هكذا هي قصص العشاق دائماً! فمهما اشتد لهيبها وتقاسم خلانها رحيق اللقاء وثمرة الوفاء.. فلا بد من لوعة الفراق ولحظة الوداع.. بدأ الأمر همساً.. تزايد مع إرباكات نهاية الدوري ومفاجآت المربع الذهبي، تناقلته الألسن والمنتديات الشبابية والافتراضية.. توج العين الإماراتي بالثلاثية التاريخية ولقبه التاسع.. أمل كثيرون خبراً صغيراً يفند الرواية أو إشارة اطمئنان لتواصل قصة الحب الجميلة بين الفرنسي ذي الشعر الطويل والمدينة "الحديقة التي يسكنها البشر" - كما وصفت العين كتب الرحالة. ولكن بات الخبر يقيناً في ظل إصرار ميتسو على الرحيل، وبداية مفاوضات الساعات الأخيرة بين المسؤولين العيناويين والمدرب الذي رفع العين بطلاً لآسيا لأول مرة في تاريخ الأندية الإماراتية وتوج معه بكل الألقاب المحلية تقريباً، وعزز موقعه ضمن نخبة الأندية الخليجية والعربية والآسيوية.. فقد أخبر ميتسو إداريي الفريق بأن مفاوضاته مع نادي الاتحاد القطري قد استكملت ولم يبق منها سوى التوقيع بالأحرف الأولى لقيادة الفريق الشقيق الموسم المقبل مقابل 1.7 مليون دولار. لم يشأ ميتسو "الشوشرة" عن احتفالية العين بلقبها الأجمل في كل موسم.. ولكن قال إنه ينتظر الإشارة الخضراء من كبار الشخصيات وقادة مجلس الشرف العيناوي، ليطرح السؤال: لماذا اختار الفرنسي الانفصال والرحيل الآن؟.. لا شك أن قصص الحب مثيرة في حياة الإنسان والمدائن وكرة القدم، ولكن السيد ميتسو رجل واقعي 100 في المئة، فعندما يعرض عليك راتب سنوي مضاعف لما يتوافر لديك.. فمن الغباء الإعراض عنه في زمن المال والمصالح أولاً.. لن يكون انتقالاً قاسياً فلا يفصل بين العاصمتين الإماراتية والقطرية سوى ساعة طيران.. هناك سيكون في ظل رعاية رجل ذي شأن ورئيس النادي، كما كان يوماً في ظل الدعم من قبل أهم شخصية رياضية إماراتية.. تعد الدوحة هذه الأيام وجهة جذابة للاستثمارات الرياضية، دوري النجوم، والخزائن المفتوحة للأندية والمنتخبات والذراع الإعلامية الطويلة الجزيرة الرياضية، مما ينبئ بأن هنالك إرادة سياسية قوية لكتابة حروف المستقبل للكرة في الخليج في الدوحة القطرية.. لنكن أكثر دقة، فهل ميتسو مدرب موهوب أم شخص محظوظ؟ لوبحثنا في أوراقه القديمة، لاكتشفنا في اللاعب مسيرة متواضعة في الدوري الفرنسي وبعض الأندية الأوروبية من الصف الثاني.. ثم انتقاله لعالم التدريب.. منتخب غينيا .. ومغامرة مثيرة مع المنتخب السنغالي في المونديال الأخير، حيث أطاح بمنتخب بلاده حامل اللقب، ووصل بزملاء حاجي إلى الدور ربع النهائي.. ولا شيء غير ذلك سوى الأسطورة التي صنعت في نادي العين حيث اتفقت إرادات متعددة على الارتقاء بالنادي إلى مصاف النخبة، ضخت أموال كثيرة، جُلب ميتسو ومعه نخبة من اللاعبين الأجانب المتميزين، أضحى العين بوابة للمحليين نحو الشهرة والأضواء.. والأهم من ذلك كانت وما زالت تضبط إيقاع النادي ومسيرته إرادة قيادية آمنت ببناء المؤسسة على أسس احترافية، وأقسمت على الارتفاع به والكرة الإماراتية إلى دائرة الأضواء والألقاب بعدما عانت خيبات متعددة في السنوات الأخيرة.. حقق العين في الموسم الماضي والأول في زمن ميتسو بطولتي الدوري والسوبر محلياً، وكأس آسيا.. وعاد الدر إلى معدنه هذا الموسم بالتتويج بالثلاثية التاريخية والاحتفاظ بدرع الدوري إلى الأبد.. ليطلب بعدها ميتسو الانفصال والطلاق بالحسنى.. لم يعرف ميتسو على أنه تاجر متجول وقد جمع من العين من الإيرادات العينية والاحترام المعنوي ما لم يجمعه أو يمكن أن يحققه في مدينة ثانية.. فقد ارتفع هناك إلى درجة "الممنوعين من الاقتراب" والعلامة الوطنية .. إلا أن ميتسو رجل ذكي ولبق، فقصص الحب والعلاقات بين الرجال والأندية والمدائن لا بد أن تبلغ يوماً ذروتها ثم تصاب بالقانون الطبيعي.. وتستنفد أعراضها.. فقد توج ميتسو مع العين بأغلى الألقاب.. وكون علاقات حميمة مع اللاعبين والرجال والمدينة.. والأهم من ذلك بث تلك الروح الجديدة والماكينة التي لا تشبع من الألقاب.. كان هذا الموسم قاسياً عليه مع تعدد الإصابات والغيابات واستهلاك الكتيبة العيناوية.. لم يعد النجم الوحيد على الساحة، فقد عاد صائد البطولات الروماني إيلي بيلاتشي ولاح الألماني رانيه هولمان.. وكاد ميتسو يسقط أمامهما في الاختبار.. سيستمتع ببعض الأيام من الراحة ليواجه قريباً استحقاقاً كبيراً واللقب الآسيوي. رفع رئيس مجلس الشرف العيناوي الشيخ محمد بن زايد السقف عالياً وقال: "لا شيء أقل من اللقب". لم يهرب ميتسو من التحدي.. ولكنه أدرك أن عليه الانصراف الآن وليس غداً. وككل القصص الدرامية.. فإن عقدة الانفصال.. طالما طالتها عوائق ومثبطات فعقد الفرنسي الجميل مع مدينة البنفسج موقع إلى نهاية عام 2006 والقطريون يستعجلون القدوم .. لتصبح النهاية مفتوحة على أشرعة كل الاحتمالات.