دعم السياحة في الأحساء ب 17 مشروعا بقيمة 3.5 مليارات ريال    جمعية الإعلام السياحي راعياً إعلامياً في «معرض تعاوني للتدريب»    الإدارة الأصلية والدراسة العصرية    صدارة وتأهل    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    مُحافظ الطائف يطَّلع على مشروع التحول في حوكمة إدارة مكاتب التعليم    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    "جائزة القلم الذهبي" تحقق رقمًا قياسيًا بمشاركات من 49 دولة    المكتبة المتنقلة تطلق جولتها القرائية في الشرقية    ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يعبرون عن امتنانهم لمملكة.    ملتقى الأوقاف يؤكد أهمية الميثاق العائلي لنجاح الأوقاف العائلية    الحُب المُعلن والتباهي على مواقع التواصل    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير تبوك يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجيستية    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    توصية بعقد مؤتمر التوائم الملتصقة سنويًا بمبادرة سعودية    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    كايسيد وتحالف الحضارات للأمم المتحدة يُمددان مذكرة التفاهم لأربعة أعوام    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    مدير فرع وزارة الصحة بجازان يفتتح المخيم الصحي الشتوي التوعوي    311 طالبًا وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة موهوب 2    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير كورنيش الحمراء بالدمام (الشاطئ الغربي)    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    انطلق بلا قيود    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة موقف حسن الهضيبي من أفكار سيد قطب . علم المرشد بأمر "تنظيم 1965" منذ تأسيسه ورشح اثنين من "خبراء" منظمات العنف لقيادته 2 من 3
نشر في الحياة يوم 27 - 05 - 2004

تحاول هذه الدراسة تدقيق بعض الوقائع التاريخية الخاصة بمدى معرفة المرحوم حسن الهضيبي، المرشد العام الثاني لجماعة "الاخوان المسلمين" ب"تنظيم الاخوان" في مصر الذي كان يقوده المرحوم سيد قطب واكتشف أمره عام 1965، ومدى صحة ما أثير حول ان الذين شكّلوه استأذنوا الهضيبي قبل ان يباشروا نشاطهم، وهي تستند الى ما ورد في اقوال الشهود الرئيسيين على الواقعتين في محاضر تحقيقات النيابة العامة المصرية، في قضايا هذا التنظيم.
وكان القسم الأول انتهى الى ان أفكار سيد قطب حول جاهلية المجتمعات ونظم الحكم الاسلامية، ودعوته الى استبدال حاكمية الله بحاكمية البشر تبلورت عام 1959، ونشرت عام 1961 في الطبعة الثالثة من تفسير "في ظلال القرآن"، وانه بدأ التبشير بها بين مسجوني الاخوان عام 1962، فأثارت عاصفة من الخلافات وصل أمرها الى المرشد العام، الذي أعلن إيمانه بصحتها، لكنه انتقد اسلوب وتوقيت اذاعتها، باعتبارها خطأ سياسياً، وترك ل"الاخوان" حرية الأخذ بها أو تركها من دون خلاف.
بين عامي 1957 و1962 استعر الخلاف بين مسجوني "الاخوان المسلمين" حول الموقف من حكم عبدالناصر، وتحول من مسألة سياسية الى مسألة فقهية بدأت بسؤال: هل يجوز اعتبار عبدالناصر مسلماً لمجرد انه نطق بالشهادتين على رغم جرائم التعذيب التي ارتكبها نظامه في حق المسلمين لا لشيء الا لأنهم يدعون الى الاسلام؟ وتطرح الاجابة عن هذا السؤال الأول سؤالاً آخر هو: هل جماعة "الاخوان" هي "جماعة المسلمين" التي يعتبر الخارج عنها، ناهيك عمن يضطهد أعضاءها ويعذّبهم خارجاً عن الملّة أم هي "جماعة من المسلمين"؟
وأثناء ذلك، كان بعض "الاخوان" الذين أفلتوا من حملة محاكمات واعتقالات 1954، وبخاصة الذين ينتمون الى الجيل الذي كان حديث السن وحديث العضوية في الجماعة يتحركون في محاولة للانتقام من الضربة القاصمة التي وجهها اليهم عبدالناصر، فيما كان آخرون، وبخاصة من الجيل الأكبر سناً الذي لم يقدم الى المحاكمة وظل رهن الاعتقال الى ان أفرج عنه عند انتهاء فترة الانتقال في تموز يوليو 1956، ينشطون على صعيد جمع تبرعات لإعالة أسر المسجونين المحكوم عليهم بأحكام تراوح بين خمسة و25 عاماً.
