه من الثروات من جهة، وخلو تاريخه الحديث من الكوارث الطبيعية أو الحروب الأهلية من جهة اخرى.
وبالعودة الى تاريخ "الهجرات القسرية" من العراق وأنماطها الفردية والجماعية، يمكن القول انها بدأت تأخذ أبعادها الواضحة منذ العقد الأول لتأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن المنصرم، واستمرت في التصاعد حتى بلغت ذروتها في الخمسينات منه، وقد طاولت في البداية يهود العراق حيث كان لنشاط الحركة الصهيونية وتواطؤ الحكومات العراقية مع الإحتلال البريطاني آنذاك أثره الفاعل في هجرة نحو 118 ألفاً من يهود العراق في عملية "عزرا ونحميا" الشهيرة، بخاصة بعد إصدار حكومة توفيق السويدي قانوناً خاصاً سمح بموجبه لليهود الراغبين في الهجرة بالتخلي عن الجنسية العراقية.
كانت تلك الشرارة الأولى التي أطلقت بعدها سلسلة من الهجرات العراقية، كانت ترتفع وتنخفض تبعاً للتطورات السياسية التي تسارعت وتيرتها في شكل مطرد بعد قيام النظام الجمهوري، اذ اتخذت تلك الهجرات طابعاً دورياً إرتبط بتغير الحكومات والأنظمة، اذ تتبع ذلك في العادة عمليات تطهيرية أطلق عليها "إزالة مخلفات النظام السابق" وهو ما يعني فئة واسعة من وزراء وموظفين إداريين وضباط ومن يتبعهم أو ينتسب اليهم من عائلات وأصدقاء وأقارب، يجرى نفيهم أو دفعهم الى الهجرة. وهكذا يمكن رصد ظاهرة إرتباط الهجرة الجماعية القسرية بتواريخ التغيرات السياسية التي يمكن جدولة أهم مراحلها في ما يأتي:
عام 1958: في هذه الحقبة هاجرت أعداد كبيرة من أنصار الملكية شملت سياسيين ومثقفين وكفاءات علمية وأكاديمية من مختلف الطوائف والإثنيات، في إتجاه بيروت وعمان وعواصم عربية أخرى، ومن ثم نحو بريطانيا في شكل خاص حيث ما زالت الأجيال اللاحقة تواصل حياتها حتى اليوم.
الفترة من 1963الى 1969: وهي السنوات الاكثر إضطراباً في تلك الحقبة، اذ تعاقبت خلالها عهود ثلاثة، وتصارعت فيها قوى مختلفة برز خلالها العنف كأسلوب وحيد يمكن اللجوء اليه لحسم الخلافات، وقد دشنها عبد السلام عارف بسلسلة من التهجير طاولت أنصار عبدالكريم قاسم وقوى أخرى حليفة ومعارضة على حدّ سواء ومن كل الإتجاهات السياسية والمناطقية، وإن نال الجنوب العراقي القسط الأكبر باعتباره مركزاً مهماً لمؤيدي "الزعيم"، ثم جاء دور المجموعات المشاركة في إنتفاضة الأهوار أواخر أيام حكم عبدالرحمن عارف. وبعد تدشين "قصر النهاية" في الأيام الأولى لإستلام أحمد حسن البكر زمام السلطة، هربت مجموعات اخرى من السياسيين على مختلف إنتماءاتهم. أما موجة الهجرة الجماعية الثانية في العراق الحديث، والأولى لجهة الحجم، فهي تلك التي شهدتها الأعوام 69-70-71، وطاولت ما يزيد على مئتين وخمسين الف نسمة جميعهم من الشيعة هجروا في إتجاه إيران بدعوى انهم من التابعية الإيرانية. وهذه المسألة يعيدها الباحثون الى ايام العهد العثماني، حينما حسبت بعض العوائل العراقية ضمن التابعية الإيرانية تجنباً لسوق أبنائها للخدمة الإجبارية في الجيش العثماني. وعند قيام الدولة العراقية الحديثة، إشترط قانون الجنسية الأول أن يكون المواطن من التابعية العثمانية حصراً كي يصبح من رعايا الدولة العراقية الوليدة آنذاك، واستمر العمل بهذا القانون حتى اليوم.
