أضفى نبأ وفاة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان مهابة على الاحتفالات بالذكرى الستين لإنزال الحلفاء على شواطئ النورماندي الفرنسية في 6 حزيران يونيو 1944 الذي مهد للانتصار على النازية. ونكست الاعلام حداداً على الرئيس السابق الذي زار موقع الاحتفالات قبل عشرين عاماً وألقى خطاباً مؤثراً. ووقف الرئيس جورج بوش في المكان نفسه حيث وقف ريغان عام 1984 وقال إن الرئيس الراحل "خلف وراءه أمة عزز مكانتها. وبفضل زعامته تخلص العالم من عصر الخوف والطغيان"، فيما حيا الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذكرى ريغان باعتباره "رجل دولة عظيم، سيترك بقوة قناعاته والتزامه في سبيل الديموقراطية، علامة فارقة في التاريخ". إلى ذلك، تحولت الاحتفالات إلى مناسبة لتأكيد التحالف القوي بين فرنساوالولاياتالمتحدة، استناداً إلى قاعدة التضحيات السابقة التي أوجدت الاحترام المتبادل، وقال شيراك: "إن التحالف الذي تحقق مع الولاياتالمتحدة في الساعات العصيبة أقوى اليوم"، أما بوش فأعلن أن مساندة بلاده قضية الحرية في أوروبا ستستمر بالزخم ذاته وبالمبادئ التي جند الرئيس الراحل ريغان نفسه لأجلها،". استعاد حلفاء الحرب العالمية الثانية والألمان في النورماندي أمس، تضحية الجنود الذين سقطوا من أجل تحرير أوروبا من الهيمنة النازية، في الذكرى الستين لإنزال الحلفاء على شواطئ النورماندي حيث قتل 60 ألف جندي من القوات الحليفة طوال فترة المعارك إضافة إلى عشرين ألف مدني و75 ألف جندي ألماني. وواكبت الاحتفالات إجراءات أمن مشددة، ونشرت السلطات الفرنسية نحو 30 ألف جندي على امتداد شواطئ النورماندي التي يبلغ طولها 80 كيلومتراً، فيما حلقت طائرات مروحية عسكرية. واستعدت طائرات مقاتلة لإسقاط أي طائرة يمكن أن تنتهك منطقة حظر الطيران. وافتتح الرئيس الفرنسي جاك شيراك المراسم في مقبرة كولفيل- سور- مير، الأكبر لعسكريي التحالف حيث دفن 9386 جندياً أميركياً، وشدد على تضحية الجنود الذين قتلوا من أجل تحرير فرنسا وأوروبا. وقال شيراك أمام نظيره الأميركي جورج بوش ومئات من قدامى المقاتلين الأميركيين الذين استمعوا إلى الخطابين الرئاسيين إن بلاده لن تنسى أبداً ما تدين به لأميركا، صديقتها منذ الأزل، وإلى كل حلفائها الذين أتاحوا لأوروبا الموحدة العيش بسلام وحرية وديموقراطية". وتابع: "إن التحالف والتضامن مع الولاياتالمتحدة والذي تحقق في الساعات العصيبة هو اليوم أقوى وأقوى". وأوحى ذلك بالمؤشرات الإيجابية التي أفضت إليها محادثات شيراك ببوش على صعيد إصلاح علاقتهما التي توترت بسبب معارضة فرنسا غزو العراق. ورد بوش، الذي وقف في الموقع ذاته للرئيس الراحل رونالد ريغان الذي حضر احتفالات الذكرى ذاتها قبل 20 عاماً، بأن فرنسا شكلت دائماً الصديقة الأولى للولايات المتحدة في العالم، في إشارة إلى الدعم الفرنسي للأميركيين خلال حرب الاستقلال ضد انكلترا في نهاية القرن الثامن عشر. وقال: "وقفنا جنباً إلى جنب من خلال التحالف الأطلسي في سبيل مساندة قضية الحرية في أوروبا، والأمر يجب أن يستمر". وأضاف: "إن احترام بذل الجنود أرواحهم من أجل الدفاع عن الحرية والديموقراطية واجب على زعماء العالم جميعاً في العصر الحديث". وحرص بوش على تلاوة عبارات احتواها خطاب الرئيس الراحل ريغان في الذكرى الأربعين للإنزال، وهي: "نقف فوق مكان موحش تذروه الرياح في الساحل الشمالي لفرنسا...