وفي مجرى هذه التحركات، نشأت مجموعات عدة كان بعضها يخطط لمحاولة اغتيال عبدالناصر، واقتصر نشاط بعضها الآخر على تشكيل "أسر" وهي الوحدة القاعدية للتنظيم "الاخواني" لحفظ القرآن الكريم والأحاديث، فيما تحرك آخرون على صعيد جمع تبرعات مالية لمساعدة أسر المسجونين من "الاخوان" على القيام بأمور حياتها، وكان الجميع يجدون تحفيزاً من قادة "الاخوان" الذين هربوا أثناء الحملة الى بعض الدول المجاورة، ومن بعض الاخوان الذين كانوا ضباطاً في القوات المسلحة، وأعضاء في تنظيم الضباط الأحرار، ثم طردوا من وظائفهم في أعقاب الصدام بين الطرفين. وكان طبيعياً ان يتعرف اعضاء هذه المجموعات ببعضهم بعضاً، وأن يدخل قادتهم في محادثات لتوحيد أنشطتهم، وأن تتعثر محاولات التوحيد نتيجة الخلاف حول أهداف العمل، فتعود بعض المجموعات للاستقلال.
وما كاد العام 1962 يبدأ، حتى كان قادة أهم هذه المجموعات اتفقوا على توحيدها، وعلى تكوين لجنة خماسية لإدارة هذا التنظيم الموحد الذي تولى سيد قطب في ما بعد قيادته.
بدأت صلة هذا التنظيم بالمرشد العام حسن الهضيبي عبر إحدى المجموعات التي تكون منها، وهي المجموعة التي شكلها تاجر الغلال الشيخ عبدالفتاح اسماعيل، ولدينا عن توقيت بداية هذه الصلة تاريخان، ورد أقدمهما في مذكرات زينب الغزالي التي نشرت عام 1987 في عنوان "أيام من حياتي"، وهي تذهب فيها الى انها اشتركت مع عبدالفتاح اسماعيل في تشكيل هذه المجموعة خلال العام 1958، وان الدراسة الفقهية التي قاما بها انتهت بهما الى ان قرار حلّ جماعة "الاخوان المسلمين"، الذي أصدره مجلس قيادة الثورة عام 1954 باطل "لأن عبدالناصر ليس له أي ولاء ولا تجب له طاعة على المسلمين، اذ انه يحارب الاسلام ولا يحكم بكتاب الله تعالى".
وانطلاقاً من ذلك، كان لا بد، كما تقول، من استئذان الهضيبي باعتباره مرشداً عاماً للجماعة. وطبقاً لروايتها، التقت به وكانت تتردد على منزله بحكم صداقتها لزوجته وبناته وشرحت له خلال لقاءات عدة تفاصيل الدراسات التي قاما بها والغاية من التنظيم، فأذن لهما بالعمل. وتضيف انها كانت تزوره وتعرض عليه نشاط التنظيم وما يلاقيه من صعوبات، وأنه كان يقر احياناً بعض ما يعرض عليه ويعطي في احيان أخرى بعض التوجيهات التي لم تذكر منها سوى واحد، هو انه أشار عليها بأن يضيفوا كتاب "المحلى" لابن حزم ضمن الكتب التي يدرسونها.
وتتناقض هذه الرواية، من حيث التاريخ والوقائع، مع ما ورد في أقوال الغزالي نفسها في محضر تحقيق محمد وجيه قناوي وكيل نيابة أمن الدولة العليا، وهي الأقوال التي أدلت بها على امتداد خمسة أيام بدأت في 30 تشرين الثاني نوفمبر 1965، اذ ذكرت فيها ان هذا اللقاء تم عام 1962، بعد أربع سنوات من التاريخ الذي سجلته في مذكراتها. وأضافت انها حين التقت بالمرشد، ابلغته بأن شخصاً اسمه عبدالفتاح اسماعيل يجمِّع الاخوان للدراسة وسألته عن رأيه، فقال لها انه لا يخرج من بيته، وهم، أي "الاخوان"، أدرى بمصلحة أنفسهم. وطبقاً لأقوالها، فهمت زينب الغزالي من ذلك ان المرشد لم يوافق ولم يعارض.