وشهدت السنوات بين 1971 ومنتصف 1977 الهدوء الذي يسبق العاصفة، اذ كانت هذه الفترة الوحيدة التي عرف فيها العراق نوعاً من الإستقرار السياسي، رافقه إزدهار في مختلف الميادين أمنّته الفورة النفطية حينها. ففي هذه المرحلة شكلت الجبهة الوطنية واستقر الوضع في الشمال العراقي بعد إتفاقية الجزائر، وارتفع مستوى الدخل الفردي في شكل ملحوظ تبعاً لانخفاض معدلات البطالة، فبدا العراق وكأنه يحث الخطى نحو بناء بلد بمقاييس عصرية من الحداثة والتقدم. لكن ما ان أطل عام 1977 حتى بدأت الاوضاع بالتدهور، والجبهة الوطنية بالإنهيار، وضربت الأحزاب المشاركة، بل وكل التيارات المعارضة الأخرى، فتوزعت غالبية مناصريها وأعضائها بين بيروت ودمشق ودول أوروبا الشرقية.
بعد ذلك بسنتين تسلّم صدام حسين مقاليد السلطة بعد إزاحة البكر، ومن جديد بدأت جموع الهاربين تغادر العراق زرافات ووحداناً، وحدثت موجة كبرى ثانية وصلت الى حدود نصف مليون مهجر يشير المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق الى أن عدد المهجرين منذ النصف الأول من عام 1980 وحتى نهاية عام 1988 يراوح بين 350 ألفاً ونصف مليون، كان معظمهم من مؤيدي الحركات الإسلامية الشيعية، بخاصة حزب الدعوة بعد إعدام مرجعه الديني السيد محمد باقر الصدر، وتوجهت الكتلة الأكبر من هؤلاء نحو إيران.
أما أكبر موجات الهجرة من العراق حجماً وأكثرها أهمية، فهي التي حدثت على موجات متواصلة بدءاً من عام 1991، وطاولت مكونات الشعب العراقي كافة، جنوباً ووسطاً بوجه عام، فيما انخفضت نسبتها في بعض مناطق الشمال الكردية لتمتعها بالحماية والحكم الذاتي. في هذه المرحلة فتحت مجالات الهجرة على نطاق واسع نحو أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا والبلدان الإسكندنافية، بمساعدة مكاتب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في الأردن وسورية ولبنان وتركيا وغيرها. وضمن برنامج إعادة التوطين وجد مئات الآلاف من العراقيين طريقهم للإستقرار في تلك البلدان، فيما بقيت مجموعات أكثر عدداً تعيش في البلدان المجاورة.
أعداد المهاجرين بحسب بلد الإقامة
لا تتوافر إحصاءات رسمية لعدد المهاجرين - أو المهجرين - العراقيين سوى ما توفره القوى السياسية العراقية أو مراكز البحوث المهتمة بالوضع في العراق أو منظمات حقوق الإنسان ومكاتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويمكن الاعتماد على تلك المعلومات لإعطاء صورة عامة عن الخريطة المهجرية العراقية، وبالتالي توفير مستلزمات أولية لمحاولة التقرب من قراءة نتائج وتأثيرات أولئك المهاجرين في الانتخابات المقبلة، والأطراف السياسية التي يمكنها أن تكون الأكثر استفادة من أصواتهم.
وبصفة عامة، تنبغي قراءة أوضاع المهاجرين من نواح عدة، أهمها ما يتعلق بالبعد الزمني، أي فئات الأجيال العمرية بحسب تاريخ هجراتها وتباعد الأزمنة التي فصلت بينها وبين العراق، وبالتالي مدى تأثير هذا البعد في ترتيب أوضاعها في بلد المهجر. ومن هذه الحيثية، يمكن تصنيف الجاليات العراقية الى ثلاثة اجيال:
جيل الستينات والسبعينات وهم في غالبيتهم العظمى من السياسيين والكفاءات العلمية والأكاديمية من الشرائح والمكونات المختلفة. غالبية المهاجرين العراقيين تتكون من الكفاءات، حيث تعتبر فئة المهندسين والجامعيين والأطباء والمحامين والإقتصاديين والكتاب وسواهم أوسع عدداً في بريطانيا من بقية الفئات - نهى العيد - "الجالية العراقية بين التزايد السريع وتكوين الهوية"، المؤتمر الثاني للجالية العراقية - بريطانيا 1993. أما لجهة الإنتماءات أو الميول السياسية، فان أكثر منتسبي هذا الجيل، كان يحسب على تيارات قومية وليبرالية ويسارية إجمالاً، وممن تراوحت أعمارهم آنذاك بين 25 و50 عاماً جلّهم من الرجال، اجتذبت أوروبا عموماً، وبريطانيا بخاصة، الجزء الأكبر منهم. وهناك حصلوا على جنسية البلد المعني وما توفره من إمتيازات تضمن بدورها قدراً من الإستقرار، مما قد يجعل الإهتمام بقضايا الوطن يتراجع نسبياً الى مقامات أدنى في سلم الأولويات اليومية لديهم.
