ما الفرق بين أحوال سجن أبو غريب حين كان صدام حسين يبطش، وأحوال السجن بعدما"حرر"الرئيس جورج بوش العراقيين من نظام"البعث"؟ سؤال ردده كثيرون من العراقيين وتردد في عواصم كثيرة عربية وشرقية وغربية، لكن سيد البيت الأبيض لم يجد، رغم"اشمئزازه"مما فعله بعض جنوده، وهو القائد العام للقوات المسلحة الأميركية، حاجة إلى الاعتذار لضمير شعب معذب، حطم كبرياءه بعض الشواذ المعتمرين قبعات العسكر، من وست فرجينيا وماريلاند. اشمأز بوش إلى الحد الذي دفعه إلى توبيخ وزير دفاعه دونالد رامسفيلد بصمت... وهو يعرف أن رأسه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني نوفمبر، هي المرشحة للقطاف، ولو ضحى بدونالد ثمناً ل"أبو غريب غيت"، رغم كل"انجازات"هذا الرامسفيلد في أفغانستان، وبعدها العراق. كانت اطلالة الرئيس"الجريح"بالفضيحة الجريمة، عبر قناتي"العربية"و"الحرة"، محاولة بائسة لاستباق مضاعفة الخسائر، لا تنم سوى عن جهل مفرط بحجم المأساة التي حصلت وربما لا تزال في أبو غريب وغيره من معتقلات العراق، حيث الآلاف سيقوا كالأغنام بأكياس سود إلى جلادين رعاع، أطربتهم كذبة مجانين المحافظين في الولاياتالمتحدة: سنعلّم العراقيين الديموقراطية! الوجه الآخر لتلك الديموقراطية، ما فعله أبو غريب بجدرانه الملطخة بدماء الذين تحرروا من صدام، وخيمه للاجئين إلى قبضة جلاد الاحتلال قسراً، لعلهم يعرفون بعض أسرار"البعث" كما لم يفعل أيام حكم"القائد البطل"الذي خطف العراق بأرضه وشعبه، إلى المسلخ الكبير. يحق لسيد البيت الذي لم يعد أبيض في عيون شعوب من الشرق إلى الغرب، أن يرفض الاعتذار عما ارتكبه بعض جنوده بحق أسرى عزل، جردوهم حتى من انسانيتهم، وخافوا من ملابسهم لئلا تخفي أشباحاً تطارد الاحتلال"الديموقراطي"... فسحلوهم عراة فيما أنينهم لا يصل إلى آذان مجلس الحكم المشغول بولادة"العراق الجديد"، وحصص المقاعد والطوائف، وإرضاء بريمر وإغضاب الإبراهيمي، وتطويق فضائح"شخصية". يحق لبوش ألا يعتذر بلسانه، مخافة أن يتلعثم فيتهم العراقيين بتعذيب جنوده!... أليس إرغام العسكر على الخدمة على بعد آلاف الأميال من بلادهم، تعذيباً لوجدانهم ومشاعرهم، وقهراً وهم يعلمون أن للمهمة كثيراً... عفواً بعض الوجوه الوسخة؟ حتى الآن لم يرَ الرئيس الابن الذي يستحق عهده بامتياز لقب"أبو الفضائح"، من رام الله وجنين إلى بغداد والفلوجة وكركوك، ما يوجب الاعتذار، لأن التعذيب في العراق المحتل، المحرَّر من صدام، حالات"فردية"، وهو لن يدين الجيش الذي يقوده منتصراً، فاتحاً للعراقيين أبواب النعيم، بدليل انهار الدم بين نهري دجلة والفرات. رغم كل ما فعل"أبو غريب" وهو حافظ على تقاليده سيذكر الضحايا الذين يحسدون المحتجزين في غوانتانامو على"نعيمهم"، ان ذاك السجن الاسطورة، باستيل"البعث"، كشف للعالم من هو الكذاب الكبير الذي خدع شعوب الأرض بدور الضحية بعد 11 أيلول سبتمبر، وحوّل الأرض إلى معتقل كبير، لا أحد يجهل جلاده، وأن سوطه الإرهاب مهما ادعى من فضائل تلقين البشر دروساً في الحريات والإصلاح. في"أبو غريب"أيام بطش البعثيين يُحكى الكثير عن اقتلاع الجدران أظافر السجناء وفقء عيونهم... وجدع الأنوف لتفادي روائح"المؤامرات". في"أبو غريب"أيام ديموقراطية بوش، سيُروى ان بعض السجانين"الفاسدين"أسرى الغرائز المريضة، عفّوا عن الآذان والأنوف، ليمثلوا بإنسانية شعب بأكمله. وسيذكر الجميع أن لذلك السجن مأثرة: مَن وجّه إلى الإعلام الأميركي صفعة الصحوة من صدمة 11 أيلول؟"أبو غريب غيت"ستقطف رؤوساً في البنتاغون، يقال في الكونغرس، والأهم بصرف النظر عن"كبش الفداء"دونالد، ان رأس الاحتلال هو المطلوب، ومعه مجانين"المحافظين الجدد"في أميركا، أصحاب مشاريع الغزو، والاجتياحات، وتلقين شعوب المنطقة الاصلاح بالقوة. ... تذكروا"أبو غريب".