وتبدو الرواية التي أدلت بها الغزالي أمام النيابة أقرب الى روايات الأطراف الاخرى في الواقعة، منها الى الرواية التي وردت في مذكراتها. وطبقاً لأقوال عبدالفتاح اسماعيل أمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا صلاح نصار في 21 تشرين الثاني 1965 وما بعده، فإن التفكير في استئذان المرشد العام لم ينشأ الا عام 1962، اذ كان اصطحب معه زميله في قيادة المجموعة في تلك الفترة، المهندس عبدالفتاح الشريف، الى مدينة الزقازيق، ليفاتحا احد المفرج عنهم من معتقلي "الاخوان" في محافظة الشرقية في الانضمام اليه، وأن يكون مسؤولاً عن "الاخوان" في المنطقة، ففوجئا به يسألهما عما اذا كانا حصلا على إذن من المرشد العام بذلك. فلما نفيا قال لهما: "أنا مقدرش أمشي في حاجة الا بإذن المرشد".
ومع تكرار اصرار "الاخوان" على استئذان المرشد العام، ذهب الاثنان الى منزل زينب الغزالي التي كان عبدالفتاح اسماعيل تعرف عليها اثناء موسم الحج عام 1958، وكان يعرف منها انها على صلة طيبة بمنزل المرشد، وانها تتولى ترتيب مواعيد لبعض الذين يرغبون في لقائه، وطلبا منها ان تخطره بأن عبدالفتاح الشريف يطلب الإذن بلقائه وتمت المقابلة في الليلة ذاتها.
وطبقاً لما ورد في أقوال عبدالفتاح الشريف في محضر التحقيق الذي أجراه معه ممدوح البلتاجي وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 21 تشرين الأول اكتوبر 1965 وما بعده، فإن المقابلة لم تستغرق سوى ربع ساعة، وانه بدأها بمحاولة تذكير الهضيبي بنفسه وبأنه من "اخوان" البحيرة، ثم عطف على ما جاء من أجله، فقال للمرشد انه وعبدالفتاح اسماعيل ومجموعة أخرى من "الاخوان" في سبيلهم لتكوين أسر ل"الاخوان" وتنظيم جديد لهم، فقال له المرشد: "كل ما يعمل للاسلام وللدعوة خير، على أن يتم كل شيء بعقل وهدوء". وهو ما فهم منه الشريف ان المرشد ينصحهم بألاّ يقوموا بعمل يكشفهم.
وتتضمن أقوال المرشد العام في التحقيقات، وقد أدلى بها أمام اسماعيل زعزوع وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 28 تشرين الثاني 1965 تفصيلات اضافية، وهو يقول ان عبدالفتاح الشريف سأله: هل يمكن ان ننشئ أسراً للاخوان كما كانت الحال في الماضي؟ فردّ عليه قائلاً: "شوف... أنا لم أقرأ قرار الحل وليست لديّ نية لمخالفته، فإذا كنت تريد ان تعمل أسر في حدود هذا القرار إعمل، وأنا لا أمنعك، لأن قرار الحل هدم كيان الجماعة وحرم الأفراد من حقوق، ولكن أظن انه أبقى لهم بعض الحقوق، فإذا كان يمكنك في هذه الحدود عمل أي شيء فافعله".
ويقول الشريف انه لم يعد بعد لقائه الهضيبي الى منزل زينب الغزالي، بل توجه الى اجتماع كان مقرراً لقيادة المجموعة في تلك الفترة، عقد في منزل أحدهم، حيث عرض عليهم رد الهضيبي الذي كان يعتبره موافقة، فيما رأى آخرون ان الموافقة غير صريحة، وبعد مناقشة الأمر انتهى رأيهم الى انه بالنسبة الى ظروف المرشد وبعده عن الحياة العامة، وكبر سنه فإن موافقته أو عدمها، غير لازمة لهم في القيام بالنشاط.