جيل مرحلتي السبعينات والثمانينات، الذي اختلفت أموره في تفاصيل مهمة، إذ حصلت عمليات تهجير جماعية، بعضها بدوافع ليست سياسية بالضرورة - اما من هو مسيس، فكان محسوباً على التيارات الإسلامية الشيعية كحزب الدعوة وغيره -، وشملت فئات عمرية متنوعة من الاناث والذكور، كما ضمت اسرى حرب السنوات الثماني مع ايران والذين قدروا بأكثر من 50 ألفاً. وهذه الهجرة تمركزت بمعظمها في إيران، ولا يزال العدد الأكبر منها هناك. أما الذين هاجروا لأسباب متعددة سياسية، عمل، دراسة... الخ، وفي شكل إفرادي أو في مجموعات صغيرة من دون تمييز محدد، فقد ابتلعت بعضها المهاجر البعيدة وحصلت كذلك على إمتيازات واستقرار كالجيل الأول، فيما بقي بعضها الآخرفي مهاجر إقليمية لا توفر لهم في العادة أي ضمانات.
جيل التسعينات وما بعدها وصولاً حتى 2003، والذي يبرز بصفته الأكثر قرباً وتأثيراً في الانتخابات. فهذا الجيل حافظ على صلات إجتماعية وسياسية قوية في العراق، كما ان كتلته الأكبر موجودة في دول الجوار إيران، الأردن، سورية، لبنان، تركيا... ومن هاجر منهم الى بلدان بعيدة، ما زال الوضع في العراق يحظى لديه باهتمام ملحوظ. وقد شكلت الفئات العمرية الشابة التي تراوحت أعمارها بين 18 و40 عاماً النسبة الأكثر حضوراً والأوسع إنتشاراً بينهم، وفاقت نسبة الذكور فيها نسبة الإناث في شكل مطلق، كما غلبت على معظمهم التوجهات الدينية عموماً، والإسلامية الشيعية بخاصة، مع حضور لافت للكلدوآشوريين. واتجه أكثر هؤلاء نحو المهاجر البعيدة. وتؤكد مصادر الأحزاب الكلدوآشورية أن هناك ما يقارب 450 ألف مهاجركلدوآشوري وأن نسبتهم هي الأعلى في أوروبا وأميركا. وتعول هذه الأحزاب على مشاركتهم الكثيفة في عمليات الإقتراع في الخارج لتثبيت حضورها في المعادلة العراقية المقبلة.
أجيال المهجر
ونعني بها تلك التي ولدت ونشأت في المهاجر أصلاً، وبالتالي لا تكاد تعرف عن العراق الا ما تسمعه من الأسرة أو ما ينقل عبر وسائل الإعلام. ويتميز هذا الجيل بمواصفات منها أنه من فئات عمرية لا تتجاوز الثلاثينات ذكوراً وإناثا وعاش أوضاعاً مستقرة إجمالاً، ونال قدراً من التعليم في مختلف المهارات والتخصصات. أما من ناحية إهتمامه بما يجري في العراق وبالتالي حساب مشاركته في الانتخابات، فهي تختلف بين ساحة وأخرى، باعتبار الظروف الخاصة التي يعيشها المهاجر في كل بلد وقدرته على الاندماج في بيئة المنشأ. وفي هذه النقطة يذهب الباحثون في موضوع الهجرة الى أن المهاجرين لأسباب إقتصادية هم أكثر احتفاظاً بصلاتهم مع وطنهم الأم لوجود روابط اسروية تبقى قائمة، وزيارات شبه منتظمة، مع إدراك أن وجودهم في بلد العمل وجود آني بعامة، بعكس تلك المهاجرة أو المهجرة لأسباب سياسية أو ما شابه، والتي عادة ما تنقطع بها سبل التواصل ويطول بها الزمن من غير أمل محدد بالعودة ، لذا تجد وسيلة للتعايش والاندماج مع حياتها في المهجر، وبالتالي يضعف لديها تدريجاً الإهتمام بقضايا الوطن.
