هل ينقذ مقتدى الصدر الرئيس جورج بوش من ورطته في جنوبالعراق، حيث القتال ولو كانت نتائجه معروفة لمصلحة الاقوى، لا بد ان يلحق اضراراً بالأماكن الدينية، ويخرج المرجعية عن"حيادها"السلبي الذي شدد العزلة على الصدر...؟ ام هل ينقذ التحالف ما بقي من رصيد سياسي شعبي للزعيم الشيعي المتمرد على شراكة التحالف ومجلس الحكم؟ بعد فضيحة"ابو غريب"التي وجهت طعنة مريرة لبوش في عز حملته الانتخابية الرئاسية، وقبل خمسة اسابيع من اعادة صوغ"شراكة ما بعد الاحتلال"، كان لا بد للحاكم المدني بول بريمر ان يستنجد برجال الدين الشيعة، لايجاد مخرج من"ورطة الصدر"، كما كان"لواء الفلوجة"مخرجاً من فضيحة تدمير"المارينز"هذه المدينة على رؤوس اهلها ومسلحيها انتقاماً لمقتل اربعة اميركيين. الصدر بحاجة الى التقاط الانفاس، ورأسه المهدد بمحاكمة..."التحالف"الملطخة سمعته بوحشية تعذيب السجناء في"ابو غريب"بحاجة الى"هدنة"في مسلسل الفضائح، والمعارك غير المتكافئة. وذاك الرئيس في واشنطن الذي باتت شعبيته في الحضيض، يبدو في غنى بالطبع عن فصل جديد من"المآثر"في العراق، لا بد سيأتي، فيما كوابيس بغداد تلاحقه. ويدرك بوش الذي تلعثم مرات في خطابه"الاستراتيجي"انه بات عاجزاً عن الرهان على اي انجاز عراقي، مهما فعل، وان محاولة تقديم موعد الانتخابات في البلد المحتل، ليستثمرها في معركته مع كيري في تشرين الثاني نوفمبر مجرد مسعى يائس، قد يسجل نقطة او نقطتين في رصيده، وسط عشرات النقاط الخاسرة. ألم يتهم محللون اميركيون العراقيين ب"النكران"قبل"ابو غريب"وبعده، لان مجرد كلمة شكر للاحتلال، في وداعه يوم 30 حزيران يونيو او بعده بسنة، لن تستقطب اجماعاً، حتى في صفوف مجلس الحكم. لكن حال هؤلاء كحال بوش الذي لا يعرف من دروس التاريخ، ان الشعوب لا تميز بين احتلال"اسود"وآخر"ابيض". واذا كان اعتراف احد صقور مهندسي الحرب لإطاحة صدام، ريتشارد بيرل بخطيئة تحويل قوة"التحرير"الى قوة غاصبة، متأخراً وكأنه يتنصل من افكاره وخططه، ليجعل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد"كبش المحرقة"، فالحقيقة التي اجاد الجنرال المتقاعد انتوني زيني في رسم معالمها هي ان الولاياتالمتحدة مهما فعلت، ستدفع الثمن، بعد كل ما ارتكب في العراق. مأساة بوش الذي يمد اليوم يده الى بغداد لعلها تنقذه في انتخابات تشرين الثاني، انه وادارته منذ ما قبل الحرب لم يضعا خطة واحدة ذات اهداف محددة. والانجاز الوحيد، سيكتشفه الرئيس الاميركي، هو خلع صدام، يكاد ان يطيح حظوظه هو في"معركة الرئاسة"لأن ما حصل بعد 9 نيسان ابريل 2003 تحول حرباً على جبهتين: بين اركان الادارة الاميركية، البنتاغون والخارجية وادارة الاحتلال ذاته، فيما جبهة الاحزاب والقوى السياسية العراقية منفلتة على ايقاع بريمر وحده. آخر اخبار مسلسل التعذيب، ان فصوله بدأت بعد ايام على سقوط"الفردوس"، قلب بغداد في ايدي الاميركيين. ولعلها كانت بداية لجلد سمعة ادارة بوش التي شطرها العراق اجنحة ومراكز قوى تكاد ان تكون الوجه الآخر لتشرذم الاحزاب والمراجع في البلد المحتل. واذا بدا من حق الرئيس الاميركي الآن ان يستنجد بالابراهيمي، وخصومه الحلفاء السابقين الذين عارضوا الغزو، فلا احد يراهن على اعترافه ولو متأخراً بهزيمته امام غرور القوة، منذ اقصى الاممالمتحدة وشرعيتها. مع ذلك، يبقى الاختبار الاخير ل"سمعة"الاحتلال، ان تسلم واشنطن مفاتيح الازمة للمنظمة الدولية، وتختار اعلان هزيمة هادئاً بالإمكان ان تدعيه"نصراً"فتنسحب تدريجاً، لتحمّل العراقيين مسؤولية قرارهم. اما"العنتريات"الخطابية ضد"القتلة والارهابيين"فبوش نفسه يدرك انها لن تحسّن حظوظه في السباق الرئاسي، بعدما انكشف ارهاب جنوده الغرائزي في"ابو غريب"... وشرّع ابواب العراق لكل مهووس بطعن اميركا وتحديها.