عادت الحركة إلى مسرح قرطاج الروماني هذا العام على أنغام الموسيقي التونسي المتحدر من أصول أندلسية خميس ترنان. وفي مناسبة مرور أربعين عاماً على ميلاد المهرجان أطلق على السهرة المخصصة لتكريم الراحل ترنان مساء السبت الماضي اسم "أربعون"، وهي ضمت أربعين لحناً منوعاً من ألحانه في إشارة إلى سن المهرجان. وتناوب على المسرح في ليلة الافتتاح شبيلة راشد وترصاف الحمداني وألفة بن رمضان وحسن الدهماني، فقدموا ألواناً مختلفة من القوالب الغنائية التي استخدمها ترنان والتي غنتها أجيال من الفنانين التونسيين. جديد هذا العام تمثل بتركيز أربع شاشات عملاقة في المسرح عرضت عليها صور من حياة ترنان وألوان من "موشحات" فرقة الرشيدية العتيقة التي قدم إبداعاته من خلالها. كان العرض مشوقاً وتثقيفياً في آن. وقال مدير "مركز الموسيقى المتوسطية" في مدينة سيدي بو سعيد، جارة قرطاج مراد الصقلي، الذي تولى تنسيق العرض ل"الحياة"، إنه اشتغل على الجانب الوثائقي كي يظهر الشخصية الموسيقية لترنان الذي اعتبره "جسراً يربط التراث بالموسيقى المعاصرة والموسيقى البدوية بالموسيقى الحضرية، إضافة الى انّه كان صلة الوصل بين جيلين من الموسيقيين التونسيين". أوبرا كورية وبعد "كوكتيل" ألحان ترنان التي ضمت أغاني لم تكن معروفة من قبل، حطت داخل أسوار قرطاج فرقة المسرح الوطني الكورية التي قدمت أوبرا "الملك أورو" وهو عمل مقتبس من "الملك لير" لشكسبير، وهي المرة الأولى التي يتعرف خلالها الجمهور إلى أعمال فنية كورية. كذلك هي المرة الأولى التي يقدم المسرح الكوري هذا العرض في بلد عربي بعدما جاب عواصم أوروبية وآسيوية عدة. والشخصية المركزية في الأوبرا هي باريدايجي كريمة الملك أورو التي تخرج من الظلام لملاقاة الضوء محاولة جمع أشلاء والدها الذي تفجر بسبب معاناته من الشرور التي تسيطر على العالم. واستخدمت الأوبرا تقنيات منوعة ومتطورة جمعت بين الرقص والموسيقى التقليدية الآسيوية ونفدها خمسون ممثلاً وممثلة ملأوا مسرح قرطاج حركة ورشاقة. واستمر اعداد الديكور لهذا العمل الأوبرالي الضخم، شهراً كاملاً قبل العرض. وعزا مدير المسرح الوطني الكوري كيم ميونغ غون في تصريح ل"الحياة" كل هذا الوقت الذي منحه التونسيون لاعداد الديكور إلى كون العرض اندرج في اطار الاحتفال بمرور أربعة عقود على انطلاق المهرجان. ويتضح من الأوبرا أن ابنتي الملك استحوذتا على الحكم بواسطة المبالغة باستخدام التزلف والمدح، لكن البنت الثالثة الصغرى عارضت الاستسلام لشقيقتيها وأشعرت والدها بنبوءة نقلتها إليها أمها قبل وفاتها وتوقعت فيها مستقبلاً مليئاً بالعنف والمناورات للمملكة، إلا أن والدها طردها من القصر. لكنه سرعان ما أدرك أن ابنتيه خانتاه ففقد عقله. مع ذلك قامت باريدايجي برحلة شاقة للعثور على "ترياق الجنة" الكفيل بعلاج والدها، في إشارة لأهمية مشاعر التضحية والتجاوز لإرساء الخير. والواضح أن الأوبرا أتت نوعاً من القراءة الآسيوية لمسرحية شكسبير. ويمكن القول إن هذا العمل يمنح الصدارة للمرأة بوصفها منقدة للعالم من الحروب والتطاحن على الحكم. وشكلت هذه التجربة الجديدة فرصة للاطلاع على تجارب المسرح الآسيوي الذي ما زال غير معروف في شمال أفريقيا والعالم العربي. نجوم من لبنان... وتونس عدا عن هذا العرض المسرحي اليتيم، بعدما كان مهرجان قرطاج يتميز بعروضه المسرحية المنتقاة، تسيطر السهرات الغنائية على الدورة الحالية وفي مقدم نجومها اللبنانيون الذين يحتلون المرتبة الأولى عددياً ويتقدمون على المصريين والعراقيين والخليجيين. فمن بلد الأرز يأتي كل من وائل كفوري وفارس كرم وأليسا وباسكال مشعلاني وأمل حجازي ونجوى كرم وفضل شاكر ودينا حايك ووليد توفيق ومادلين مطر. أما من العراق فيحيي