ولكن ما هو مقدار تطابق ذلك كله مع اوضاع الجاليات العراقية؟
نستخلص من الجدول الملحق عن دراسة مسحية أعّدها الباحث العراقي سعد الوائلي لمصلحة "بنك المعلومات العراقي"، ونشرت عام 2001 في إصدار خاص تحت عنوان "الجيل العراقي في المهجر"، متخذاً من الجالية العراقية في ايران أنموذجاً، جملة من الملاحظات يمكن إيراد بعضها على الشكل الاتي:
أ على رغم المشتركات المعتقدية مع المجتمع الإيراني، حافظت الجالية العراقية في ذلك البلد وبأجيالها المختلفة على روابطها العشائرية والإجتماعية، كما على ثقافتها ولغتها وإنتماءاتها الوطنية بنسبة كبيرة، وبالتالي لم ينقطع إهتمامها ومتابعتها لما يجري في العراق.
ب أنهم جميعاً من مكون طائفي واحد، وأن القوى السياسية التي تحتل مركز الصدارة في نشاطها بينهم، هي الأحزاب والتيارات الأسلامية الشيعية بخاصة، وأهمها "حزب الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" والتيار الصدري - منذ الصدر الأب - وتنظيمات اخرى بدرجة اقل، وهو ما يعني أن هذه الكتلة الكبيرة ، قد تتبوأ مركز الصدارة في كمية الأصوات الأنتخابية التي ستجد طريقها الى صناديق الإقتراع.
أما الجالية الثانية لجهة الحجم والأهمية، فهي الموجودة في بريطانيا، وتضمّ تنوعات واطيافاً سياسية وفكرية ومكونات طائفية وأثنية عدة، وتكاد تكون صورة مصغرة عن المجتمع العراقي في الداخل. وفي شكل عام يمكن وصفها بأنها من أكثر الجاليات العراقية دينامية ونشاطاً على اكثر من صعيد، لذلك يتوقع أن تحلّ ايضاً في المرتبة الثانية لجهة المشاركة في الأنتخابات، باعتبار أن الإتجاهات السياسية الغالبة بينها هي من المؤيدة لقيام الديموقراطية في العراق.
كذلك تتوقع مشاركة ملحوظة للجاليات العراقية المنتشرة في البلدان الإسكندنافية وفي كل من المانيا وهولندا وبلجيكا والنمسا، والتي تضمّ أعداداً معتبرة من العراقيين، وذلك للسهولة النسبية في الوصول الى مراكز الإقتراع، فيما ستنخفض في كل من أميركا وأستراليا وكندا لتباعد المسافات وتبعثر الجالية في ولايات متفرقة.
أما بالنسبة الى البلاد العربية، فا لأرجح ان المشاركة الأدنى ستكون من نصيب الجاليات الموجودة في دول الخليج لقلة اعدادها، أما عن الجاليتين في الأردن وسورية، فنظراً لنشاط القوى العراقية المتحفظة أو المناهضة للانتخابات، وإن في شكل متفاوت بين البلدين، وردود فعل الشارعين الأردني والسوري غير المحبذين لإجراء تلك الانتخابات كما هو معروف - أقله في الظروف الراهنة -، فربما أدت تلك العوامل الى الحدّ من كثافة المشاركة التي ربما لا تتناسب نتائجها مع عدد العراقيين في البلدين.
والخلاصة أن موضوع المهاجرين العراقيين لا يبرز اليوم بصفته الحقوقية أو الدستورية التي تتيح لكل مواطن فرصة الإدلاء بصوته في الإنتخاب باعتباره حقاً طبيعياً من حقوقه وحسب، بل في كونه موضوعاً ذا مدلولات سياسية يمكن إستثمارها من جانب البلدان المضيفة، في مسعى منها لخلق إمتدادات سكانية لها داخل العراق يمكن من خلالها ممارسة نوع من الوصاية او التأثير في الوضع العراقي مستقبلاً.
