بلغ عدد التصريحات التي ادلى بها رئيس الحكومة عاطف عبيد على مدى خمسة اعوام حدود ال 7220 في المتوسط ركزت كلها على الأوضاع الداخلية وكيفية حماية محدودي الدخل وتنشيط الاستثمارات. ولوحظ ان تصريحات عبيد مستوحاة من مضامين تصريحات من سبقوه من رؤساء الحكومات وبالتأكيد ستكون من مضمون تصريحات من سيخلفونه! وفي عودة الى موقع "الأهرام" الالكتروني، الصحيفة شبه الرسمية، يحتل وزير التجارة الخارجية يوسف بطرس غالي المرتبة الثانية ووزير الزراعة يوسف والي المرتبة الثالثة ثم وزراء التخطيط والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، فيما يأتي وزير البيئة في ذيل قائمة أكثر الوزراء تصريحاً في الفترة الماضية ما يفيد أن المعنيين بالأمر الاقتصادي هم الأكثر كلاماً، وفي غالبيته "حديث من دون معنى" ويفقد قيمته مقارنة بالواقع الذي يعيشه المواطن. وهناك أكثر من 47 مليوناً من مستوى متوسطي ومحدودي الدخل عدد السكان 70 مليوناً يئنون من مشاكل عدة فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها. واللافت أن الخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال الذين كانوا يهللّون لسياسة الحكومة لاذوا بالصمت حالياً وامتنعوا تماماً عن الإدلاء بآرائهم في كشف حساب حكومة عبيد خوفاً من التناقض بين آرائهم السابقة والحالية. وخلت الساحة للمنتقدين الذين شددوا على ضرورة التغيير الجذري وليس الشكلي، فهم يرون أهمية أن تتقاعد الحكومة وتُختار حكومة شعبية "بإرادة الشعب" تقرِّب المسافة القائمة مع المواطن وتجعله شريكاً أساسياً في القرار. ويعتبر المنتقدون أن كشف حساب حكومة عبيد سلبي للغاية ويضعها في قائمة "الخارجة عن الواقع" لأنها أهملت هذا الواقع. "خيبة أمل" ألمت بالمصريين بعد فض دورة البرلمان من دون مناقشة مشاريع قوانين مطروحة منذ اعوام وإقرارها، وفي مقدمها قانون اتحاد الشاغلين الخاص بالثروة العقارية في البلاد، وقانون منع الاحتكار وقانون العمل الموحد ما جعل الجميع يشعر بأيد خفية تعبث بصالح البلاد، وأن هناك بالفعل لوبياً لا يدري احد من وراءه يقف ضد أي قرار في هذا الإطار. ويتمثل الخوف حالياً من امتداد فقدان الثقة بين المواطن والحكومة إلى المواطن والبرلمان، ثم المواطن والحزب الحاكم، وفي حال حدث ذلك يمكن للمواطن البحث عن مكان بديل يجد فيه نفسه وتُحترم آدميته. ويسيطر حال البلاد على كل منتدى أو طاولة مستديرة، لكن سيطرة خفية إذ أن الحديث عن ذلك يتطلب ذكاءً في كيفية اختيار أطراف الحديث الذي لا يخلو من انتقادات حتى من الوزراء انفسهم. مسؤول بارز في الحكومة، قَلَب المنضدة على الحكومة، في جلسة ودية مع مسؤولين سابقين وحاليين، وقدم خلالها كشف حساب عام للحكومة، وقال: "في أول اجتماع لحكومة عبيد في 18 تشرين الاول اكتوبر عام 1999 الذي استمر 7 ساعات متصلة حددنا أهدافاً رئيسية واعتبرت تلك الأهداف بمثابة خطة عمل الحكومة. وفي مقدم الأهداف الالتزام بسياسات الاصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم والحفاظ على المقومات الايجابية للاقتصاد