حينما يغلق النهار بابه حاجباً ضوءه، يسدل الليل ستارته، مزيّناً عنق الارض بقليل من اضواء متناثرة هنا وهناك ليبدأ عرسه. تبدو أحياء المنامة من جسر الملك فهد كسيّدات استعدّدن للسهر، فارتدين أبهى الثياب وبدأن بالتمايل على وهج أضواء أعمدة الضوء. يعلم محبو السهر وجهتهم، جنوبالمنامة أو المنطقة الديبلوماسية، حيث توجد أرقى الملاهي الليليّة وأهمها. في تلك البقعة الصغيرة تتجسّد الكوزموبوليتية بأبلغ صورها، لا عولمة اقتصادية ولا أمركة. عولمة الليل وثقافة السهر فقط، سيد من دون منازع او شريك. يتسامر الافريقي مع الفرنسي والانكليزي، متناسياً سنوات استعمار طويلة ولا فرق بين بحريني وأميركي. تعدّدت الأزياء، تفاوتت الاعمار واختلفت الألوان والأعراق لكنّ الليل واحد. حمى ليلة الخميس في البحرين هي ذاتها ليلة السبت في أوروبا وأميركا والتي ألهب فيها الممثل جون ترافولتا خيالنا في فيلمه المشهور Saturday Night fever. أمام ملهى "البومودورو" الواقع خلف فندق "الخليج"، مجموعة من الشابات والشبان يهمّون بالدخول عبر ذلك الباب المستدير الأحمر الى قلب التفاحة الذهبية كما يدلّ اسم المطعم - الملهى. تزيّن جدران الملهى من الداخل صور لنجوم الفنّ السابع في هوليوود، نجوم تركوا بصمات واضحة منذ اربعينات القرن الماضي وحتى اليوم. فارس خليفة 30 عاماً مدير المطعم الذي يقصده الازواج والعائلات على حد سواء، يعرّف الوافدين الى برنامج السهرة الذي يتضمّن موسيقى حية يقدّمها شابان لبنانيان: ميشال وروجيه. يبدأ البرنامج عادة بموسيقى الجاز والبلوز، ثم آر أن بي R N B مسك الختام بالموسيقى الشرقية. وتسهر على راحة الزبائن وتلبية طلباتهم من المطعم الايطالي نادلات لطيفات من جنسيات مختلفة كالبلغاريات والرومانيات. يمنع خليفة دخول الاشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة إضافة الى الشبان من دون شريكات، "فالملهى سمعته طيبة ولم يسجّل أي حادث أو تصرّف خارج عن حدود اللياقة والذوق". أمّا عن جنسيات المرتادين، فيذكر فارس الكثير منها لا سيّما العرب من خليجيين ولبنانيين واردنيين. وعند كل استقبال او وداع، لا بدّ من رفع شعار المطعم :"توقّع ما لا يمكن توقعه" Expect the unexpected وجوب الحجز المسبق تحت فندق البستان يوجد ملهى "البي جايز"، وهو ملهى غربي تتوسّط طاولاته حلبة رقص توحي بأيام السبعينات من القرن المنصرم، لا سيّما اذا اتيت في ليلة الخميس حيث الديسكونايت. في عقده الثاني، آلن بايل يحيّي الزبائن بوجه بشوش وقصّة شعر على طريقة "سبايكي"، متنقّلاً بينهم ممازحاً هذا ومتفقّداً ذاك كأنه بين أهله وصحبه واصفاً لنا جوّ الملهى "بالودّي والعائلي". يشدّد آلن على وجوب الحجز المسبق لا سيما ليلة الخميس. أما الاعضاء المنتسبون فمرحّب بهم في أي وقت. وللانتساب للملهى، يجب أن تكون بلغت الثامنة عشرة وما عليك حينذاك سوى تقديم صورتين شمسيتين وصورة عن الهوية إضافة الى ذلك، للمطعم موقع الكتروني على الانترنت يمكّن الزبائن من الاطلاع على البرامج والخدمات التي يقدّمها. يقلّل "السير" آلن من أهميّة الوجود الطاغي للانكليز والايرلنديين والجنوب افريقيين، قائلاً ان "بين زبائنه أيضاً مصريين وخليجيين وغيرهم". ويفتخر بنوعية زبائنه اذ أنهم بغالبيتهم موظفون كبار في شركة "آرامكو" وغيرها من الشركات النفطية العالمية ك"هاليبورتن". أما عن موعد انتهاء السهرة، فهو الثانية صباحاً كما حدّدت وزارة الداخلية جازماً "التقيّد بالنظام من دون أي خروق" نظرة سريعة الى مطعمExchange الذي يديره هندي يدعى كوتشو تأخذك الى ألف سؤال وسؤال من دون أي جواب: "ثلاث حسناوات فيليبينيّات بثياب شفافة واصوات ملعلعة يصدحن بأغاني فرقة الAbba. عارف 27 عاماً حارس أمني ليلي، يتبرّأ من موبوءات الليل وعلبه، دافعاً عن البحرينيين هذه التهمة مؤكّداً "خلو مكان مماثل من عمّال بحرينيين". جيم 29 عاماً القادم من السعودية يرى في البحرين واحة يلتقي فيها مع اترابه ويسهرون حتى ساعات الفجر الاولى بينما يصف حياة الليل في البحرين بالخلابة والآمنة فضلاً عن كون"البحرينيين ودودين جداً". أمّا حسن 22 عاماً وهو طالب، فيبدأ سهرته في ملهى ثم لا يلبث أن يتنقّل من ملهى الى آخر مع شلّة من أصدقائه من الجنسين، وغالباً ما ينتهي بهم السهر عند كورنيش البحر... يتأملون انبلاج فجر يوم جديد. بدأت الانوار بالانحسار رويداً رويداً كأنها في عدّ تنازلي. عقارب الساعة تشير الى الثانية صباحاً، رفع الليل ستارته، عادت السيدات ادراجهن، وفتح النهار نافذته مطلقاً الضوء بعد حمى ليلة صاخبة.