الضربة العنيفة التي تلقتها موسكو في القوقاز امس، اعادت الى الاذهان عملية الاختراق المباغتة التي قام بها المقاتلون الشيشان في نهاية عام 1999، عندما استولوا لايام على عدد من القرى الداغستانية، مما شكل الشرارة التي اطلقت نيران الحرب الثانية في الشيشان. وربط بعض العسكريين الروس امس، بين ما وصف بأنه "اجتياح لانغوشيتيا" مع تبادل كثيف لاطلاق النار جرى مساء اول من امس في المناطق الحدودية بين الشيشان وداغستان. ورجحوا ان المقاتلين هدفوا الى لفت الانظار نحو داغستان الواقعة في جنوب الشيشان للتغطية على الهجوم الاوسع في انغوشيتيا التي تحاذي الجمهورية الشيشانية شمالاً. وكان الانفصاليون ركزوا خلال الاسبوع الاخير نشاطهم وحصروه في مناطق الجنوب الشيشاني، مما زاد من قسوة المفاجأة على اجهزة الامن في انغوشيتيا التي عاشت حال استرخاء خلال الفترة الاخيرة. واذا صحت الفرضيات التي اطلقتها موسكو عن تورط الشيشانيين فإن الهجوم الاخير سيضاف الى لائحة طويلة من الاختراقات التي تمكن المقاتلون من تحقيقها طوال سنوات الحرب القوقازية، ويفتح الباب مجدداً للتساؤل عن كيفية تمكن مئات المسلحين في كل مرة من اجتياز الحواجز الامنية والتدابير الصارمة والوصول الى اهدافهم في منطقة تشتعل فيها حرب عصابات منذ سنوات وتكرس روسيا كل طاقاتها من اجل الانتصار فيها. اما اذا ثبت تنفيذ مقاتلين انغوش الهجوم الاخير، فان ذلك يغدو فشلاً ذريعاً للاجهزة الامنية التي عجزت عن توقع تطور من هذا النوع، ويعد مؤشراً على فتح بوابة جديدة للحرب في القوقاز تبدو موسكو حالياً ابعد ما تكون عن الحاجة اليها. الفناء الخلفي وصلة القربى وشكلت جمهورية انغوشيتيا دائماً "الفناء الخلفي" للمقاتلين الشيشان. ولعب التداخل التاريخي بين الشعبين دوراً مهماً في تعزيز مواقع المقاتلين هناك، اذ كانت انغوشيتيا والشيشان اقليماً موحداً خلال العهد السوفياتي وتربط بين الشعبين صلات قربى بحكم التداخل الجغرافي والسكاني. وقد يفسر هذا حرص المهاجمين على قتل عناصر الشرطة من دون المساس بالمدنيين. ومنذ اندلاع الحرب في الشيشان نزح اكثر من مئتي الف شيشاني الى انغوشيتيا وشكلوا في احدى الفترات زهاء خُمس سكان الجمهورية التي شهدت توتراً متواصلاً منذ بداية الحرب الاولى عام 1994. وتقع انغوشيتيا في شكلها المثلث بين الشيشان التي تحدها جنوباً وجورجياً غرباً، وجعلها موقعها معبراً للمقاتلين ومركزاً لجمع المتطوعين طيلة فترة الحرب. الحصون الجبلية ومنحت طبيعتها الجبلية وغزارة غاباتها المقاتلين مخبأ طبيعياً في الاوقات الفاصلة بين المواجهات الساخنة في الشيشان. واشتكت موسكو اكثر من مرة من قيام مئات المقاتلين بالتغلغل بين اللاجئين قبل العودة الى الجبال في جنوب الشيشان. واضافة الى الشيشانيين المقيمين في انغوشيتيا فان الانغوش انفسهم يشعرون بالتعاطف مع الشيشانيين. وشهدت السنوات الاخيرة ظهور حالات من التذمر من الادارة الانغوشية التي لعبت دوراً نشطاً في ملاحقة المقاتلين والقضاء عليهم. ولا يستبعد كثيرون ان يكون الهجوم العنيف في انغوشيتيا ليل اول من امس، مقدمة لتوسيع دائرة الصراع. وفي حال تمكن مخططو الهجوم من تحقيق اهدافهم فإن انغوشيتيا ستغدو مدخلاً لزعزعة الاوضاع في منطقة القوقاز كلها.