يخيم الغموض على مصير حكومة ارييل شارون واحتمالات نجاتها من اقتراحات لحجب الثقة في الكنيست مساء اليوم بعد ان بحثت أمس في خطة "فك الارتباط الاحادي" المعدلة على نحو سمح لقادة "جبهة المعارضة" في حزب "ليكود" الوزراء بنيامين نتانياهو وسلفان شالوم وليمور لفنات بتأييدها ليس قبل ان يتأكدوا من انها لا تتحدث عن اخلاء فعلي أو حتى من حيث المبدأ لمستوطنات غزة. وبات المفتاح في يد حزب "العمل" الذي بوسعه ان يتحالف، خلال التصويت على اقتراح حجب الثقة، مع اليمين المتطرف واليسار الصهيوني والاحزاب العربية ليحققوا غالبية من 61 نائباً تطيح شارون. وبدأت الحكومة جلستها بعد ان رفض رئيسها اقتراح قاضي المحكمة العليا ادموند ليفي إرجاء مناقشة الخطة في اعقاب التماسات مقدمة اليه ضد إقالة وزيري "الاتحاد القومي" افيغدور ليبرمان وبيني الون والجوانب القانونية المتعلقة بها خصوصاً لجهة احتساب الساعات ال48 المطلوبة لدخول الإقالة حيز التنفيذ. هذا في موازاة مواصلة مساومات اللحظات الأخيرة للتوصل الى صيغة حل وسط تقنع الوزراء المعارضين بدعم الخطة. ولم يتضح حتى ساعات متقدمة من مساء أمس مضمون هذه الصيغة، لكن الوزراء الثلاثة، نتانياهو وشالوم ولفنات، اكدوا انه بموجب التعديل فإن الخطة المطروحة تتحدث عن نية الحكومة اخلاء مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات شمال الضفة الغربية من دون الإتيان على ذكر تعبير "اخلاء المستوطنات"، لا من حيث المبدأ ولا فعلياً وان الحكومة ستصوت على كل مرحلة من مراحل الخطة الأربع قبل الشروع في التنفيذ وسط توقعات بأن لا تنفذ المرحلة الأولى قبل مطلع العام المقبل. وتظاهر وزراء حزب الوسط "شينوي" بالغضب على هذه الصيغة فغادروا جلسة الحكومة احتجاجاً لكنهم سرعان ما عادوا اليها بعدما التزم رئيس الحكومة بقراءة بيان غير ملزم يحدد مطلع آذار مارس من العام المقبل موعداً للشروع في الاخلاء بعد استكمال الاستعدادات لإخلاء المستوطنات حتى الموعد المذكور. وعلى رغم اعتبار قبول الحكومة بالخطة "قراراً تصريحياً" وان ثمة فرقاً شاسعاً بين اتخاذ قرار ليس سوى "اعلان نيات" وبين تنفيذه خصوصاً ان شارون لم ينفذ خلال الاشهر الاربعين لحكمه اياً من التزاماته، مالت الصحف العبرية الى اعتبار اقرار الحكومة خطة للانسحاب من غزة "تاريخياً" لان الحكومة تصوت عملياً على "ام المشاكل التي تواجهها اسرائيل" المشكلة الاكثر ايلاماً التي تمزقها... تمزيق البلاد بيننا وبين الفلسطينيين"، كما يكتب المعلق السياسي في "معاريف" بن كسبيت، مذكراً بأن خمسة رؤساء حكومة خسروا مناصبهم "تحت وطأة هذه القضية" وعليه فإن مصادقة الحكومة الحالية بزعامة ليكود وشارون، على انسحاب شامل ودراماتيكي من قطاع غزة ليست سوى حدث تاريخي". وتكتب صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ان اقرار "فك الارتباط" التدريجي يعتبر خطوة اولى ذات اهمية تاريخية نحو اخلاء مناطق معدة لاقامة دولة فلسطينية وان كل لبيب يفهم ان انسحاباً من غزة وشمال الضفة "يشكل مقدمة لتقوقع اسرائيل في حدود الخط الاخضر مع تغييرات طفيفة" وتضيف الصحيفة ان مصادقة "ليكود" على الخطة تعني انفصاله عن معسكر اليمين التقليدي الذي اتحد دائماً على اساس ايديولوجية الاستيطان وراء "الخط الاخضر". وتحذر الصحيفة من قبول الصيغة التوفيقية التي قضت بمواصلة الحكومة اغداق الموارد على المستوطنات المرشحة للاخلاء. وكتبت ان هذه الصيغة تفرغ بشكل او بآخر خطة الانفصال من مضمونها وتزرع الالغام في طريق تنفيذها. وترى صحيفة "يديعوت احرونوت" في افتتاحيتها ان قبول الصيغة التوفيقية ستعني الفصل بين النية للاخلاء وبين الاخلاء الفعلي، مشككة في النية الحقيقية لشارون "الذي ازدهر الاستيطان في عهده وتم توسيعه في الضفة والقطاع... ولم يفكك حتى بؤرة استيطانية واحدة وكان سخياً في الموازنات التي اغدقها على المستوطنات حتى في زمن التقشف الاقتصادي". وترى المعلقة في الشؤون الحزبية في الصحيفة نحامة دويك ان شارون، وبعدما ينهي معركته الأولى في الحكومة سيضطر الى تجميع قواه من جديد ليخرج الى المعركة المقبلة، تلك التي قد تقضي عليه سياسياً: المعركة على الائتلاف، مشيرة الى تعقيدات في الساحة الحزبية والى اتساع التمرد داخل "ليكود" الذي يقود الى استبداله بنتانياهو. في سياق متصل، صعّد "المتمردون" تهديدهم لشارون الإطاحة به، وقال يحيئل حزان ان العد التنازلي لحكم شارون بدأ، فيما لمح آخرون الى انهم سيسببون متاعب كثيرة لشارون في الكنيست حتى تسقط حكومته. في موازاة ذلك، أعلن الوزير العمالي السابق حايم رامون ان حزب "العمل" لن يتسرع في دخول الائتلاف من جديد مع شارون "قبل ان نتأكد من ان شارون الحالي الذي يريد اخلاء مستوطنات ليس فعلاً شارون نفسه الذي أقامها"، لكن مراقبين لم يستبعدوا ان يصوت نواب الحزب اليوم ضد مشروع حجب الثقة عن الحكومة، فيما أعلن حزب "الاتحاد القومي" بزعامة ليبرمان انه سيصوت الى جانب المشروع وانه لن يألو جهداً حتى تسقط هذه الحكومة. وتظاهر العشرات من المستوطنين وناشطي السلام، كل على حدة، قبالة مكتب رئيس الحكومة امس، وذلك غداة تظاهرة الآلاف مساء السبت الذين دعوا شارون الى الانسحاب من غزة. ووصف متظاهرو اليمين شارون ب"القيصر الروماني نيرون الذي هدم بيوتاً بجنون".