الهواء عليل ولكن في هذه اللحظة قبل 40 عاماً كان الهواء مليئاً بالدخان ونيران البنادق والمدافع". وتذكر بوش ريغان بالقول: "لقد جند نفسه في سبيل قضية الحرية وصولاً إلى تخليص العالم من عصر الخوف والطغيان. إنه رجل شجاع حقاً". وتابع: "ستظل في ذاكرتنا إلى الأبد وفي ذاكرة الأمة التي خدمتها والأمم التي حررتها، وأتعهد بأن تفعل الولاياتالمتحدة ما فعلته مع أصدقائها". الملكة إليزابيث وبلير وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير استبق في مقابلة نشرتها صحيفة "أوبزرفر" خطاب بوش في التشديد على أهمية الدور الحالي لتحالف الأطلسي، وأعلن أن الإنزال رمز إلى قوة الروابط الأطلسية "ذات الأهمية المحورية بالنسبة إلى مستقبل العالم". من جهتها، توجهت الملكة إليزابيث الثانية إلى بعض قدامى المقاتلين الكنديين الذين نفذوا عملية الإنزال على شاطئ جونو بالقول: "واجهت إنكلترا تهديداً مباشراً من النازيين، لكنكم عبرتم الأطلسي تاركين أمان بلادكم لتقاتلوا من أجل الحرية في أوروبا". واغرورقت عيون بعض قدامى المقاتلين بالدموع في نهاية الحفل، فيما تناول عدد منهم حفنة من رمال الشاطئ ليعيدوها معهم إلى ديارهم. وكان ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز حضر عملية إنزال رمزية بالمظلات للقوات البريطانية والكندية في قرية رانفيل التي شهدت أول عملية إنزال في النورماندي، واستقبل وصول أسطول صغير من السفن ضم عدداً من المحاربين القدامى الذين نزلوا على شواطئ النورماندي وعبر من ميناء بورتسموث جنوببريطانيا إلى كاين. كما رعى تدشين نصب تذكاري لأكبر ضابط بريطاني لا يزال على قيد الحياة ويدعى جيمس هيل الذي يبلغ من العمر 93 عاماً. شرودر: "الجنون النازي" وانضم المستشار الألماني غيرهارد شرودر إلى قادة 20 دولة مدعوة أخرى إلى حضور الاحتفال، ما جعله أول زعيم ألماني يشارك في إحياء ذكرى الإنزال، ورافقه مقاومان ألمانيان شاركا في محاولة الاغتيال التي استهدفت الزعيم النازي أدولف هتلر في 20 حزيران يونيو 1944، وهما: البارون فيليب فون بوزيلاغر وزوجته روزا ماريا. وأعلن شرودر أن الصداقة الوثيقة بين فرنسا وبلاده نمت عقب دحر "الجنون" النازي. وقال: "ننظر إلى أرض المعارك بأسف عميق، لكننا نثني على واقع أن فرنسا وألمانيا باتتا حليفتين أكثر قرباً اليوم، وأن الشراكة الأوروبية انبعثت من بين رماد "الجنون القومي". ويذكر أن والد شرودر، العريف في الجيش الألماني فريتز، توفي خلال الحرب العالمية الثانية حين كان شرودر في سن الستة أشهر، وعثرت على مقبرته في رومانيا قبل أربعة أعوام فقط. وحضر أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول مشاركة لبلاده ورئيس الوزراء الكندي بول مارتن ورئيس وزراء أستراليا جون هاوارد، وزعماء من النروج وبلجيكا وهولندا وبولندا ونيوزيلندا.