وفي السنة نفسها تقريباً 1962، تشكّلت مجموعة أخرى من الاخوان يقودها علي عشماوي كاتب الحسابات الشاب في إحدى شركات القطاع العام، وكانت أولى العقبات التي واجهتها في بداية نشاطها، كما يقول في مذكراته التي نشرها عام 1993 في عنوان "التاريخ السري لجماعة الاخوان المسلمين"، هي "المشكلة الشرعية"، اذ تحرج كثير من "الاخوان" الذين دعاهم للانضمام الى التنظيم من القبول إلا بعد التأكد من أنه حصل على موافقة "ممن له الأمر في الجماعة" على تشكيل هذا التنظيم.
ومع انه كان يرى ان العمل لله لا يحتاج الى تفويض من أحد وان شرعيته تستند الى القرآن والسنّة، الا انه اضطر إزاء تزايد المطالبين بالإذن الى تكليف أحد أعضاء المجموعة زيارة شقيقه الذي كان يمضي عقوبة الأشغال الشاقة في سجن الواحات، ليطلب اليه ابلاغ اعضاء مكتب الارشاد المسجونين هناك بخبر تأسيس المجموعة، وبأنها تنتظر الإذن "ممن له حق الأمر في الجماعة" بأن تواصل نشاطها، لكن الرسول عاد لينقل عن شقيقه صورة طبيعية عن الخلافات التي كانت سائدة منذ سنوات بين مسجوني "الاخوان"، بسبب اختلافهم حول تأييد حكومة عبدالناصر، والتي وصلت الى حدّ الاشتباك بالأيدي وتكفير الطرفين كل منهما الآخر مما يستحيل معه التوصل الى جهة يمكن ان تتحمل مسؤولية اصدار الأمر باستئناف النشاط، وان الجهة الوحيدة التي تملك حق اصدار هذا الإذن، في رأي الشقيق، هي المرشد العام فقط.
ويضيف عشماوي انه التقى آنذاك بعض أعضاء المجموعة الأولى، التي يقودها عبدالفتاح اسماعيل، وبدأ معهم مفاوضات لتوحيد المجموعتين تعرف أثناءها الى السيدة زينب الغزالي، التي قالت له في سياق حوار طويل، وفي معرض إغرائه بدمج المجموعتين، انها على اتصال دائم بالاستاذ المرشد وانها تأتي منه بالتعليمات، وانه - المرشد - حينما أُخبر عن التنظيم الذي يتبع الشيخ عبدالفتاح اسماعيل وعن أهدافه أقرها، وبهذا فإن التنظيم أصبحت له الشرعية، فإذا اندمجت مجموعته فيه، سوف تمتد اليها تلقائياً مظلة الشرعية التي اضفاها المرشد عليه، ولما قال لها: إنني لا أمانع في اندماج التنظيمين... ولكن اعتراضي ينصب على هدف التنظيم الآخر، وهو اغتيال جمال عبدالناصر، فأنا لا أرى ان هذا هو الطريق، ردّت عليه بعصبية قائلة: بل إن هذا هو الطريق، ولا طريق غيره، وهذا ما أقره المرشد.
وتكشف المقارنة بين هذه الروايات جميعها أن المرحوم حسن الهضيبي، كان يعلم بأمر التنظيم الذي اكتشف عام 1965، منذ بداية تأسيسه، وانه أذن له بالنشاط. صحيح انه، طبقاً لرواية معظم الشهود، لم يقل ذلك في شكل صريح وواضح وقاطع، إلا انه قاله بالطريقة التي كانت شائعة ومعروفة عنه بين "الاخوان"، في ما يشبه الشفرة المتفق عليها بينه وبينهم. وكان الهضيبي اكتسب من عمله الطويل كقاضٍ جنائي خبرة دفعته لأن يكون قليل الكلام بالغ الحذر. وفي المسائل الحساسة، كان حريصاً على ان يصوغ آراءه في عبارات قصيرة وموجزة تحتمل اكثر من تفسير، تاركاً لمن يستمع اليه تأويلها كما يشاء، ومحتفظاً لنفسه بالحق في تفسيرها، على النحو الذي يخليه من أي مسؤولية عنها اذا ما أذاعها المستمع أو اعترف بها تحت وطأة التعذيب، وهو ما حدث بالفعل حين واجهه المحقق، اثناء التحقيق معه، باعتراف عبدالفتاح الشريف بأنه اثناء لقائه به أذن للتنظيم بالعمل فردّ قائلاً: "يبقى فهم غلط".
