تصريح نائب الرئيس ديك تشيني، بأن رامسفيلد هو أفضل وزير دفاع في تاريخ الولاياتالمتحدة، يأتي في سياق الحملة المضادة التي تقوم بها الادارة لتخفيف الصدمة بحيث تبقى بعيدة من الرئيس بصفته صاحب قرار الحرب. رامسفيلد على رغم صلافته وفظاظته يبدو مثل الدوبلير الذي يتلقى الضربات بدل بطل الفيلم الحقيقي، والأرجح انه سيحمل فظاعة ما حدث في السجون العراقية على ظهره حتى النهاية. لا أحد يدري، حتى الآن، اذا كان ما نشر من صور في الصحف الأميركية والبريطانية هو كل شيء، وليس الجزء الظاهر من جبل الجليد. كل شيء وارد طالما ان فضيحة الصور هناك من يشك بوجود أفلام فيديو تصوّر عمليات التعذيب تكبر مثل كرة الثلج، وحين يصرح بوش بأن رامسفيلد يقوم بعمل رائع وأن أميركا تدين له بالعرفان، فإن ذلك هو من قبيل استيعاب الفضيحة وتحجيمها، ولكن الضغوط التي تزداد دعا مجلس الشيوخ الى جلسة استجواب علنية جديدة ربما تؤدي أخيراً، الى ان يضحي بوش برأس وزير دفاعه بدل ان يضحي بالولاية الثانية، أي ان يفضل الحل البراغماتي على الوفاء لوزيره، بخاصة ان الوقت ليس في مصلحته وعليه ان يؤمن مسافة زمنية بين موعد الانتخابات ونهاية فضيحة صور التعذيب بحيث يكون متفرغاً لمواجهة المرشح الديموقراطي جون كيري ولا تتحوّل المشكلة الى نقطة ضعف يستثمرها خصمه لمصلحته. شعبية بوش في أدنى مستوياتها الآن بعد فضيحة أبو غريب وهي لم تكن في أعلى مستوياتها قبل ذلك، لقد فشل بوش في اثبات مبررات احتلال العراق وها هو الآن يفشل في زعمه ان العراق سيكون نموذجاً لدول المنطقة. لم يكن بقي في حوزة بوش سوى هذا الهدف الذي يبدو أنه اهتز من أساساته، اذ اكتشفت شعوب المنطقة، والشعب العراقي في المقدمة، ان عذاب العراقيين على يد الجنود الأميركيين لا يقل فظاعة عما كان يحدث على يد صدام حسين. ليس أمام بوش سوى ان يسرع في لملمة الأزمة، وقد تكون إقالة رامسفيلد حلاً مناسباً لإسكات الرأي العام في أميركا وفي العالم، لأن أي أزمة من هذا النوع تحتاج، كفعل ورد فعل، الى ثمن بمستوى الحدث نفسه. رامسفيلد، في هذا السياق، يمكن ان يُنظر اليه بصفته المسؤول الأول والوحيد عما حدث، وسقوطه قد يعوق تفاقم الأزمة اكثر مما هي متفاقمة حالياً. التضحية بوزير الدفاع كثمن كبير قد يحمي بوش من دفع ثمن أكبر من ذلك في الانتخابات الرئاسية القريبة. إنه يؤجِّل اللجوء الى هذا الحل وقد ينجح في مسعاه. فهو حتى الآن يحاول ان يبدو متماسكاً وقد حذا حذو نائبه تشيني فوصف رامسفيلد بأنه يقوم بعمل رائع. ولكن التأجيل، في الوقت نفسه، يعني استمرار الأزمة واستمرار الضغط على ادارة بوش واستمرار التأثير السلبي في شعبيته، كما ان منافسه الديموقراطي لن يتأخر في تلقي ما حدث كهدية تعزز فرص فوزه بالرئاسة. والواقع ان بوش ما زال يعتقد ان في امكانه الاحتفاظ بوزير دفاعه وتماسك ادارته الى جانب مواصلة الجهود لاستيعاب الأزمة والتعهد بمحاسبة المتورطين. ولكن هذا ربما لا يكون ممكناً. فترافق التعهد بمحاسبة المتورطين والاشادة بوزير الدفاع يعنيان ان الوزير ليس متورطاً، وتمرير امر كهذا على الرأي العام وأعضاء الكونغرس ليس سهلاً، خصوصاً وأن الوزير كان يعلم بكل الانتهاكات التي ارتكبها جنوده في حق السجناء العراقيين ولم يفعل شيئاً لمحاسبتهم ولم يُعلم الرئيس نفسه بما كان يحدث، والأرجح أنه كان سيستمر في التكتم على الأمر لو لم تنشر صور التعذيب في الصحافة. ومن الواضح ان بوش لا يريد الآن ان يلوم وزير دفاعه علناً أو يحمّله مسؤولية ممارسات جنوده لأن هذا سيرفع، بالتأكيد، سقف احتجاجات الرأي العام الأميركي وسيزيد من صلاحيات التحقيقات في شأن الفضيحة التي قد تكون، بدورها، مرشحة للاتساع اذا نجحت المطالبة بنشر كل الصور التي تظهر فنوناً أخرى في تعذيب السجناء العراقيين، كما ان وجود أفلام سيضاعف بشاعة الممارسات ويعزز تأثيرها السلبي. * كاتب سوري.