ويتجلى ذلك في أن بعض بلدان الجوار التي توجد فيها جاليات عراقية كبيرة، تحاول في خطابها تغليب وتضخيم الجانب المشترك مع هذا المكون العراقي او ذاك على حساب الهوية الوطنية العراقية ذاتها. ولذا يلاحظ ان الدول المذكورة، قلما وجهت خطابها الى العراقيين من دون تغليفه، وإن ضمناً، بمسوغات طائفية أو قومية تخدم توجهاتها الخاصة.
وارتفعت وتيرة هذا المنحى في شكل لافت في الآونة الأخيرة ، مع اقتراب موعد الانتخابات التي تبدو وكأنها أحدثت فرزاً واضحاً وجعلت بعض الأطراف الأقليمية تكشف عن أوراقها. لكن هذه الملاحظة تشمل الجانب السياسي بصفة عامة، ولا تعني قطعاً ان تلك الدول تمارس التمييز بين العراقيين الموجودين على ارضها، فهذا ما لم يسجل حصوله بعد.
* كاتب وباحث عراقي.
العراقيون في ايران أكثر التصاقاً بهموم بلدهم
في دراسة مسحية أعّدها الباحث العراقي سعد الوائلي لمصلحة "بنك المعلومات العراقي"، ونشرت عام 2001 في إصدار خاص تحت عنوان "الجيل العراقي في المهجر"، متخذاً من الجالية العراقية في ايران أنموذجاً، تبين أن 43 في المئة هجروا قسراً، فيما هاجر 39 في المئة لأسباب سياسية. وعن مقدار إجادتهم للغة العربية او العراقية الدارجة كشفت عينة البحث أن 69 في المئة يجيدون العربية بصورة جيدة، و23 في المئة يجيدونها بدرجة متوسطة. اما الذين يستطيعون القراءة والكتابة بالعربية، فبلغت نسبتهم 63 في المئة، كما ان 67 في المئة يتحدثون مع بعضهم بتلك اللغة بصورة دائمة. وفي مجال الشعور بالإنتماء الوطني والقومي، يعتز 79 في المئة بعراقيتهم وعروبتهم، فيما 17 في المئة لا يفعلون ذلك. أما المهتمون بالقضايا السياسية، فتبلغ نسبتهم بين الذكور 38 في المئة، وتنخفض بين الإناث الى 30 في المئة. وكشفت الدراسة أن 91 في المئة منهم يعرفون أسماء المناطق التي أتوا منها في العراق وأن 77 في المئة ما زالت لديهم صلات مع الأسرة والأقارب هناك، وان 59 في المئة يرغبون في العودة الى العراق فيما يفضل 26 في المئة الهجرة الى بلد ثالث، ويفضل 74 في المئة الزواج من عراقيات، فيما قال 17 في المئة ان لا فرق لديهم. ويعود ذلك الى مجموعة من الأسباب منها: القلق من عدم انسجام الشريك الإيراني عند العودة الى العراق للاختلاف والتمايز بين المجتمعين في العادات والتقاليد، وتعقيدات المسائل القانونية في كل من البلدين وغيرهما. راجع: طالب الأحمد "الحياة الإجتماعية للعراقيين في المهجر".
التوزع الجغرافي للجاليات العراقية
تشير التقديرات الى أن عدد المهاجرين العراقيين يقارب الثلاثة ملايين نسمة، تبلغ نسبة الناخبين من بينهم نحو 40 في المئة، بحسب تقديرات المفوضية العليا للإنتخابات، أما توزعهم الجغرافي فهو على الشكل الآتي:
إيران : بين 900 ألف ومليون نسمة بعد سقوط النظام السابق، عاد الى العراق نحو 200 كما يشير بعض المصادر.
الأردن : بين 200 و250 ألفاً الأعداد تتغير بإستمرار.
بريطانيا : بين 400 ألف و500 ألف نسمة.
السويد : 50 ألفاً
الدنمارك :40 ألفاً.
إستراليا والنروج والمانيا : بين 100 و150 ألفاً.
سورية: بين 50 ألفاً و150 ألف نسمة.
الولايات المتحدة: 32 ألفاً.
كندا : بين 10 آلاف و15 ألف نسمة.
وهناك جاليات كبيرة من المهاجرين تنتشر في بلدان الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، وفي آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية، لم يجر إدراجها ضمن القائمة لعدم توافر ما يمكن الإستناد اليه في هذا الشأن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.