وتأكيد الاحتفاظ بملكية الكيانات الاستراتيجية مثل قناة السويس وهيئة البترول والمصانع الحربية. والالتزام بالشفافية عن كل ما يصدر من قرارات، سيما التي تتعلق بقطاعات المجتمع وتنعكس على قاعدته العريضة من المواطنين. وتحقيق الاستقرار في أسواق المال، سوق النقد. وأن تسعى سياسات الحكومة على اختلاف محاورها، الى تحقيق اكبر قدر من فرص العمل. والتجاوب مع شكاوى المواطنين في تحسين الخدمات وفي مقدمها النقل، ومياه الشرب والكهرباء. وتطوير الخدمة في التعامل مع الجهاز الحكومي للجمهور من خلال 12 جهازاً، تطوير اداء الجهات التي تتعامل مع المستثمرين وعددها 25 جهة وجهازاً، انهاء مشاكل المودعين في شركات توظيف الأموال، وايجاد حلول للتعامل معها. وتحسين ظروف الحياة في العشوائيات، واستكمال المشاريع التي بدأت منذ سنوات عدة. إضافة إلى توفير السلع الأساسية للمواطنين والرقابة على الاسواق والعمل على تحسين رغيف الخبز. وفض المنازعات العاجلة، وتصفية الخلافات بين الحكومة والأفراد، لتجنب اللجوء الي القضاء. ودعم دور الاجهزة الرقابية في الرقابة على المال ومحاربة الفساد بكل أشكاله والتصدي بحزم للانحراف والالتزام بتوجهات الأجهزة الرقابية في هذا الشأن. وتبني سياسات عملية وواقعية تحقق تقدماً في الميزان التجاري من خلال قيمة الصادرات". ويتساءل... ماذا تحقق من هذه الأهداف؟ للأسف ..الشيء البسيط. أنا حضرت غير مرة اجتماع للحكومة وأجد فقط مكلمة، لا توجد سياسة واضحة كلها تكليفات دون رادع لعدم تنفيذها. استثمار مستثمر بارز رفض ذكر اسمه قال: "في 27 نيسان أبريل الماضي أعلن عبيد، وفي حضور رئيس هيئة الاستثمار محمد الغمراوي، تأسيس مؤسسة جديدة باسم "ايجيبت إنفست" بالتعاون بين وزارتي الصناعة والتنمية التكنولوجية للترويج للاستثمار الاجنبي المباشر وجذبه الى السوق المحلية على أن تمارس نشاطها سنة 2006 في عدد من الأسواق المستهدفة، ثم نتوسع الى النطاق الدولي من خلال خطة متكاملة في السنة المذكورة". وتساءل: "ماذا فعلنا في السابق لننتظر سنة 2006"؟ وقال: "نتفق مع الحكومة في أنها تبذل جهوداً كبيرة لجذب الاستثمار الاجنبي المباشر، منها تعديل قانون حوافز الاستثمار الدولية وتجاوز بعض العقبات البيروقراطية بالتيسير على المستثمرين من خلال تعاملاتهم مع دوائر الاستثمار لكن على من يتحدث في هذا الإطار أن يؤكد جدية إزالة هذه العقبات التي ما زالت قائمة، والخوف ان تتأصل فينا... ينبغي النظر الى وضعنا مقارنة بدول صغيرة جداً مجاورة لنا". للأسف، والكلام للمستثمر، "نحن نؤمن بكفاءتنا فقط من دون إيماننا بكفاءة غيرنا بل وتفوقه علينا في مجالات كانت الهوة سحيقة بيننا وبينهم في سنوات سابقة، أما الآن فالميزان الواقعي يميل لهم ونحتاج الى أرطال من الحكمة ونوبة ضمير ومصارحة أنفسنا قبل أن نقلل من تفوق غيرنا، الصفر لم يعد في كرة القدم فقط، الصفر يأتي من أمامنا وخلفنا، وأمامنا صيغ عدة، إما نزيد الصفر أصفاراً أو نضع بجانبه رقم واحد أو اثنين أو ثلاثة لتصل الى المئة لنلحق بغيرنا على الأقل". واضاف: "نقول