كل من كاظم الساهر ورضا العبدالله حفلتين منفصلتين، ومن مصر يأتي كل من عمرو دياب وحكيم وشيرين وجدي وسوزان تميم وفرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية، ومن سورية نور مهنا وجورج وسوف وهويدا. ومن الكويت نوال وعبدالله رويشد، ومن السعودية عبدالمجيد العبدالله ومن الإمارات عبدالله بالخير وفايز سعيد ورويدا المحروقي. هكذا استعاد مهرجان قرطاج سمته السابقة بوصفه أهم مهرجان غنائي عربي. وإضافة الى العروض العربية تشتمل الدورة الحالية على عروض من إسبانيا وكندا وفرنسا والكاميرون والكونغو لعل أهمها عرضا فلامنكو لكل من الراقص خوان أندرياس مايا والفنانة ماريا هريديا. ومن الطبيعي أن تمنح الدورة للأصوات التونسية مكاناً مميزاً، وفي مقدم تلك الأصوات أمينة فاخت التي تحيي سهرة بعنوان "شدى بلدي" وعلياء بالعيد التي سيعاود الجمهور اكتشافها من خلال أغان جديدة. واستمراراً لتقليد حافظ عليه المهرجان مند انطلاقته، تتضمن الدورة انفتاحاً على الثقافات الأخرى من خلال الإقبال المكثف على الأفلام في سهرات قرطاج السينمائية، اذ برمجت ثلاثة عشر شريطاً بينها "آلام المسيح" و"إسكندرية نيويورك" و"اليوم التالي". "ناس الغيوان" في الحمامات وبعدما ظل مهرجان الحمامات الدولي ينافس مهرجان قرطاج طيلة عقود ها هو يكثف المنافسة لمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاقتهما فهما في سن واحدة، إلا أن مسرح الحمامات الذي ينام بين أشجار حديقة قصر الثري الروماني جورج سيباستيان الذي أقام في تونس فترة قبل أن تشتري الدولة ضيعته، يعتبر صغيراً قياساً الى مدرجات قرطاج التي تتسع لخمسة عشر ألف مشاهد. مع ذلك تخصصت الحمامات - المنتجع السياحي الشهير - بالعروض المسرحية التي افتتحها في السنة 1964 التونسي الراحل علي بن عياد بمسرحية "عطيل" وقام فيها هو بدور "ياغو"، فيما قام جميل راتب بدور عطيل. بعد ذلك تناولت على المسرح شخصيات أوروبية وعربية معروفة بينها أندريه جيد وجوليت غريكو وشريف الخزندار وموريس بيجار. لكن الحفلة الافتتاحية هذا العام، أتت نسخة من مهرجان قرطاج إذ كانت معاودة للسهرة التكريمية لروح الفنان التونسي الراحل خميس ترنان التي أقامتها الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة عبدالرحمن العيادي على مسرح قرطاج. مع ذلك ظهر الاختلاف الكبير في عدد المسرحيات المبرمجة في دورة مهرجان الحمامات وهي خمسة مسرحيات تونسية جديدة الأولى لعبدالقادر مقداد بعنوان "أحبك يا شعب"، وهي مقتبسة من سيرة الزعيم النقابي فرحات حشاد. أما المسرحية الثانية فهي "أنتيغونا" للتونسي منير العرقي الذي يطرح قضايا إنسانية واجتماعية معاصرة تتصل بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم وتتطرق في أسلوب بعيد عن المباشرية لاحتلال كل من العراق وفلسطين، إضافة لمعاودة عرض مسرحيتين من نوع أل"وان مان شو" لكمال التواتي وثالثة لرؤوف بن يغلان. إلا أن عروض الحمامات لا تقتصر على المسرح فهناك مطربون وفرق موسيقية، وبين الفرق، "ناس الغيوان" المغربية ومجموعة "البحث الموسيقي" التونسية التي تعود للمرة الأولى إلى الواجهة بعدما غابت عن الساحة عقدا من الزمن، ومجموعة الغجر اليوغسلافية. ومن المطربين، التونسية ليلى حجيج التي يرافقها مايسترو العود التونسي علي السريتي، والجزائري ايدير، ونوال غشام، إضافة لعرض "رومانسيات" الذي تقدمه التونسية سنيا مبارك بألحان حمادي بن عثمان. ويلاحظ ضعف المشاركة العربية الذي يعزى ربما لأسباب مادية تتعلق بموازنة المهرجان. لكن مدير المهرجان فتحي الخراط أكد ل"الحياة" أن مهرجان الحمامات الذي عرف بجديته لا يستطيع "التعاطي مع كثير من الفقاقيع التي تسيطر على المشهد الغنائي العربي".