سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ست سنوات غيرت الكثير في حياة اللبنانية الاولى وحياة الآخرين . اندريه لحود : الرئاسة سرقت حياتنا الشخصية ولا تروقني السياسة فأركز على القضايا الاجتماعية
لم تكن زيارتنا القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت زيارة تقليدية لحضور احتفال رسمي أو حفلة استقبال مألوفة، بل زيارة "عائلية" دافئة كسرت صقيع البروتوكول، استقبلتنا فيها سيدة القصر، اللبنانية الأولى اندريه لحود لمدة ساعة ونصف الساعة، جالسنا خلالها أفراد عائلتها الصغيرة: كارين الياس المرّ، الابنة، وأولادها ميشال 10سنوات وماريا 7 سنوات وإميل 4 سنوات، وسابين زوجة إميل الابن وطفلها إميل الحفيد 3 أشهر ونصف الشهر، وقد غاب إميل الابن ورالف، لانشغالاتهما المتعددة. أجواء عائلية خاصة جداً وحميمة جداً جداًَ حرص الرئيس اللبناني إميل لحود على أن ينضمّ إليها، في الفترة الممتدّة بين اجتماعين، ويفاجئ الأحفاد بوجوده بينهم. في الحوار- الدردشة الذي دار بيننا، تعرّفنا الى اندريه لحود الزوجة والأم والجدّة، في تفاصيل انسانية يومية من شأنها أن تقرّب المسافات أكثر، وترسم صورة أخرى، مكمّلة للصورة الرسمية التي عرفنا فيها السيدة الأولى خلال ستّ سنوات مضت. ""تيتا" جدّتي عمّا تتحدثان؟"، تسأل ماريا الحفيدة المدلّلة بعدما ضايقها ان نسرق جدّتها منها في حوار جانبي. "هناك بعض الأسئلة عليّ أن أجيب عنها، تشبه تلك التي تطرح عليكِ في الإمتحانات المدرسية!"، تجيب السيدة الأولى مبتسمة، ويكرّ الحديث... معروف عنك والرئيس تقديسكما للعائلة، أيّ مفهوم للأسرة زرعتما في أولادكما؟ - نشكر الله على اننا استطعنا المحافظة على التقاليد اللبنانية التي تؤكد تماسك العائلة، وقد حاولنا قدر المستطاع أن ننقل الى أولادنا المفاهيم التي نقلها إلينا آباؤنا وأجدادنا. في مفهومنا، بناء عائلة متماسكة يتطلّب اهتماماً كبيراً بكلّ فرد من أفرادها. على الوالدين أن يكرّسا الكثير من الوقت لأولادهما. لقد عشنا معاً عائلة متماسكة، وما يعيشه الأولاد ويختبرونه تحت سقف البيت الوالدي، يرسخ فيهم. ولنا ملء الثقة بأن يواصل أولادنا الرسالة العائلية بالثبات والعزم نفسيهما. تبقى معزّة خاصة للأحفاد تحمّلنا مهمة جديدة تضاف إلى مهماتنا العائلية السابقة. ما هي الضريبة التي فرضها المنصب الرئاسي على عائلتكم؟ - إن المسؤولية العامة تفرض تضحيات شخصية معيّنة، فكيف إذا كان المنصب رئاسة الجمهورية، وهو منصب طالما قال فيه الرئيس إميل لحود انه يتطلّب الكثير من العمل والسهر والاهتمام وليس منصباً للتباهي أوالتعالي أوالتفاخر. لا ننكر ان المسؤولية أخذت كلّ وقتنا تقريباً، وسرقت منا حياتنا الشخصية، إذ جرّدتها من حميميتها، وكأنني بها صارت ملكاً للناس. ستّ سنوات سيدة أولى، ماذا غيّرت في حياتك؟ - غيّرت الكثير... ولا ننسى ان حياتي كزوجة رجل عسكري تختلف تماماً عن الدور المطلوب مني كزوجة رئيس جمهورية. ولا أنكر ان السياسة لا تروقني، لذلك ركّزت نشاطاتي على القضايا الاجتماعية والانسانية خصوصاً قضايا الطفولة وهنا تبتسم قائلة: أفهم لغة الأطفال وأتقنها، يبدو ان التيار يسري بسرعة بيننا. وهكذا ألهتني الطفولة عن أجواء السياسة التي لا أحبّ لغتها، وصار دوري صلة وصل بين الرئيس وشريحة كبيرة من المجتمع من المسنين إلى الأطفال والنساء ذوي الحاجات الخاصة... أولادي وأحفادي والرئيس... وأنا من يشبهك من أبنائك ومن يشبه الرئيس؟ - ابنتنا كارين هي أكثر من يشبه الرئيس من حيث الشكل، أما أطباعها فتشبه أطباعي وهدوؤها يشبه هدوئي. لكن من الذي يشبهك أكثر؟ - إميل. يشبهني كثيراً. غالباً ما يختار الابن زوجة فيها من صفات أمه، هل تشبهك سابين، زوجة ولدك إميل؟ - هذا صحيح وحقيقي، وهو يعود الى تأثّر الابن بوالدته. فسابين تشبهني، هي مثلي هادئة تتحلى بالحكمة والروية ومثلي أيضاً "بيتوتية"، تقدّس العائلة والأولاد. قلت في حديث سابق مع "لها" أنك تخافين على ولديك إميل ورالف من زواريب السياسة. ما هي الوصية الوالدية التي أوصيت بها إميل الابن عندما قرّر خوض الانتخابات النيابية؟ - صحيح فأنا لا أحبّ السياسة ولم أحبّذ دخول إميل عالمها. فالسياسة في لبنان ليست الحقل الذي ترغب الأمهات في أن يدخله أولادهنّ. ولكنني لم أشأ أن أعارض إميل أو أقف حجر عثرة في طريق طموحه. قلت له: "يمكنك أن تحاول وتنسحب عندما تشاء". ويبدو انه انسجم في الأجواء السياسية وأثبت جدارته. ماذا عن أحفادك؟ هل هناك عاطفة خاصة تميّزين بها أحدهم؟ - هذا أمر مستحيل... أكنّ لهم جميعاً المحبة نفسها، مع العلم ان ميشال الابن البكر لكارين نال دلالاً خاصاً بصفته حفيدنا الأول، وكلّنا يعلم حجم العاطفة التي يفجّرها إبصار أول طفل في العائلة النور... في أسفارك المتعددة، هل تطمئنين إلى أحفادك عبرالهاتف يومياً؟ هل تتسوقين لهم؟ وما هي الهدايا التي حملتها إليهم من زيارتك الأخيرة لفرنسا؟ - أعتقد أنني في هذه الناحية ألتقي مع الكثير من الأمهات والجدات في قلقهنّ الغريزي على أبنائهنّ وأحفادهنّ. خلال سفري، أطمئن إلى أحفادي يومياً عبر الهاتف وأحرص على شراء الهدايا لهم، التي غالباً ما تكون ثياباً أو ألعاباً يطلبونها بأنفسهم. في عيد الأم الأخير، أيّ هدية تلقيتِ من أحفادك؟ - دعيني أخبركِ أولاً عن أحفادي، أولاد كارين، يحرصون على أن تحمل ماريا الابنة الوحيدة لكارين الهدية وتقدّمها لي باسمهم جميعاً. يصطفون صفاً واحداً وتتقدّم مني ماريا بتهذيب شديد وتقبلني وتقدّم لي الهدية. وهديتي لهذا العيد كانت بدلة بنطلون وجاكيت. وماريا حفيدة متميزة حقاً، حسّاسة جداً وشديدة الأنوثة، تحرص على التعبير عن محبتها لي كلما سنحت الفرصة، فهي مثلاً تجمع الورود من الحديقة وتقدّمها إليّ. ولكن صدقيني، ان ما تطلبه الأم أو الجدة من أبنائها وأحفادها، لا يتعلّق بالهدايا بل بالرغبة في رؤيتهم بشكل دوري، لأن رؤيتهم مجموعين كفيلة بإدخال الفرح إلى قلبها. ماذا عن الرئيس؟ هل تتلقين هدايا شخصية منه؟ - ممازحة هذا أمر صعب حدوثه في ظلّ مشاغل الرئاسة وهموم السياسة الداخلية والشرق أوسطية. هل نفهم أن هناك نوعاً من العتب؟ - لا، لا، أبداً. أتفهّم ظروفه ومشاغله الكثيرة وأحترمها، وأحاول قدر المستطاع أن أشاركه هموم المنصب ولو من الناحية الإنسانية والاجتماعية. ماذا تنادين الرئيس وماذا يناديك؟ هل تستخدمان الألقاب الرسمية في ما بينكما؟ - أناديه إميل ويناديني أندريه كما كنّا نفعل دائماً. لم يتغيّر شيء. فتغيّر المناصب والظروف لا يعني بالضرورة تغيّر الأشخاص. ولكن في الزيارات الرسمية خارج لبنان، أحرص على مناداته بلقب "الرئيس" احتراماً لمنصب الرئاسة الذي يتولاه. هل تتشاركين والرئيس الهموم العائلية اليومية، مرض حفيد، امتناعه عن الطعام، دخول ماريا المدرسة الخ...