اذا كان "شر البلية ما يضحك"، فحبل الضحك طويل مع مجموعة الكوميديا الاسلامية الأميركية "الله خلقني مضحكاً". وبين اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001، ودواعي الحرب على الارهاب ومسلسل الانتهاكات للحريات المدنية والسياسية، تتكاثر الشرور أمام الأقلية المسلمة في الولاياتالمتحدة، التي وجدت في الكوميديا "المهرب والحل" لانتقاد الواقع والسعي الى تغييره. ويطلق أزهر عثمان 28 عاماً شرارة البداية في دعابة "نسيبي بن لادن"، ولا يتوانى الأميركيون عن تشبيهه به. "فاللحية نفسها، والعمامة أيضاً"، واذا كان بن لادن مسؤولاً عن حوادث 11-9، فعثمان أيضاً كان مسؤولاً عن 11-7، متجر الأغذية في الولاياتالمتحدة حيث عمل أيام دراسته الحقوق. وتكر السبحة مع "بريتشر موس" أو الداعية موس و"عظيم"، اللذين يمزجان حس فكاهة السود الأميركيين وفهمهم الخاص للمجتمع الأميركي اضافة الى تعمقهم في مواضيع الحقوق المدنية وقضايا الأقليات. وبدأت المجموعة نشاطها عملياً بعد زوبعة نيويورك واعتداءات 11 أيلول على مبنى التجارة العالمي، وهي اليوم في صدد استكمال جولتها في أكثر من 53 مدينة في أميركا الشمالية، لتشمل تورنتو وشيكاغو ونيويورك وواشنطن وفلوريدا ولوس أنجليس. ويقول بريانت ريجينالد موس 37 عاماً، الذي حول اسمه الى "بريتشر موس" بعد اعتناقه الاسلام منذ عشرين عاماً، إن هدف الجولة هو "تصحيح الصورة التي انطبعت حول المسلمين وتعزيز الحوار بوسيلة تجتمع عليها قلوب الناس من اي فئة كانت". ويرى موس، المتخصص في الكوميديا الأميركية - الافريقية، أن القدرة على اضحاك الناس، تعني "نجاحاً في ايصال الرسالة وبالتالي تفتح الباب للتفكير في مدلولات الرسالة ورفض الواقع الحالي". ويركز موس في دعاباته على مسائل العرق، والتعليم والتنوع داخل الأقلية المسلمة في الولاياتالمتحدة. وإذا تطرق الى السياسة، فالحقوق المدنية للأقلية المسلمة هي أولويته، حتى لو كلف الأمر استهداف وزير العدل جون أشكروفت الذي "سيفرض عليه ثلاث غرامات مقابل كل مخالفة سير: الأولى لكونه خالف طبعاً، والثانية لكونه مسلماً، أما الثالثة فلتعرضه المكثف للشمس، وسواد بشرته". ويشكل المسلمون اليوم نسبة اثنين في المئة من الأميركيين، وهم في ازدياد مطرد خصوصاً وسط السود، وتحديداً في "الأمة الاسلامية" التي تشكل 24 في المئة من مجموع المسلمين في الولاياتالمتحدة. وتتعرض هذه الأقلية اليوم الى حملة تشويه تطاول صورة الاسلام والمسلمين، ما ادى الى ارتفاع غير مسبوق في جرائم الكراهية الموجهة ضد مسلمي أميركا بمعدل 121 في المئة في العام 2003 مقارنة بالعام السابق. ويستشهد موس الذي برع في برامج تلفزيونية أميركية مثل "ساترداي نايت" أو "دايمون واينز" أو "جورج لوبيز"، بأعمال وتجارب سابقة لفرق كوميدية افريقية ولاتينية ويهودية كافحت للمطالبة بحقوق الأقليات وعالجت مسائل شبيهة بتلك التي تطرحها فرقة "الله خلقني مضحكاً". وشاعت الكوميديا اليهودية في اوائل القرن العشرين للتخفيف من مشاعر المعاداة للسامية، ومن أبرز نجومها اليوم جوان ريفرز وجيفري روس وساره سيلفرمان. وما لبث أن حذا السود حذو الساميين وأخذوا من الكوميديا سلاحاً في وجه السياسات والممارسات العنصرية في المجتمع الأميركي في أوائل الستينات. وحلقت تلك الكوميديا مع ديك غريغوري وريتشارد بريور وشموئيل ريد وبيل كوسبي وغيرهم ممن ابحروا بعكس التيار واكملوا الطريق حتى رست السفينة. كما دخل باب الكوميديا عرب أميركيون مثل الفلسطينية ميسون زيد التي تسلمت أخيراً جائزة تقدير من المؤسسة العربية - الأميركية. وتواجه مجموعة "الله خلقني مضحكاً" اليوم بعض العراقيل كما يوضح أزهر عثمان، سواء من الناحية المادية أوالاعلامية أو "اللوجيستية". فعلى رغم استفادة اعضاء الفريق من تبرعات افراد ومداخيل عروض مسرحية، يبقى غيابهم عن الضوء "الاعلامي الأميركي الانتقائي" مشكلة في حد ذاتها، وتتضاعف هذه المشكلة مع الجو العام للمسارح الأميركية، الذي يرفض في أكثر الأحيان شرط المجموعة بعدم تقديم الخمرة خلال العرض. ويروي عثمان تلقي المجموعة انتقادات من رجال دين اسلاميين متشددين، اعترضوا "على تصوير الدين في أساليب مضحكة وعلى قصد الترف من خلال الأمور الدينية". ويؤكد عثمان، الذي درس الدين الاسلامي لسنوات أمضاها بين شيكاغو والقاهرة، أن "الشريعة الاسلامية لا تمنع الكوميديا، خصوصاً تلك المقرونة بأفعال نبيلة"، ويشير الى أن احد أهداف المجموعة هو تعريف الوجه المعتدل للاسلام ونبذ التطرف بكل اشكاله". وتشدد الفرقة على خلق صلة وصل بين المجتمع الأميركي والدين الاسلامي، اللذين يلتقيان اساساً على "احترام الحرية الفردية والتنوع". ويهوى عثمان الطرائف السياسية، سواء تلك المتعلقة بالعالم الاسلامي والممارسات "غير الاسلامية المنتهكة لحقوق المرأة"، أو حتى المجتمع الأميركي "المليء بالصور النمطية السالبة الرائجة عن المسلمين". ويضيف: "التغيير مطلوب هنا وهناك، لفك عقد الروح التي يحكي عنها ابن عربي". ويتابع: "من أهداف الجولة توعية المواطن الأميركي العادي حول حقيقة الاسلام ومساهمات المسلمين العديدة في بناء المجتمع الأميركي وازدهاره". ويرفض عثمان القاء اللوم في هذه المشكلة على طرف سياسي أو حكومة أو ادارة معينة، بل يراها نتيجة "لتراكمات زمنية ساهمت في تشويه الصورة وتفاقم الأزمة". ويشير عثمان الى وجود التنسيق مع مجموعات عربية - أميركية مثل مجموعة مكافحة التمييز أو المؤسسة العربية الأميركية في تنظيم بعض العروض، آخرها كان على خشبة مسرح "ايمبروف" في العاصمة الأميركية. كما يأمل في تقديم عروض في الدول العربية والشرق الأوسط اذا "توافرت الدعوة وسمحت الظروف السياسية". ويتنوع جمهور المجموعة ليشمل الأميركيين بمختلف فئاتهم وألوانهم ، ممن يقصدون المعرفة ويتحاشون الانعزالية.