يواجَه المصريون في ميدان حي مصر الجديدة شرق القاهرة بلافتات ضخمة نُصبت وعليها عبارة "انتخبوا الدكتور مصطفى كمال حلمي" فيدهشون إلى درجة الذهول، وتزداد لديهم الشكوك في إمكان حدوث تغييرات حقيقية للمواقع القيادية في الدولة. فكيف أن رجلاً تخطى الثمانين وعمل وزيراً للمرة الأولى العام 1974 وجلس على مقعد رئيس مجلس الشورى منذ العام 1989 لا يرى الحزب الوطني الحاكم أفضل منه ليرشحه ليخوض انتخابات التجديد النصفي للمجلس ليعود إلى "مكانه" إلى ما شاء الله. اللافت ان الواقعة تزامنت مع تفجّر حمى الحديث عن تغييرات واسعة سيقوم بها الرئيس حسني مبارك في الأيام المقبلة، عززتها كتابة الصحافيين ابراهيم نافع وابراهيم سعدة القريبين من مؤسسة الرئاسة مقالين بشّرا فيها المصريين بقرب حدوث التغييرات "بعدما وصل التردي في الدولة إلى حال لم تشهدها من قبل". وسريعاً ما انطلقت اشاعات عن حجم ذلك التغيير ومداه والاسماء التي ستخرج من وزارة الدكتور عاطف عبيد وتلك المرشحة لدخولها. ويتعرض عبيد لحملات صحافية عنيفة على رغم دفاع الرئيس مبارك عنه وتحميله الظروف الدولية والإقليمية والزيادة السكانية أسباب ارتفاع الأسعار في الداخل، وموجات الغلاء المتتالية، والأزمات التي تواجه الاقتصاد. وتربط دوائر بين التغيير الوزاري وبين الإصلاحات السياسية التي ينوي الحزب الوطني الحاكم الإقدام عليها في المرحلة المقبلة. وتتوقع أن يسفر الحوار الذي يجريه الحزب مع قوى المعارضة عن توافق على تغيير قوانين وسياسات ظلت المعارضة تشكو منها وترى أنها تعيق التنمية الاقتصادية والسياسية في آن. ومن غير المستبعد أن يعقب التغيير الوزاري تعديل بعض مواد القوانين التي تعيق ممارسة العمل السياسي، ليكون مقدمة لإصلاح سياسي واقتصادي. ويبدو أن الرئيس مبارك حسم موقفه من مسألة تمديد رئاسته للبلاد مدة أخرى. ويعتقد مراقبون أن التغيير الوزاري والاصلاحات السياسية هدفها تمهيد الطريق لولاية خامسة لمبارك. أما بالنسبة إلى عبيد فإنه سيظل، على الأرجح، مادة يومية في الصحف التي لا تتوقف عن انتقاد سياساته. فهو يتعرض منذ عين رئيساً للحكومة في تشرين الأول أكتوبر 1999، لحملات عنيفة بسبب أداء حكومته والأعباء التي يواجهها المواطنون. وزاد من وطأة الامر على المصريين "الصفر" الذي نالته بلادهم في التصويت على استضافة المونديال الكروي العام 2010. ويعد عبيد واحداً من أقدم الوزراء. وهو عُين وزيراً لشؤون مجلس الوزراء والدولة للتنمية الإدارية في تموز يوليو 1984 واستمر في ذلك الموقع حتى 1987 عندما أضيفت إلى وزارته حقيبة البيئة، وفي 1993 اختير وزيراً لقطاع الأعمال العام وشؤون البيئة. وحل عبيد محل الدكتور كمال الجنزوري في رئاسة الحكومة، بدعوى الرغبة في الاستفادة من خبراته الاقتصادية والإدارية في تحقيق الإصلاح. ومبارك هو الأقل بين رؤساء مصر في إجراء التغييرات الوزارية. ففي زمن عبدالناصر 1952 1970 تشكلت 18وزارة منها 13 لم تكمل عاماً واحداً، ووزارة وحيدة لم تكمل شهراً ووزارتان أكملتا شهرين ووزارتان أتمتا عامين. وفي زمن الرئيس الراحل أنور السادات الذي استمر 11 عاماً تألفت 15وزارة، لم تكمل 13منها عاماً واحداً. بينما اتسمت رئاسة مبارك بطول عهد الحكومات نسبياً فقد تألفت 10 وزارات طوال 23 عاماً، رأس منها واحدة في أعقاب انتخابه رئيساً، وهي الأقصر من نوعها، إذ لم تستمر سوى شهرين و20 يوماً فقط. وفي عهده تولي الدكتور فؤاد محيي الدين الوزارة مرتين في كانون الثاني يناير 1982، والثانية في اب أغسطس من العام نفسه، لكنه توفي متأثراً بأزمة قلبية. وبعده تولى الوزارة كمال حسن علي ثم الدكتور علي لطفي، وأعقبه الدكتور عاطف صدقي الذي ضرب الرقم القياسي في بقائه رئيساً للحكومة منذ قيام الثورة، إذ استمر في منصبه من أواخر 1986 حتى أوائل 1996، وأعقبه الجنزوري الذي بدأ مهمات عمله في 1996 حتى 1999، وتلاه اختيار عاطف عبيد رئيس الحكومة الحالي.