دام عناقهما قرابة القرنين حتى أصبح ذكر احدهما يفضي بداهة الى الآخر، فالعلاقة بين نيل الروضة وقصر المقياس أو "المانسترلي" - كما يحلو لبعضهم تسميته - بديهية في أذهان القاهريين الذين شبوا ونهرهم الأسمر يحتضن هذا البناء العثماني الفريد منذ عصور ساحقة. وموقع القصر الحالي سبق ان شهد قيام وفناء عدد من قصور المشاهير القديمة لكن لم ينل أحدها شهرته الحالية، مثل قصري المختار والبستان اللذين شيدهما إبن طنج الاخشيدي، والقلعة الصالحية لنجم الدين ايوب التي هدمها الملك عزالدين أيبك واستخدم عناصرها في تشييد مدرسته. ومع الفتح العثماني لمصر أقام الامير أحمد كتخدا في البقعة ذاتها بستاناً ألحق به جوسقاً خشبياً ضمه حسن المانسترلي - محافظ القاهرة في عهد عباس حلمي الاول وناظر الداخلية في ما بعد - الى املاكه لاحقاً وزاد عليه حتى كان القصر الحالي الذي يستأثر بألف متر مربع من غرب جزيرة المنيل "الروضة" متخذاً شكل بناء مستطيل من طابق واحد تتوسطه صالة رئيسية كبيرة تتصل بشرفة دائرية على نيل مصر. وتحوي الصالة عدداً من الارائك والشمعدانات الاثرية العملاقة وساعة رمل قديمة تخص المناسترلي نفسه، ويكتنفها من جهتي الشرق والغرب اربع حجرات تفضي احداها الى صالة اخرى صغيرة، ملحق بها حمّام عربي وثلاثة ايوانات يجري استخدامها حالياً كقاعات موسيقية لحفلات المركز الدولي للموسيقى. نقوش الحوائط والاسقف يغلب عليها طابع "الروكوكو" العثماني الذي شاع في عمائر القرن التاسع عشر وتميز بزخارفه النباتية والكرانيش الملونة، أما خاماتها فمن الحجر المقاوم للرطوبة والمطلي بالجبس. وطاول القصر في العامين الماضيين عدد من اعمال الترميم التي نفذها المجلس الاعلى للاثار حيث اعاد بناء المداميك والكرانيش، كما رمم الحوائط العلوية من الداخل والخارج وازال طلاءها المشبع بالرطوبة وأعاد دهنها من جديد. ويتم حالياً تحديث شبكة كهرباء القصر لتتناسب والاستخدام الجديد له كمشروع ثقافي. وملحق بالقصر عدد من المنشآت الاثرية الأخرى لعل اشهرها واهمها "مقياس النيل" الذي يعد من اقدم الآثار الاسلامية في مصر على الاطلاق ويرجع تاريخه الى العصر العباسي اثناء حكم الخليفة المتوكل، وقد سمي وقتها بأسماء عدة كالمقياس الهاشمي والكبير ومقياس الروضة. وأشرف على بنائه مهندس عباسي يدعى أحمد بن محمد الحاسب، الأمر الذي أكدته كتابات قديمة كانت على جدران المقياس أزالها أحمد بن طولون حين أمر بتجديده العام 259 هجرية. ولحقت بالمقياس تطويرات عدة على يد الخليفة المستنصر الفاطمي الذي طلب من وزيره بدر الدين الجمالي ترميم المقياس اواخر القرن الخامس الهجري، ولكنه لم يكتف بأوامر سيده بل زاد عليه مسجداً أصبح من ملحقاته المهمة في ما بعد حيث دفن فيه المانسترلي. وكان المقياس ضمن البنايات التي خربها الفرنسيون اثناء حملتهم على مصر إذ عمدوا الى هدم قبته العالية التي ظلت كذلك حتى العام 1925 حين دشنت لجنة حفظ الآثار العربية غطاء هرمياً جديداً للمقياس ما زال قائماً حتى الآن. ويتكون المقياس من بئر مربع من الحجر يتوسطه عمود رخامي مدرج يحيط به درج يصل اعلى البئر بقاعه، ويتصل بالنيل بواسطة ثلاث فتحات ذات اشكال مدببة. ويحمل العمود المثمن الاضلاع كتابات بالخط الكوفي. ويلحق بالقصر ايضاً مبنى مجاور كان يستخدم حجرة للخدم وتم استغلاله لاحقاً كمتحف للاحجار النادرة الى جانب اقامة متحف لأم كلثوم افتتح العام 2001 ويضم مجموعة كبيرة من الأوسمة والنياشين الخاصة بها وملابسها واغانيها وافلامها ووثائق تؤرخ لحياتها ولمصر خلال 75 عاماً.