سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس الوزراء البريطاني يواجه اختبارين انتخابيين يكشفان مدى تراجع الثقة بحزبه . استغراب واسع لتقرير اللورد باتلر : كيف يمكن أن يكون بلير مذنباً و... بريئاً ؟
واجه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي بُرّئ مرّة جديدة من تضخيم خطر العراق عمداً، اختبارين انتخابيين برلمانيين يسعى فيهما معارضوه الى الاستفادة من المعارضة الشعبية للحرب على العراق. وبُرّئ بلير الاربعاء بعد تحقيق رسمي خلص الى ان معلومات الاستخبارات البريطانية عن اسلحة الدمار الشامل العراقية تضمنت فعلاً ثغرات خطيرة، لكن "الحكومة لم تخدع أحداً عندما بنت قضيتها لإطاحة صدام حسين". وقال بلير أمام مجلس العموم بعد قليل من صدور نتائج تحقيق رأسه اللورد باتلر: "لم يكذب أحد. لم يختلق أحد معلومات الاستخبارات". وتابع: "كل واحد حاول ان يقوم بأقصى ما يمكنه بنية صادقة تجاه البلد في ظروف بالغة الصعوبة. هذه القضية المتعلقة بالنية الصادقة يجب الآن ان توضع لها نهاية"، في إشارة الى التشكيك بأن الحكومة كانت تُبيّت النيّة لشن الحرب واطاحة الرئيس العراقي وضخّمت معلومات الاستخبارات من أجل تحقيق مأربها. لكن زعيم المعارضة المحافظة مايكل هاوارد لم يشأ ان يترك بلير يهنأ بالبراءة، إذ اتهمه بتحويل معلومات استخباراتية غير دقيقة عن الاسلحة العراقية الى حقائق. وقال متوجهاً الى رئيس الوزراء: "آمل ان لا نواجه في هذا البلد حرباً جديدة في المستقبل المنظور، ولكن اذا واجهناها وحددت الخطر، فهل ستصدقك البلاد؟". وستخضع ثقة الشعب ببلير وحكومته العمالية لاختبارين انتخابيين جزئيين الخميس سببهما وفاة نائب عمالي واستقالة آخر. وتُعتبر الدائرتان اللتان ستجرى فيهما الانتخابات من المناطق "المضمونة" لحزب العمال الذي حقق فيهما فوزاً ساحقاً في 2001 وما زال يحتفظ ب159 مقعداً أكثر مما تملكه المعارضة كلها مجتمعة في مجلس العموم. وركّز حزبا العمال والمحافظين حملتهما الانتخابية في الدائرتين على قضايا محلية مثل الجريمة والتعليم والرعاية الصحية. أما حزب الاحرار الديموقراطيين، وهو الحزب الوحيد من بين الاحزاب الاساسية الذي عارض غزو العراق، فقد ركّز على جذب المعارضين للحرب في دائرتي جنوب ليستر وبيرمنغهام هودج هيل، وفي كليهما جالية مسلمة كبيرة. "تبييض وجه" بلير واعتبر معلقون أمس ان تقرير اللورد باتلر عن الأخطاء التي ارتكبتها أجهزة الاستخبارات البريطانية يوضح الفشل الكبير الذي وقعت فيه الحكومة إزاء دوافع غزو العراق، إلا أنه يعتبر أيضاً بمثابة "الجزء الثاني من تبييض وجه" رئيس الوزراء توني بلير، في إشارة الى تقرير آخر صدر قبل شهور عن اللورد هاتون وبرّأ الحكومة في قضية انتحار الخبير في اسلحة الدمار ديفيد كيلي الذي قتل نفسه بعد انكشاف انه مصدر خبر في هيئة الاذاعة البريطانية يتهم الحكومة بتضخيم الخطر العراقي. ورأى معلقون أن المشكلة الكبرى في تقرير باتلر، سكرتير الحكومة السابق، انه لم يوجه اللوم الى أي من المسؤولين البريطانيين أو رئاسة الحكومة، بل انه دافع في شدة عن جون سكارليت الرئيس السابق للجنة المشتركة لأجهزة الاستخبارات والذي كان المسؤول الأول عن الملف "المشبوه" الذي صدر في أيلول سبتمبر عام 2002، وتم اعتباره الأساس الذي استندت عليه حكومة بلير لخوض الحرب على العراق بسبب تحذيراته من مخاطر الأسلحة العراقية المزعومة. وعكست الصحف البريطانية الصادرة امس التساؤلات العديدة حول مدى جدوى تقرير اللورد باتلر، لأن نتيجته جاءت كما كان متوقعاً بتبرئة بلير وأركان حكومته وأجهزة الاستخبارات على رغم اخطائها الفادحة بالنسبة الى العراق. وكتبت صحف ان بلير أصبح "آمناً" اليوم في 10 داونينغ ستريت بعدما تفادى اللورد باتلر توجيه أي انتقاد اليه. واعتبر ان الأخطاء التي وقعت كانت "مشتركة" لا تتحملها جهة واحدة. ورأت صحيفة "ذي غارديان" ان هذا هو الاسلوب الانكليزي التقليدي الذي يجامل دائماً المؤسسة الحاكمة ولا يعرضها للهجوم الجارح مهما كانت قد ارتكبت من أخطاء جسيمة. أما صحيفة "ايفننغ ستاندارد" المسائية فكتبت ان اللورد باتلر وفر لبلير "زورق نجاة" حيث بوسعه ان يدعي بأنه تصرف على نحو سليم وأن التخلص من صدام حسين كان القرار الصائب. أما صحيفة "ديلي ميرور" الموالية للعمال ولكن المعارضة للحرب على العراق، فكان عنوانها الرئيسي بكامل الصفحة الأولى "مبالغة وتضخيم، بلير استخدم الأساليب الدعائية لتبرير الحرب على العراق، معلومات الاستخبارات كانت خاطئة على نحو خطير. ولكن لا أحد يوجه اليه اللوم". ورأت الصحيفة في مقال افتتاحي "ان اللورد باتلر أصدر حكماً غريباً وهو ان بلير مذنب وبريء في الوقت نفسه". وأضافت ان باتلر الذي عمل كسكرتير خاص وسكرتير لخمس حكومات بريطانية متعاقبة، توصل الى هذا الحكم المثير للدهشة في تقرير يحتوي على 196 صفحة بينما كان بوسعه ان يتوصل الى هذه النتيجة في صفحة واحدة فقط. وحذرت "الميرور" من أن بلير لا يمكنه ان يتخفى وراء التقرير ويعتقد أنه أفلت من العقاب. أما صحيفة "ديلي ميل" فقد اختارت عنواناً بعرض الصفحة الأولى بكاملها يقول: "لا أحد يمكن توجيه اللوم اليه!". وفي عناوين فرعية في الصفحة الأولى قالت الصحيفة "بلايين الجنيهات اُنفقت عشرات الجنود البريطانيون قتلوا أمة تم استقطابها للحرب مقتل 11500 شخص مدني في العراق. ليست هناك أسلحة دمار، معلومات استخباراتية خاطئة على نحو مشين". اما "ذي غارديان" فقالت في مقال لمحررتها السياسية جاكي أشلي انه ليس هناك أدنى شك في أن بلير ضلل مجلس العموم حول الحرب على العراق. وطالبت بلير بأن يراجع ضميره من جديد وأن يبحث ما إذا كانت استقالته ستعزز مكانة حزب العمال. وكتب جوناثان فريلاند في "ذي غارديان" ان اللورد باتلر لم يوجه ضربة قاضية لرئيس الوزراء لكنه قدم "علبة انيقة من السكاكين الحادة". واضاف: "لم يلعب دور القاتل لكنه بدل ذلك قدم لرئيس الوزراء سترة واقية من الرصاص وقدم للرأي العام كمية من الرصاص". وعبر وزير الخارجية السابق روبن كوك الذي استقال من الحكومة في آذار مارس 2003 بسبب معارضته للحرب، عن دهشته لأن التحقيق لم يشر الى اي مسؤول. وكتب في صحيفة "الاندبندنت" انه "بدون شك القصور الاكثر احراجا في تاريخ الاستخبارات البريطانية". واضاف متهكماً: "في الوقت نفسه وحسب باتلر، لا احد يتلقى اللوم على ذلك. كل الناس تصرفوا بشكل مثالي ولم يرتكب احد اخطاء". أما صحيفة "ذي صن" الشعبية المملوكة للمليونير روبرت ميرودخ والموالية للعمال، فقد تجاهلت تقرير اللورد باتلر في صفحتها الأولى تماماً وبدل ذلك خصصت صفحتيها الثامنة والتاسعة لابراز التقرير والدفاع عن بلير بالقول بأنه تصرف مدفوعاً بحسن النية للتخلص من صدام حسين وأن هذا يعتبر انجازاً تاريخياً لبلير والرئيس الاميركي جورج بوش. أما صحيفة "ذي فايننشال تايمز" المرموقة فقالت عكس ذلك تماماً ورأت ان بلير وبوش حاولا الهروب من الانتقاد بتحميل المسؤولية لاجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية. استراليا وفي سيدني، اعلن رئيس الوزراء الاسترالي جون هاورد امس ان موقفه من الملف العراقي لم يتغير بعد نشر تقرير لجنة التحقيق البريطانية المستقلة برئاسة اللورد باتلر عن اسلحة الدمار الشامل العراقية. وقال هاورد ان تقرير باتلر لا يغير شيئاً في قناعته بأن استراليا كانت على حق في مساعدة بريطانيا والولايات المتحدة على اطاحة نظام الرئيس صدام حسين. ورأى ان هذا التقرير لا يستبعد نهائياً وجود اسلحة دمار شامل في العراق. واضاف: "لا يزال موقفي يقضي بأننا كنا نمتلك معلومات متينة تبرر قرارنا ولا شيء في تقرير باتلر يغير هذا الموقف". واصبحت سياسة هاورد محافظ في شأن الملف العراقي احد ابرز محاور الحملة الانتخابية قبل الاقتراع الذي سيجرى بحلول نهاية السنة في استراليا. وتشير استطلاعات الرأي الى معارضة متنامية في الرأي العام للحرب ولوجود قوات استرالية في العراق. وينتشر حوالى 850 جندياً استرالياً في العراق والخليج. ورأت المعارضة العمالية في استراليا الرافضة لأي مشاركة استرالية في النزاع العراقي، ان تقرير باتلر يدل على ان هاورد لم يكن يمتلك أي تبرير لادخال البلاد في الحرب.