وتحسم أقوال المحامي اسماعيل الهضيبي، احد أبناء المرشد العام، في محضر التحقيق الذي اجراه معه محمد وجيه قناوي، وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 21 تشرين الأول 1965، هذه النقطة، اذ ذكر فيها أنه نقل لوالده في تموز 1965، وقبل أسابيع قليلة من اكتشاف أمر التنظيم، المخاوف في صفوف بعض "الاخوان" بسبب ما يشاع عن أن عبدالفتاح اسماعيل أسس تنظيماً جديداً ل"الاخوان" وانه يتحرك في شكل غير متزن، فردّ عليه الهضيبي الأب ان عبدالفتاح اسماعيل بعث له منذ زمن يستأذنه القيام بعمل تنظيمي، وانه أذن له ب"بتجميع خفيف للاخوان بقصد الدراسة".
ويبرز اسم الهضيبي مرّة أخرى في تاريخ التنظيم حين وجد قادته الخمسة، وهم من الشبّان، ان هناك ضرورة لأن ترأسه شخصية اخوانية بارزة ليستفيدوا من خبرتها ولتضفي على التنظيم مشروعية وثقلاً يجعلانه محل ثقة "الاخوان".
وفي تلك الفترة، أواخر عام 1963، عرّفت زينب الغزالي عبدالفتاح اسماعيل الى الوزير السابق عبدالعزيز علي، وكان وزيراً للشؤون البلدية والقروية في بداية الثورة، وأسرّت اليه قبل التعريف بأن عبدالعزيز "رجل طيب ومسلم وعلى صلة بالمرشد"، فيما قدمت عبدالفتاح الى الوزير السابق باعتباره "رجلاً طيباً ومسلماً ومن الاخوان المسلمين". وفهم عبدالفتاح اسماعيل من ذلك، كما يقول في أقواله، ان المرشد يرشح عبدالعزيز علي لقيادة التنظيم، فالتقى به مرات عدة، اخطره خلالها بأمر التنظيم وعرض عليه ان يتولى رئاسته فقبل الآخر، وبدأ بالفعل يعقد اجتماعات دورية مع القيادة الخماسية للتنظيم.
ويقول عبدالعزيز علي في أقواله أمام عبدالسلام حامد، رئيس نيابة أمن الدولة العليا في 14 تشرين الثاني 1965، انه أراد ان يستوثق من أن المرشد العام ل"الاخوان المسلمين" يوافق على قيامه بتوجيه المجموعة بدلاً منه، فسألهم عما إذا كانوا استأذنوا الهضيبي في الاتصال به، فوعدوه بأن يفعلوا، وذلك ما حدث. اتصلت زينب الغزالي بالمرشد، وطبقاً لما ورد في أقوالها، قالت له: "إن عبدالفتاح اسماعيل يستشيره عن رأيه في التعارف بعبدالعزيز علي"، فقال لها الهضيبي: "عبدالعزيز علي رجل فاضل ومش عاوز استشارتي في معرفته".
ويجمع القادة الميدانيون الخمسة للتنظيم، في أقوالهم أمام النيابة، انهم بدأوا يشعرون بالقلق من شخصية عبدالعزيز علي الذي أصرّ على أن يعرف أسماء كل اعضاء التنظيم وعناوينهم، فضلاً عن أن أفكاره بدت لهم بعيدة عما عرفوه عن قادة "الاخوان"، ففكروا ان يضيفوا اليه شخصية "اخوانية" تتقاسم معه رئاسة التنظيم، ووقع اختيارهم على فريد عبدالخالق، عضو مكتب الارشاد والمسؤول عن قسم الطلاب في الجماعة لسنوات طويلة، وكان من بين أسباب اختيارهم له ان انباء تواترت بينهم تقول انه يدير تنظيماً يتولى جمع تبرعات من "الاخوان" لتوزيعها على أسر المسجونين، وان المنتمين لهذا التنظيم يتصدون لكل نشاط يقوم به غيرهم من "الاخوان" ويقيمون العراقيل امام التنظيم الجديد في الصعيد والاسكندرية، ويحذرون "الاخوان" من الانضمام اليه.
