"عادت" الليدي استير استانهوب في ذكرى رحيلها ال165 الى بلدة جون لبنان حيث كانت بنت منزلاً عرف ب"دار الست"... ففي السادسة من مساء أمس نثر رماد رفاتها على بقايا "الدار" التي هدمها زلزال العام 1956 وما برحت صامدة على إحدى التلال الجميلة، وذلك في احتفال أحيته السفارة البريطانية وحضره السفير البريطاني في لبنان جيمس واط ووفد يتقدمه الشريف وليام استانهوب الذي أتى من لندن للمشاركة في هذا الاحتفال. حملت الوعاء الذي يضم الرفات القنصل العام كارين كافانا، وتسلم السفير والشريف باقتي زهر من فتاتين تلبسان ثياباً بيضاً، وحضر الأب سليمان جرجور ممثلاً دير المخلص الذي يملك مكان "الدار"، وأبدى امتعاضه من نثر الرفات وقال انه يفضل حفظها في وعاء يعرض في الدير ليراه السياح، كما حضر رئيس بلدية جون روجيه جاويش والمختاران فؤاد خرياطي وسمير عيسى، وحشد من اللبنانيين والبريطانيين المقيمين في لبنان. والليدي استانهوب 1776-1839 الرحالة الجريئة اقترن اسمها بتاريخ لبنان والعرب في العهد العثماني بعدما التقت محمد علي باشا في القاهرة عام 1811 والأمير بشير الثاني والشيخ بشير جنبلاط كانت تربطه بها علاقة صداقة قبل مقتله في لبنان عام 1812، وما لبث الشهابي ان كنّ لها العداء لأنها كانت تؤوي الفارّين من المواجهات العشائرية والطائفية في جبل لبنان. لكن الليدي استانهوب استطاعت أن تفرض شيئاً من السلطة على المقاطعات المجاورة لبلدة جون، حتى ان ابراهيم باشا سعى الى ضمان حيادها عندما أوشك على اجتياح سورية في العام 1832. وبدءاً من تلك الفترة أضحت أسطورة ما زالت اخبارها تردّد حتى اليوم. في العام 1817 انتقلت الليدي من دير مار الياس المهدّم في بلدة عبرا ضاحية صيدا وكانت أقامت فيه زهاء ثلاث سنين، الى دير آخر مهجور ومنعزل في بلدة جون، وهي سرعان ما حوّلته منزلاً محاطاً بحديقة غنّاء، وعرف بدءاً من ذلك العام ب"دار الست". انكبّت الليدي استانهوب طوال سنوات على كتابة الرسائل وكانت تستقبل الرحّالة الأوروبيين كالشاعر لامارتين وأمير بافاريا ماكسيميليان وسواهما ممن كانوا يقصدونها. وفي الأوقات العصيبة كان الأوروبيون المقيمون في لبنان يلجأون اليها للحصول على حمايتها. الا ان السنوات لم ترأف بالليدي اذ تراجعت سيطرتها على خدّامها وعلى الزعماء الذين كانوا يبسطون سلطتهم حول جون، فراحت تعيش في عزلة. وفي أيامها الأخيرة نهب خدّامها ممتلكاتها وفرّوا. وفي 23 حزيران يونيو 1839، تبلّغ القنصل البريطاني في بيروت نيفن مور، خبر اشتداد المرض على الليدي فذهب الى جون سريعاً ليجد بيتها مشرّع الأبواب وجثمانها ممدّداً في أحد الأروقة، ودفنت حينذاك في حديقة دارها التي يقال انها لم تمتلكه بل استأجرته من عائلة صوايا وامتنعت عن دفع الايجار. وعلى أثر الأضرار التي لحقت بالضريح اثناء الحرب اللبنانية تم نقل الرفات الى حديقة المقر الصيفي للسفير البريطاني في بلدة عبيه، ومع اقتراب موعد بيع المقر اتفق على تنفيذ وصية الليدي بحرق رفاتها ونثره حيث كان بيتها في جون. كانت الليدي الابنة البكر لتشارلز استانهوب. انضمت عام 1803 في لندن الى عمّها ويليام بيت الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء بصفتها مضيفته الاجتماعية والسياسية، وعرفت بجمالها وصراحتها وأفكارها الخاصة. كانت رحالة بامتياز، و"مستشرقة" على طريقتها، فهي قصدت صقلية ومالطة وأثينا واسطنبول والقاهرة ويافا والقدس وعكا والناصرة ودمشق وحماه وتدمر. وبدءاً من العام 1814 أقامت الليدي في لبنان وماتت في دارها عام 1839.