إن عناصر جذب الاستثمار في بلادنا كثيرة مثل شبكات الطرق، والموانئ، والموارد المائية والمطارات وإعادة تدريب المهارات للموارد البشرية وتنميتها ونسينا أهم عنصر وهو الثقة المتبادلة بين قوانين بلادنا والمستثمر القادم إلينا، الغالبية تسحب استثماراتها حالياً ونغالط أنفسنا إذا ناهضنا من يقول ذلك ونسخر أقلاما بعينها لترويج سياسة مضادة لنعود الى اجواء الستينات مرة أخرى". ودلل على اكثر من مستثمر سحب أمواله من مصر بل نصح زملاء له بعدم الاستثمار أو على الأقل تأجيل خطط استثمارية يكون عزم على تنفيذها. واستغرب ما يقال عن الوضع الاستثماري الجيد وقال "نحن مازلنا في طور إعداد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار وتشكيل لجنة برئاسة وزير التنمية الادارية لها 90 يوماً منذ 14 نيسان أبريل الماضي وهي اللائحة التي ستراجع القوانين المتعلقة بالاستثمار وعددها 30 قانوناً، وتشكيل مجموعة عمل آخر تضم وزراء التنمية الإدارية والتنمية المحلية والاتصالات ورئيس هيئة الاستثمار لمراجعة تأسيس فروع لهيئة الاستثمار في المحافظات. وأتساءل ما دخل الوزراء المذكورين بالاستثمار، وأي استثمار نحتاج إليه"؟ سوق النقد وعن سوق النقد كان محافظ المصرف المركزي المصري الأسبق علي نجم متحدثاً لبقاً، ولم يطلب عدم ذكر اسمه وبالتالي خاض في أمور عدة، وقال: "إن أبرز إنجازات عبيد على الصعيد المصرفي هو اتخاذ قرار تحرير اسعار الصرف في 29 كانون الثاني يناير بعد فترة غير قصيرة من الاضطراب النقدي وهيمنة السوق غير الرسمية، وهو قرار اتسم بالجرأة واطلق في الوقت نفسه يد المصارف في سوق الصرف الأجنبي حتى بدأت تعمل على طرد عمليات المضاربة والممارسات الضارة في تلك السوق". وأشار نجم الى أن القرار كانت له كلفة مؤثرة في الاقتصاد الوطني قرابة العام حتى استطاعت الحكومة أن تحقق الاستقرار النقدي وفي محاولة لتعزيز الإطار التشريعي الداعم للإصلاح المصرفي اصدرت الحكومة بالتعاون مع المصرف المركزي قانون المصارف رقم 88 لسنة 2003 ولائحته التنفيذية، وهو القانون الذي اعاد تنظيم السوق والإطار العام لمنح التسهيلات الائتمانية بعد توحيد رصيد ديون الحسابات المرتبطة وعدم السماح لها بتجاوز نسبة 30 في المئة من القاعدة الرأسمالية للمصرف الذي تستدين منه. ولاحظ أن الحكومة تعاملت مع اصلاح السوق المصرفية كقضية مصيرية وادخلت تغييرات واسعة في صفوف القيادات بهدف إصلاح هياكل المصارف التي اثرت فيها وضعية القروض غير المنتظمة ولم تستثنِ المصرف المركزي نفسه من هذا التغيير وتدخلت لدى الرئاسة لاتخاذ قرار بتعيين الدكتور فاروق العقدة محافظاً للمركزي. لكن حكومة عبيد بقدر ما أجادت في التعامل مع بعض قضايا السوق المصرفية اخفقت في التعامل مع البعض الآخر منه، قبيل ذلك عدم الالتزام بتحديد هوية للسياسات المالية والنقدية وما اذا كانت ستتبع سياسات "توسعية" أم "انكماشية" الأمر الذي انعكس على الموقف من سعر الإقراض والخصم ومن ثم أسعار الودائع والمدخرات ما أدى إلى زيادة كلفة الأموال داخل السوق المصرفية بوجه عام.