حقق السيناريست مصطفى محرم نجاحاً فنياً كبيراً على مدى سنوات طويلة أنجز خلالها أكثر من مئة فيلم سينمائي، إضافة إلى ما يزيد على 17 مسلسلاً تلفزيونياً. وهو استطاع من خلال بعض هذه الأفلام أن يكون واحداً من البارزين من كتاب السينما المصرية. عمل محرم مع غالبية مخرجي السينما ولاقى بعض أفلامه حفاوة. غير أن اللافت حقاً أنه قدم نحو 15 فيلماً من مجموع إنتاجه السينمائي مع المخرج أشرف فهمي وحده، كما بدا واضحاً تأثره بأستاذه المخرج الراحل صلاح أبو سيف الذي يدين له "بفضل كبير في تعلم حرفية السيناريو". إضافة إلى إفادته من دراسة الأدب الإنكليزي وعشقه للأدب العربي، إذ كان يعد نفسه لكي يكون أديباً أو قاصاً - كما يقول - لذلك لم يكن غريباً أن يكون كثير من أعماله مأخوذاً من قصص أدبية لأدباء عديدين في مقدمهم نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، اسماعيل ولي الدين،، نجيب الكيلاني، ألبير كامو وعلي سالم، وغيرهم. ومن ابرز الأفلام التي كتبها محرم "ليل وقضبان"، "مع سبق الإصرار"، "أغنية على الممر"، "أهل القمة"، "اغتيال مدرسة"، "الحب فوق هضبة الهرم"، "الهروب"، و"المجهول" وغيرها. وهو عاد إلى التلفزيون في السنوات الأخيرة حيث قدم أعمالاً درامية لاقت رواجاً كبيراً وأثارت سجالات ومنها "رد قلبي" و"لن أعيش في جلباب أبي"، و"عائلة الحاج متولي"، "العطار والسبع بنات". "الحياة" التقت مصطفى محرم في حوار عن مشواره مع فن السيناريو إضافة إلى أعماله السينمائية والتلفزيونية إلى جانب قضايا أخرى. قدمت عشرات الأعمال السينمائية خلال مشوارك الطويل... ما أهم هذه الأعمال في رأيك؟ - قدمت أكثر من 100 فيلم، لكن أهم الأعمال لديّ كانت تلك التي حظيت بالاهتمام الشديد من جميع النواحي، من النقاد والجمهور والمهرجانات على السواء، ومنها أفلام "ليل وقضبان"، "مع سبق الإصرار"، "أهل القمة"، "أغنية على الممر"، "أغتيال مدرسة"، "الحب وحده لا يكفي"، "حتى لا يطير الدخان"، "أشياء ضد القانون"، "الحب فوق هضبة الهرم" و"لا يزال التحقيق مستمراً"، إضافة إلى أفلام أخرى حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً مثل "وكالة البلح"، و"الباطنية". علاقة ما يلاحظ أن عدداً كبيراً من مجموع أفلامك قدمته مع المخرج أشرف فهمي، ما سر هذه العلاقة؟ - العلاقة بيني وبين أشرف فهمي كانت علاقة قد لا توجد إلا في حالات قليلة في السينما المصرية حيث مخرج وسيناريست يعملان معاً في تواصل تام وينجزان كل أفلامهما معاً، أعتقد أن هذا شيء نادر بالفعل. لكنني استطيع أن أقول لك إن هناك تواصلاً فكرياً غريباً بيننا، لأن أشرف فهمي كان بمثابة مرآة لعقلي الإبداعي. صحيح انه كان يعمل مع كتاب آخرين، لكن إبداعه الحقيقي كان دائماً معي. وأنا كذلك كنت أتوهج أكثر حينما أعمل معه، كما أن هناك قاسماً مشتركاً آخر بيننا وهو حبنا للأدب، فقد كنت أريد أن أكون قصاصاً أو روائياً، وهو أيضاً كان يريد ذلك. إلى أي مدى أفادتك دراستك الأدب الإنكليزي وعشقك الأدب العربي خلال مشوارك؟ وهل هذا هو السر في أنك قدمت أفلاماً مأخوذة من قصص أدبية؟ - مبدئياً وكما قلت لك كنت أعد نفسي منذ البداية كي أكون قصاصاً أو روائياً، لكن السينما جذبتني بقوة لأن السينما بالفعل فن شامل يجمع كل الفنون الأخرى. ودراستي للأدب الإنكليزي أفادتني كثيراً. فدراسة الأدب في شكل عام هي الأساس لأي كاتب وتعرفت من خلاله الى قواعد الكتابة الدرامية وفن الرواية والمسرح الإنكليزي والفرنسي. كما أن هناك عشقي للأدب العربي وحبي لكثير من الأدباء العرب الذين كنت أعتبرهم المثال الأعلى بالنسبة الي، وكل هذا دفعني إلى اقتباس عدد من الأعمال الأدبية في سيناريوات قدمتها للسينما المصرية منذ بداياتي، وقد حظيت أعمال نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس بالنصيب الأوفر من ذلك يليهما اسماعيل ولي الدين وغيره. دور أبو سيف إلى من تدين بالفضل في ما وصلت إليه؟ - أدين كثيراً للمخرج الراحل صلاح أبو سيف الذي عملت معه بتفرغ في شركته وكان يعطيني دروساً شبه خصوصية في كتابة السيناريو، لكن هذا لم يمنع أن يكون لي أساتذة آخرون تعلمت منهم الكثير عندما التحقت بمعهد السينما ومنهم حلمي حليم، وعلي الزرقاني. مَنْ من المخرجين بخلاف أشرف فهمي استطاع أن يقدم أفلامك في شكل متميز؟ - علي عبدالخالق، فهو مخرج ذو حنكة ويهتم بالجماليات، ولديه رؤية سينمائية متقدمة. قدمت معه واحداً من أهم أفلامي وهو "أغنية على الممر"، وعاطف الطيب الذي كانت تجمعني به صداقة قوية جداً وكان يتميز بحسن اختيار المواضيع، وكان يعمل كثيراً جداً من الصباح إلى الليل ولا يتوقف، وكأنه كان يعلم أن عمره قصير، قدمت معه "الحب فوق هضبة الهرم"، "أبناء وقتلة" و"الهروب"، ذات يوم تسبب أحد الزملاء في قطيعة بيننا لكنه عاد بعد فترة ليصالحني وطلب مني أن أعمل معه مرة أخرى، لكن القدر لم يمهله. أما علي بدرخان فهو من المخرجين القلائل الذين لهم رؤية فنية وسياسية حول مصر، قدمت معه واحداً من أهم أفلامي وهو "أهل القمة". وهناك أيضاً أحمد يحيى الذي أعتبره السهل الممتنع وهو يميل إلى الأفلام التي تحمل شحنات عاطفية كبيرة، قدمت معه أفلاماً عدة من أهمها "غداً سأنتقم". ما أسباب فشل عدد من أفلامك الأخيرة؟ - هناك أفلام أثير حولها نقد كبير، وهناك فيلم واحد هو "رحلة مشبوهة" قد يكون مستواه متدنياً، لكن العيب ليس في السيناريو. ان الظروف كانت وراء تراجع هذه الأفلام وتشمل ظروفاً إنتاجية أو عيباً لدى المخرج، لكنني اتقبل النقد حينما يكون حقيقياً، ولكن للأسف النقد الآن مجرد انطباعات وهو نوع من النقد لا يمكن أن يمارسه سوى من يتمتعون بثقافة عالية جداً، وإلمام باللغات الأجنبية والمذاهب النقدية في العالم، وهذا غير موجود لدى معظم النقاد عندنا. موجة مسيطرة هل سيطرة موجة الكوميديا على السينما هي السبب في اتجاهك إلى التلفزيون في السنوات الأخيرة؟ - بالتأكيد ان اتجاهي إلى التلفزيون هو نتيجة لما يحدث على الساحة السينمائية الآن، إذ تسود موجة من التهريج، وبعض المنتجين والفنانين يفضلون أعمال "الهزل" ويرفضون الأعمال الجادة. ولكنني اعتبر التلفزيون وسيطاً جيداً للأفكار الجادة ويتمتع في الوقت نفسه بجماهيرية كبيرة جداً، إضافة إلى أنني في الأصل كاتب تلفزيوني وكنت من الرعيل الأول لكتاب الدراما التلفزيونية في الستينات، وكنت أعود إلى التلفزيون من آن لآخر خلال مشواري السينمائي، إذ قدمت مسلسلات ناجحة منها "امرأة في الظل"، "بيت بلا حنان"، "قلب امرأة"، "العريس المنتظر"، "حب في السجن" و"برديس"، وغيرها من المسلسلات التي تتناول الحضارة العربية والتاريخ الإسلامي مثل "ابن سينا"، "الجيش في الإسلام" "الحسبة في الإسلام"، "الطب في الاسلام" و"الصيدلة في الإسلام". من بين أعمالك التلفزيونية الأخيرة تعرض "رد قلبي" و"عائلة الحاج متولي" لنقد كبير على رغم نجاحهما، كيف ترد على هذا؟ - لم أكتب مسلسل "رد قلبي" إلا بعد أن تيقنت أن الفيلم الذي أخذ منه المسلسل كان كعمل فني متواضعاً، وفي الوقت نفسه لم يعط الرواية حقها لأنه كان يستثير مشاعر الجماهير تجاه ثورة 23 يوليو. لكن الكثيرين حينما يعرض المسلسل يكتشفون في كل مرة أنه أفضل من الفيلم، كما أن الفيلم لم يكن موفقاً في أشياء عدة منها اختيار ممثلين تجاوزوا السن واعتماده على طريقة السرد أو الراوي، كما أن الشخصية المحورية المحركة للأحداث أغفلت في الفيلم ولم تظهر وهي شخصية الملك الذي قامت الثورة ضده، كما تجاهل الفيلم الحال السياسية وصراع الأحزاب وهو ما عالجه المسلسل الذي قدم أيضاً شخصيات عدة إضافة إلى شخصية الملك، منها شخصية النحاس باشا وشخصية رئيس الديوان أحمد حسنين وشخصية علي ماهر وأحمد نجيب الهلالي وفؤاد سراج الدين. باختصار المسلسل يعتبر وثيقة تاريخية فنية لمصر منذ العام 1936 وحتى العام 1952. أما مسلسل "عائلة الحاج متولي" فهو عمل لم ولن يتكرر في التلفزيون إذ من الصعب جداً تقديم عمل فني لاقى كل هذا القبول والنجاح في مصر وكثير من الدول العربية والأجنبية، إذ عرض في ألمانيا وبريطانيا وأميركا وما زال يعرض في كثير من التلفزيونات والفضائيات ويحقق نجاحاً منقطع النظير. ولكن للأسف تصدى له بعض الذين ليست لهم دراية بالنقد الفني أو تذوق العمل الفني. لقد كان هذا العمل جزءاً من ثلاثية عن التاجر المصري، بدأتها في "لن أعيش في جلباب أبي" ثم "عائلة الحاج متولي" وأخيراً "العطار والسبع بنات"، وكل شخصية في هذه الثلاثية مختلفة عن الأخرى. ومسلسل "الحاج متولي" ببساطة يقدم رؤية فنية لتاجر يريد أن يحقق معادلة صعبة: أن يتزوج أربع نساء ويوفر لهن العدل لأقول ان هذا التوافق لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هناك توافق بين الزوجات أنفسهن. اريد ان أقول هنا إن قيمة العمل الفني الحقيقية أنك حينما تشاهده أكثر من مرة يزداد إعجابك ومتعتك في كل مرة وهذا ما يحدث مع "الحاج متولي". مَنْ من كتاب السيناريو الشباب يعجبك؟ - علاء عزام الذي قدم عملاً متميزاً مع المخرج محمد كامل القليوبي، وهو فيلم "خريف آدم"، كما يعجبني تامر حبيب في فيلم "سهر الليالي" على رغم أن الفيلم أخذ أكثر مما يستحق نظراً لاختلافه عن السائد في السينما الآن.