قبل سنة سقط تمثال صدام حسين الديكتاتور. بعد سنة، امس، سقط تمثال جورج دبليو بوش"المحرر". مرّ يوم التاسع من نيسان ابريل بعيداً جداً عن الاحتفالية وبدأ تكريساً لعودة صدام متنكراً بوجه"الحاكم"بول بريمر. القوات الاميركية اكتسبت مزيداً من ملامح القوات الاسرائيلية. طائرات"أف 16"تدك الفلوجة كما تغير على غزة. العسكريون عادوا الى الشاشات كما لو ان الحرب بادئة لتوها. وعاد المشاهدون يتعرضون لتعذيب منهجي مع عودة دونالد رامسفيلد الى الواجهة."مجلس الحكم"العراقي يكاد يفرقع ويتفجر. و"الحاكم"بريمر يمضي في الغرق في غبائه الاسطوري."الأجهزة"الشهيرة لا تزال تخفق في تقدير الواقع والوقائع والحقائق. الاميركيون أخذوا العراق الى الفوضى في الوقت الذي يزعمون الاستعداد ل"نقل السلطة". نسيت الولاياتالمتحدة انها دولة عظمى وزينت لنفسها تطبيق عقاب جماعي لسكان الفلوجة. تجاهلت معطيات الأرض وذهبت أبعد مما يجب في استفزاز تيار مقتدى الصدر. والآن تبحث عن حسم بالقوة. لا بد ان يكون شاؤول موفاز من يقود قوات الاحتلال في العراق وليس الجنرال ريكاردو سانشيز. موفاز أسمع صوته أمس متمنياً نجاح الاميركيين في مهمتهم، كأنه يعرض خدماته. ولا بد ان يكون ارييل شارون من يقرر في واشنطن وليس جورج بوش، فالوضع ينزلق في جرائم حرب كان يُظن ان الاميركيين لا يقدمون عليها. كل من اعتقد ان الاحتلالات لا تتشابه ولا تتماهى استطاع في الأيام الأخيرة ان يتعرف الى الخطأ الذي ارتكبه. هذه الحرب داخل الحرب كان لا بد ان تقع. فالعراق وبغداد ليسا صدام حسين أولاً وأخيراً، فهو سقط لكن سقوطهما ما كان له ان يبقى نزهة، وما كان لهما ان يكونا لقمة سهلة سائغة. الاحتلال كلف العراق أكثر مما تصورت أفاعي البنتاغون، وأذناب الاحتلال من العراقيين كلفوا البلد أكثر مما توقع مواطنوه. ومن الواضح الآن ان تدمير الدولة وتصفية الجيش والأمن والنهب المبرمج للمؤسسات والوزارات كانت وبالاً على الجميع بمقدار ما شكلت مكاسب وامتيازات للبعض. وطالما ان اللعب كله جرى ويجري على الانقاض فلا شك في ان الاميركيين لن يقاوموا اغراء مواصلتها على الطريقة الشارونية - الموفازية، فهم كحلفائهم ومرشديهم الاسرائيليين أعدموا الخيارات الاخرى. سيقول رئيسهم"انه الارهاب"على رغم ان مثل هذه الادعاء لم يعد يعني سوى الإفلاس، لكنه سيساعده على تبليع مواطنيه الناخبين حرباً لم تعرف الفشل إلا بعد انتهائها. ضربت الانجازات الاميركية أرقاماً ونتائج قياسية منذ ان عم الاحتلال انحاء العراق: لم يعثروا على أسلحة الدمار الشامل التي شكلت ذريعة رئيسية للحرب، اعتقلوا الرئيس السابق معتقدين انه يقود المقاومة فإذا بهذه تتعمق وتقوى، جلبوا الارهاب"القاعدي"ولم يكن له وجود في العراق، كانوا يجهلون حقائق البلد، وكان هناك من يجد لهم اعذاراً، لكنهم يبدون بعد سنة كأنهم زادوا جهلاً، جاؤوا بما سموه"طواقم خبراء"جاهزة لتسلم البلد وتسييره ليتبين بعد فترة ان هذه الطواقم تسيرهم بحسب مصالحها واهوائها، ضخوا أموالاً في العقود والجيوب لكنها لم تتوصل خلال سنة الى معالجة قصور الخدمات الاساسية، ضغطوا على الدول لتنضم الى"التحالف"واستهزأوا بضغوط الشعوب على حكوماتها الى ان صفعهم درس اسبانيا ولم يتعلموا... انجازات مدهشة لا تبدو لها نهاية، ولا شك في ان العراق والعراقيين يدفعون ثمنها. لكن الانجاز الأكبر كان اغلاق العراق وعزله عن محيطه ووضعه في شبه"كرنتينا"لتنظيفه من أي وباء اقليمي. كيف يراد للعراق ان يتعافى ويدرك وضعاً طبيعياً فيما يستخدم احتلاله لتهديد جيرانه، ومن الذي اقنع الاميركيين بأن هذا الشعب العراقي نسيج وحده لا امتداد له ولا علاقات ولا مصالح، وأي استراتيجية خرقاء تسمح لقوة احتلال بأن تتطلع الى استثمار انتصار لم يكتمل بعد... كان يقال عن صدام انه مدمن الخطأ في الحسابات من دون ان تكون لديه القوة اللازمة لتعويض الاخطاء، سيقال ان الاميركيين لديهم حسابات جيدة وقوة عاتية لكن إدمان الغطرسة يوقعهم في رعونة صدام واجرام شارون وموفاز.