، أم تحاولين أن تبعديه عنها؟ - الانشغال بمسؤوليات الرئاسة لا يمنعنا من الاهتمام بأحفادنا وأولادنا. والرئيس يهتمّ بأدقّ التفاصيل العائلية. يسأل عن الأحفاد فرداً فرداً، وفي حال مرض حفيد تقع الملامة على ابنتي كارين أولاً وعليّ ثانياً تضحك. هل تتدخلين والرئيس في تربية أحفادكما؟ - كلا، فهذا شأن يتعلّق بأهلهم، ونحن نثق في قدرتهم على القيام بدورهم على أكمل وجه. ولكننا إذا رأينا تصرّفاً لا يعجبنا نبدي ملاحظاتنا الخاصة. ما هي مصاعب تربية الأولاد في عصرنا اليوم، مقارنة بتربيتكم أبنائكم؟ - ما يخيفني، لا بل يرعبني هو انجراف مراهقين ومراهقات إلى إدمان المخدرات. وتزداد معاناتي حينما أشاهد تأثير هذا السلاح القاتل على المراهقين الذين ينجذبون إليه فيستحوذ عليهم ويسلبهم من أهلهم والمجتمع. وهنا أوجّه نداء الى كلّ المراهقين، باسم جميع الأمهات، لتفادي الدخول في هذا النفق المظلم رأفة بهم وبأمهاتهم... ماذا عن روتين زيارات الأحفاد؟ - كلّ يوم أربعاء تصطحب كارين الأولاد لزيارتنا الزيارة التي قمنا بها لعائلة لحود كانت يوم الأربعاء، الموعد التقليدي لزيارة الأحفاد جدّيهما. وأحياناً يترك إميل وسابين طفلهما إميل الصغير 3 أشهر ونصف الشهر ليمضي معي عطلة نهاية الأسبوع، ويكون الاهتمام به متعتي الخاصة، فأنا أعشق الاهتمام بالأطفال. هل تحرصين على أن تجتمع العائلة دورياً حول مائدة غداء أو عشاء؟ - نجتمع كلّ يوم جمعة حول مائدة العشاء. وقد صار هذا العشاء تقليداً عائلياً. هل هناك أطباق معيّنة صارت بدورها تقليداً عائلياً طبق معيّن يحبّه الرئيس أو الأولاد أو الأحفاد؟ - كلّ أفراد عائلتي يحبّ أطباق الباستا المعكرونة... على أنواعها. وهل تعدّينها لهم بنفسك؟ - تضحك حبذا لو كان باستطاعتي ذلك! فأنا أحبّ إعداد الطعام إلى درجة انني كنت أمضي ساعات وساعات في المطبخ وأعدّ المأكولات المختلفة. وأذكر انني خلال إقامتي في أميركا، أعددت ذات مرة بمفردي وليمة لمئة مدعو. لكنني اليوم، عندما أدخل المطبخ في القصر الرئاسي، يرمقني الطبّاخ المسؤول بنظرة تعجّب، وكأن في وجودي انتقاصاً من خبرته... هذا ما يقلقني... وسط الهالة التي ترسم حول الشخصيات العامة، يسأل الكثيرون: هل تحزن، هل تقلق، هل تبكي السيدة الأولى شأنها شأن أيّ امرأة أخرى؟ - أحزن وأقلق وأبكي... وأكثر ما يؤثّر فيّ زيارات المعوقين والأطفال المرضى والنساء المسجونات، إذ لا أقدر إلا أن أفكر بمأساتهم وسط الأوضاع الصعبة التي يمرّ فيها لبنان... أذكر انني بكيت من قلبي ذات مرة عندما أبلغت بوفاة فتاتين مصابتين بسرطان الدم اللوكيميا كنا أرسلناهما لتلقي العلاج في إيطاليا وأميركا. ماذا يقلقك عائلياً؟ - أقلق على أولادي، مثل كلّ أمّ، وأكثر ما يخيفني حوادث السير. الواقع ان رالف تعرّض لحادث سير قبل سبع سنوات كاد يودي بحياته، لولا لطف الله. ومنذ ذلك الحين ويدي على قلبي من أخطار الطرق. هل تقلقين على الرئيس من الأخطار والمطبّات السياسية؟ - تفاؤل الرئيس الدائم يطمئنني ويبدّد قلقي. وعموماً لا يحمل الرئيس هموم السياسة الى البيت، بل على العكس يحاول أن يحمي الأجواء العائلية من ضغوط السياسة وتوتراتها، فهو يردّد دائماً ان لكلّ شيء وقته. متى تجلس اندريه لحود إلى نفسها؟ - تضحك مستحيل... لا أملك الوقت كي أجلس إلى نفسي. الوقت الوحيد الذي أختلي فيه بنفسي هو عندما أمارس رياضة المشي مساء لمدة ساعة كاملة، إذ أنسى هموم العمل وأتفرّغ للتأمل. في أيّ ساعة تستيقظين وما هو أول شيء تقومين به صباحاً؟ - أستيقظ عند السابعة صباحاً، وأول ما أقوم به هو فتح النوافذ لتهوئة المنزل، حتى ولو في فصل الشتاء. هل تشاهدين التلفزيون؟ وهل تتابعين النشرات الإخبارية أو البرامج الإجتماعية؟ - كنت وما زلت أكره التلفزيون والسينما أيضاً. لست من هواة هاتين الشاشتين. حتى عندما أجلس مع الرئيس أمام التلفاز، لا أسترق النظر الى الشاشة الصغيرة بل أشغل نفسي في كتاب أطالعه. فأنا قارئة من الطراز الأول. حكايتي مع الإنترنت ماذا تقرأين ولمن؟ - أقرأ كلّ شيء وأختار الكتب وفق مزاجي الفكري: روايات بوليسية وكتباً أدبية وفلسفية وسيراً ذاتية لكبار الشخصيات التاريخية... فالقراءة هوايتي المفضّلة إضافة إلى الرياضة وتحديداً السباحة والمشي. أمارس رياضة المشي يومياً لمدة ساعة، ولا أقوم بذلك كواجب بل كهواية أستمتع بها، إلى درجة انني لا أستطيع النوم من دون ممارسة رياضة المشي حتى ولو في ساعة متقدّمة من الليل. وكما أستمتع بالمشي يومياً، كذلك لا بدّ لي من المطالعة يومياً أيضاً. أنت رياضية من الطراز الرفيع، شأنك شأن الرئيس، هل تهتمين أيضاً بنظامك الغذائي الصحي؟ - تبتسم صحيح أن شغف الرياضة هو من القواسم المشتركة التي تجمعني والرئيس. فأنا مثله أمارس رياضة السباحة ولكن فقط في فصل الصيف. أما بالنسبة الى نظامي الغذائي فأنا نباتية، لا أشرب القهوة ولا أدخّن. كنت أدخّن بكثرة، لكنني أقلعت عن التدخين قبل عشرين عاماً. كيف تمكّنت من الإقلاع عن التدخين؟ لا بدّ أنك تتمتعين بإرادة قوية كي تلتزمي قراراً صعباً كهذا... - كان قراراً فجائياً ونجحت في تطبيقه. إليكِ القصّة: كنا نسكن قرب البحر. صحوت باكراً ذات صباح وخرجت إلى الشرفة أتأمل الموج. فشعرت بحاجة ملحّة إلى إشعال سيجارة ورحت أبحث في المنزل بلهفة عن علبة سجائر. توقفت للحظة وقلت: ماذا أفعل بنفسي؟ أصرتُ أسيرة سيجارة؟ سأتوقف عن التدخين. وهكذا كان. كيف تصفين علاقتكِ بالكومبيوتر والإنترنت؟ - علاقة صداقة وطيدة، تعود إلى وقت كان فيه ابني رالف يدرس في جامعة ستانفورد في سان فرانسيسكو في الولاياتالمتحدة الأميركية، عندما أردت أن أرسل له بطاقة معايدة إلكترونية لمناسبة عيد ميلاده، طلبت مساعدة مديرة مكتبي. وفي اليوم الثاني تلقيت رداً إلكترونياً من رالف ممّا اضطرّني من جديد للاستعانة بأهل الخبرة. عندئذ شعرتُ بحاجة ملحّة إلى تعلّم استخدام الكومبيوتر والإنترنت. وها أنا اليوم قادرة على كتابة الرسائل الإلكترونية وتضمينها ملحقات وصوراً وغيرها، لا بل انني أقوم باستقصاء المعلومات على الشبكة حول مواضيع محدّدة تتعلّق بنشاطاتي المختلفة. هل هناك أحلام مؤجلة تتمنين تحقيقها وتحول انشغالاتك ومهماتك الرئاسية دون تحقيقها؟ - كأم وجدّة، ليس لديّ أحلام بل تمنٍ بأن يتمتع أحفادي، جيل الغد، بمستقبل أفضل من مستقبلنا، وينعموا بحياة هنيئة مليئة بالفرح والاستقرار والطمأنينة. هذا كلّ ما أرجوه. أجري الحوار بالاشتراك مع الشقيقة "لها" وينشر في العدد الجديد من المجلة الذي يصدر غداً الاربعاء.