فقد الأدب السعودي الشاعر والديبلوماسي حسن عبدالله القرشي، الذي رحل ليل أول من أمس، في المستشفى التخصصي في جدة بعد صراع مع المرض العضال. ويعد القرشي واحداً من الرواد ومن رموز التجربة الشعرية في أفقها الحديث. فهو من أوائل الشعراء الذين كتبوا قصيدة التفعيلة، وانفتح باكراً على المشهد الشعري العربي وسجل فيه حضوراً لافتاً. ولد الراحل في مكةالمكرمة عام 1934 وتلقى دروسه الأولى في الكتاتيب، ثم واصل الدراسة حتى حصل على ليسانس في التاريخ من جامعة الملك سعود. عمل في بداية حياته رئيساً للمذيعين في الإذاعة السعودية، ثم انتقل للعمل في وزارة الخارجية، شاغلاً منصب سفير للسعودية في موريتانيا ثم في السودان. أصدر القرشي نحو عشرين كتاباً منها أربعة عشر ديواناً وعدد من المجموعات القصصية، ومسرحية وكتاب ضمنه ما يشبه السيرة الشعرية، وكان من الشعراء الرواد الذين طبعت لهم دار العودة في بيروت أعمالهم الشعرية الكاملة. وساعد العمل الديبلوماسي الشاعر في التنقل في العالم العربي والدول الاجنبية والاطلاع على تجارب أدبية وحياتية متنوعة. وسعى إلى الإفادة من الثقافات المختلفة، ما أضفى على تجربته بعداً إنسانياً عميقاً. اعتبر القرشي الشعر "محايثاً للإنسان بآفاقه البعيدة، ونظراته المتباينة ورؤاه واحلامه، وفكره، وبصيرته، ومعطياته بأوفى شمولها وأبعد آمادها، وأسمى ميولها وغاياتها أو أحط نزعاتها وغرائزها". ويرى أن الشاعر انسان كبير وهو يوغل في "متاهات النفس ويجوب دروبها ومنعرجاتها، ويكتشف ما غمض من أسرارها ومتاهاتها، ويعبر عن حوافزها وخلجاتها". عكس شعر القرشي قضايا أمته الوطنية، فكتب عن القضية الفلسطينية، وحال الأمة العربية. وتميز شعره بالشفافية والبساطة وعدم التكلف. وفي مقدمة ديوانه "الأمس الضائع" 1957، كتب طه حسين يقول: "في لغة شاعرنا جدة ويسر يدنيانه إلى الفهم ويؤذنانك بأنه منك وبأنك منه. واقرأ شعر الشاعر ينبئك في وضوح وجلاء بصدق ما أقول". وإضافة الى ريادته الشعرية، فهو يعد أيضاً بحسب النقاد السعوديين من رواد فن القصة القصيرة، إذ أصدر مجموعته القصصية الأولى "إناث الساقية" سنة 1946وقدم لها الأديب المصري الكبير محمود تيمور. واختير صاحب ديوان "مواكب الذكريات" عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1976 وأصدر عنه كتاب بعنوان "حسن القرشي مجمعياً"، قدم له الشاعر فاروق شوشة. وحاز الراحل جوائز وأوسمة عدة، ومنحته جامعة أريزونا في الولاياتالمتحدة الأميركية دكتوراه فخرية، وترجم شعره إلى اللغة الانكليزية والفرنسية والاسبانية. وحظي القرشي باهتمام نقدي وقيلت آراء مهمة في شعره، ومنها آراء لأدونيس وبلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي وفدوى طوقان، وهي تجعله في مصاف الرواد الكبار، من حيث الرؤية الشعرية العميقة والبصيرة النافذة التي تستشرف المستقبل. وكان القرشي متنوعاً في ما أنجز أدبياً، فكتب المسرحية والقصة القصيرة والمقالة والدراسة الأدبية. وجمع القرشي بين الإبداع الشعري والوجاهة الاجتماعية كالكثير من مجايليه، وعاش حياة شعرية وثقافية ثرية، قبل أن يتقاعد في عمله كديبلوماسي منذ عشرين سنة، ويتفرغ لحياته الخاصة. وخلال العقدين الماضيين، ابتعد عن الأضواء وآثر أن يعيش في عزلة خاصة بعد سنوات طويلة من المجد الشعري والديبلومسي والمتابعة الاعلامية، حتى دهمه المرض العضال وأودى بحياته.