ويقول عبدالفتاح اسماعيل انه تنفيذاً لذلك سعى في ربيع عام 1964 للالتقاء بفريد عبدالخالق، وقال له ان في "الاخوان" تيارات كثيرة، بعضها عنيف والآخر ليس كذلك، وان تركهم من دون قيادة يعرضهم للخطر، وان من واجبه، وهو أحد القيادات التاريخية للجماعة، ان ينهض بقيادتهم في هذه المرحلة، وصارحه بأنه ومجموعة من الشباب يقومون بعمل تنظيمي، وان الذي يقودهم هو عبدالعزيز علي، واقترح عليه ان يلتقي به ليبحثا سبل التعاون بينهما.
ويضيف علي عشماوي، أحد أعضاء اللجنة الخماسية، في أقواله امام صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة العليا في 4 تشرين الأول 1965 الى هذه الرواية، تفاصيل مهمة تتعلق بطبيعة الصلة بين حسن الهضيبي والتنظيم، إذ يقول ان فريد عبدالخالق ردّ على عرض عبدالفتاح اسماعيل قائلاً: "أنا مقدرش أتعاون معاكم إلا بموافقة حسن الهضيبي"، وهي اضافة تؤكدها زينب الغزالي التي تقول في اعترافاتها ان عبدالفتاح اسماعيل كلفها بأن تنقل الى المرشد رغبة التنظيم في أن يتعاون معه فريد عبدالخالق، وأمله في تدخله لكي يأمر فريد بأن يقبل ذلك، وانها نقلت الرسالة الى حسن الهضيبي قائلة لعبدالفتاح اسماعيل: "يطلب من فضيلتك إنك تخلّي فريد عبدالخالق يتعاون معاه". فقال لها: "عاوز يقابله، يروح يقابله... هوّا مش أخوه"؟!
ويكشف هذا الحوار عن الأسلوب الذي اختاره حسن الهضيبي لاستقبال الرسائل التي ترد اليه من التنظيم وطبيعة ردوده عليها، فمع ان زينب الغزالي لم تشر في حديثها معه الى نوع التعاون المطلوب، الا انها، في أقوالها، فسّرت ذلك بأنه التعاون في النشاط الذي يقوم به عبدالفتاح اسماعيل لإحياء جماعة "الاخوان" وهو ما حرص الهضيبي على ان يومئ اليه في رده عندما وصف العلاقة بينهما بأنها "اخوّة"، في اشارة الى الصلة التنظيمية التي تجمعهما، فكان طبيعياً استناداً الى هذه الشفرة ان تنقل الغزالي الى عبدالفتاح اسماعيل ان المرشد يوافق على ان يتصل بفريد عبدالخالق وانه سيأمره بالتعاون معه.
وفي أعقاب ذلك اجتمع عبدالعزيز علي مع فريد عبدالخالق في لقاء في بيت زينب الغزالي التي لم تحضر اللقاء، فيما حضر عبدالفتاح اسماعيل الذي قال لهما في بدايته: "إحنا جُند تحت ايديكم فوجّهونا الى عمل الخير". الا ان الرجلين أمضيا نصف ساعة، هي كل مدة اللقاء، في تبادل المجاملات والذكريات، وأنهى عبدالخالق اللقاء على وعد بتحديد موعد آخر لمناقشة الموضوع. وبدلاً من تحديد الموعد، فوجئ أعضاء التنظيم بحملة همس تنسب اليهم انهم أسسوا تنظيماً يضم بين قيادته شخصيتين مريبتين هما عبدالعزيز علي، الذي اتهمته الحملة بأنه على صلة مشبوهة بالأميركيين، وزينب الغزالي التي نسبت اليها الحملة انها على صلة غامضة بالمملكة العربية السعودية.
وأزعج ما حدث القادة الميدانيين للتنظيم خشية ان تنتهي الحملة التي تداولت اسماءهم بكشف أمر التنظيم أمام سلطات الأمن، فضلاً عن انها شككتهم في كل من عبدالعزيز علي وزينب الغزالي، فأصرّوا على ان يستمعوا الى رأي المرشد العام في عبدالعزيز علي، من مصدر آخر وثيق الصلة به، غير زينب الغزالي، فاصطحبوها الى منزل ابنته خالدة الهضيبي وأرسلوا الابنة برسالة موجزة يسألونه فيها عما اذا كان يعرف عبدالعزيز علي. فلما عادت بالرد الذي اكد بالفعل انه يعرفه، اعتبروا ذلك دليلاً على براءة الاثنين، عبدالعزيز وزينب، من التهم التي اشاعها عنهما فريد عبدالخالق الذي تنصل في مقابلة له مع عبدالفتاح اسماعيل جرت في اعقاب ذلك من المسؤولية عن الحملة قائلاً ان الذين قاموا بها هم فريق من قيادات "الاخوان" كان استشارهم في ما عرض عليه، فعارضوا الفكرة للأسباب التي أشاعوها بعد ذلك بين "الاخوان".
