يبدو أن سعد سرحان لم يعد يحتاج إلى كلمة "شعر" عتبةً لإصداراته. فكل ما يكتبه هذا المبدع الآتي من حقل الرياضيات إلى حرفة الأدب شعرٌ مهما أوغل في النثر. لذا فإن غلاف ديوانه الجديد الصادر عن دار أركانة للنشر في مراكش تحت عنوان "نكايةً بحطاب ما" كان عارياً مما يدل على نوعه. وحتى حين تفتح الكتاب في صفحته الأولى ناشداً المزيد من الضوء لا تجد أي إضاءة لجنسه الأدبي، بل تجد نفسك أمام عنوان آخر "نكاية بالغابات أيضاً" لتفهم أن الأمر يتعلق بعنوان من جزأين. أما الشعر فلا يحتاج في ديوان سعد سرحان إلى شهادة إثبات. كلُّ سطر في الكتاب يقطر شعراً منذ المقاطع الأولى من قصيدة "العطش" حيث الرجل ماءُ المرأةِ والمرأةُ عطش الرجل، وحيث يكذب السراب على الصحراء فتزداد عطشاً، وحيث الصمت عطشٌ أيضاً. أما الأصوات فكلها خريرٌ: "لو أنَّ الماءَ حطبٌ،/ تحلمُ النار". حتى ظهر الغلاف حيث انتقى سرحان من قصيدته "أصص" مقطعاً يضيء قليلاً تجربته الشعرية وقد اتخذ الشذرة سَكناً له وملاذاً: "إنني في الطريق إلى الصمت/ أنثر كلماتي القليلة/ ورائي/ عسى أن تغدو صُباراً/ فيختفي الطريق،/ إنني أفضل أن أتيه/ على أن ألتفت". "نكاية بحطاب ما" هو الديوان الثالث لسعد سرحان بعد "حصاد الجذور" و"شكراً لأربعاء قديم"، وتنتظم شذرات هذا الديوان ضمن أربع قصائد طويلة: "العطش"، "ظلال"، "أوسمة" و"أصص". انها أصص فاتنة لا تبدو نباتاتها معنية كثيراً بأن تمتد جذورها عميقاً في التربة الشعرية، بقدر ما تهمها الأنساغ، الأنساغ فقط. أما غلاف هذه "النكاية" الشعرية الخضراء فأنجزه الفنان عبد المجيد الهواس برهافة أخلصت فعلاً لروح الديوان. فعبر منطق الكتابة عند سعد سرحان تكفي ورقة واحدة فقط لتنوب عن كل أشجار الغابة.