ويقول حسن الهضيبي ان فريد عبدالخالق زاره في اعقاب اللقاء الذي جمع بينه وبين عبدالفتاح اسماعيل وعبدالعزيز علي وأبلغه ان هناك شباناً طائشين من "الاخوان" يتحركون للقيام بإحياء الجماعة، وانهم يشيعون بين "الاخوان" ان ذلك يتم بعلم المرشد العام وبإذن منه، وانه يخشى ان يقوموا بعمل أحمق يدفع ثمنه الجميع وانه قال له: "يا فريد عليك ان تقف في الشارع، وتقول إنني أنا لا علم لي بهذه الحكاية، وإنني لا أسمح بشيء من هذا، ولكن أنا لا سبيل أمامي لوقف هؤلاء الاشخاص لأنني لا أقابلهم".
أما علي عشماوي فيقول في مذكراته ان المرشد العام أخذ على قادة التنظيم انهم عرضوا على فريد عبدالخالق ان يكون احد قائدين للتنظيم، وانهم جمعوا بينه وبين عبدالعزيز علي. وفي ما يمكن اعتباره رأياً للمرشد العام، في مدى "صلاحية" فريد عبدالخالق للمهمة التي فوتح في القيام بها، يضيف عشماوي: "ان الهضيبي كان من رأيه ان عليهم ان يستفيدوا من عبدالخالق بصورة اخرى بأن يعرضوا عليه ان يكون عضواً قاعدياً في التنظيم".
وينفرد عشماوي بالقول إن الهضيبي رشح لهم في اعقاب ذلك شخصية اخوانية أخرى لتتولى قيادة التنظيم هو حلمي عبدالمجيد، الذي تولى لفترة قصيرة عام 1954 رئاسة "الجهاز الخاص" - الجناح المسلح للجماعة. ويضيف ان زينب الغزالي سافرت الى بورسعيد لكي تعرض عليه الأمر، لكنه لم يوافق. وقد يبدو موقف الهضيبي من النشاط الذي كان يبذل لإعادة تجميع وتنظيم فلول "الاخوان" بعد ضربة 1954، ملتبساً ومتناقضاً وباعثاً على الحيرة، وإلاّ ما أصرّ فريد عبدالخالق والتيار الذي كان يمثله في الجماعة، وهو تيار كان يعارض كل نشاط تنظيمي، ويعتبر ان أفضل تنظيم هو ألاّ يكون هناك تنظيم، على ان المرشد كان يقف في صفهم. فيما أصرّ الذين أسسوا التنظيم الذي انتهت قيادته الى سيد قطب، والذي اكتشف في العام 1965، على انه أذن لهم بالنشاط وباركه.
وقد يفيد في فض هذا الالتباس ان نضع في اعتبارنا طبيعة شخصية الهضيبي الحذرة والمتشككة الى حد كبير في الآخرين، وبراعته - من جانب آخر - في المناورة السياسية، مما قد يدفعه احياناً لكي يخاطب كل شخص على ضوء ما يستشفه من موقفه، وانطلاقاً من ذلك، لا نستبعد ان يكون ما قاله لفريد عبدالخالق عن موقفه من التنظيم، مناورة سياسية أراد ان يشفط بها غضبه، بعدما ادرك انه خائف.
أما الذي لا يمكن انكاره، فهو انه كان متحمساً لكل نشاط يقوم به أحد "الاخوان" لإعادة تجميعهم، ما لم يكن الشخص المعني محل ريبته! اما الذي ينبغي التأمل فيه فهو ان الاثنين اللذين رشحهما لقيادة التنظيم، وهما عبدالعزيز علي وحلمي عبدالمجيد، كانا من اصحاب الخبرة السابقة في قيادة منظمات العنف المسلحة.
ولم يكن الثالث، الذي ظهر في تلك الاثناء على شاشة التنظيم، وهو سيد قطب بعيداً من الافكار الداعية الى هذا العنف.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.