- 1 - قال حكيم: أفضل الكلام ما قَلَّتْ ألفاظُهُ، وكَثرَتْ مَعَاْنِيْه. وأخذ هذا المعنى الشاعر أحمد بن إسماعيل الكاتب فقال: خَيْرُ الكَلامِ قَلِيْلُ عَلَىْ كَثِيْرٍ دَلِيْلُ وَالْعِيُّ مَعْنىً قَصِيْرٌ يَحْوِيْهِ لَفْظٌ طَوِيْلٌ عزل عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز رضي الله عنه أحدَ قُضاتهِ" فقال له القاضي: لِمَ عَزَلْتَنِيْ؟ فأجابه قائلاً: بَلَغَنِيْ أنَّ كلامَكَ مع الخصمينِ أكثر من كلامِ الخصمين إِلَيْكَ. - 2 - ذَكَرَ خالدٌ بنُ صفوانَ الْمُزَاْحَ فَقال: يَصكُّ أحدُكُم صَاحِبَهُ بِأشَدِّ من الْجَنْدَلِ، ويُنَشِّقُهُ أحْرَقَ مِنَ الْخَرْدَلْ، ويُفْرِغُ عليْهِ أَحَرَّ من الْمِرْجَلِ، ثُمَّ يقول: إنَّمَا كُنْتُ أُمَازِحُكَ!!!. وقال بعضُ الحكماء: خَيْرُ الْمُزاحِ لا يُنالُ، وشَرُّهُ لا يُقالُ، فَنَظْمَهُ السَّابُوْرِيُّ في قَصِيْدَتِهِ الْجَاْمِعَةِ لِلآدَابِ" فَقال، وزَاْدَ: شَرُّ مُزاحِ الْمَرْءِ لا يُقَاْلُ وخَيْرُهُ يَا صَاحِ لا يُنَاْلُ وَقَدْ يُقالُ كَثْرَةُ الْمُزَاْحِ مِنَ الْفَتَىْ تَدْعُوْ إِلى التَّلاْحِيْ إِنَّ الْمُزَاْحَ بِدْؤُهُ حَلاْوَهْ لَكِنَّمَا آخِرُهُ عَدَاْوَهْ يَحْقِدُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشَّرِيْفُ وَيَجْتَرِيْ بِسُخْفِهِ السَّخِيْفُ وفي معنى هذه الجملة الأخيرة قول الشيخ محمد الغزي في منظومته: ولا تمازحِ الشريفَ يحقِدُ ولا الدنّيءَ يَجْتَرِيْ وَيَفْسدُ وقد أحْسَنَ أبو نواس فقال في هذا المعنى: مُتْ بِدَاْءِ الصَّمْتِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ دَاءِ الْكَلاْمِ إِنَّمَا السَّالِمُ مَنْ أَلْجَمَ فَاْهاً بِلِجَاْمِ رُبَّما يَسْتَفْتِحُ الْمَزْحُ مَغَاْلِيْقَ الْحِمَاْمِ وَالْمَنَاْيَا آكِلاتٌ شَاْرِبَاتٌ لِلأَناْمِ - 3 - قال علي بن محمد العبرتاني: رَأيْتُ لِسَانَ الْمَرْءِ وَاْفِدَ عَقْلِهِ وعُنْوَانَهُ" فَانْظُرْ بِمَاْذَا تُعَنونُ فَلا تَعْدُ إِصلاحَ اللِّسَاْنِ فَإِنَّهُ يُخَبِّرُ عَنْ مَاْ عِنْدَهُ وَيُبَيِّنُ وَيُعْجِبُنِيْ زيُّ الْفَتَى وَجَمَالُهُ ويَسْقُطُ من عَيْنَيَّ سَاْعَةُ يَلْحنُ عَلَىْ أَنَّ لِلإِعْرَاْبِ حَداًّ وَرُبَّمَاْ سَمِعْتُ مِنَ الأَعْرَاْبِ مَا لَيْسَ يُحْسَنُ وَلاْ خَيْرَ فِي اللَّفْظِ الْكَرِيْهِ سَمَاْعهُ وَلا فِيْ قَبِيْحِ الظَّنِّ في الْفِعْلِ أَحْصنُ - 4 - ولد الإمام الشافعي سنة وفاة الإمام أبي حنيفة النعمان 767/ 150 ه، وتوفي سنة 820م/ 204ه، وكان الشافعي مع سعة علمه وفقهه شاعراً، وفي شعره حكمة، وهو لم يكن يتكسب بالشعر، ولم يأخذه وسيلة للتقرب إلى ذي جاه، أو مال، أو سلطان" فقد كان الشعر يصدر عنه تلقائيًّا معبرًا عما يدور في ذهنه" ولذلك انتشر شعره بين الناس، وأصبح كثير منه مضرب الأمثال السائرة التي يتداولها الناس، ومن أمثلة ذلك قوله: مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ فَتَوَلَّ أَنْتَ جميعَ أَمْرِكَ مَا طَارَ طَيرٌ وَارتَفَع إلاَّ كَمَا طَارَ وَقَع ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا فُرِجَتْ وكُنْتُ أَظُنُّهَا لا تُفْرَجُ نَعِيْبُ زَمَانَنَا وَالعَيبُ فينَا وَمَا لِزَمَانِنَا عَيبٌ سِوَانَا وَعَينُ الرِّضَا عنْ كُلِّ عيبٍ كَلِيْلَةٌ وَلَكِنَّ عينَ السُّخْطِ تُبدِي المَسَاوِيَا - 5 - شهدت مدينةُ حلب السورية سنة 588ه/ 1192م، ميلادَ كمال الدين، أبو القاسم، عمر بن أحمد بن هِبَةِ الله بن أبي جَرَادَةَ، العُقَيْلي الحلبي، المعروف بالصاحب ابن الْعَدِيْم، وبعد ذلك بسنة واحدة توفي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ودفن في مدينة دمشق. تلقى ابن العديم علوم العربية والدين في المنزل على والده، وأقاربه من علماء بيت أبي جرادة، ثم انتقل إلى مجالس العلماء في حلب عندما بلغ العاشرة، ولما بلغ سن الشباب رحل في طلب العلم إلى دمشق والقدس والحجاز والعراق. وجدَّ ابنُ العديم في التحصيل العلمي حتى صار واحداً من ألمع الخطاطين، ورجال التاريخ والعلم والأدب والإنشاء، والسياسة وأمور الدُّول والقضاء والإفتاء، في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، وكان موضع تكريم الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب رحمه الله، ولاقت مؤلفات ابن العديم قبولاً عند معاصريه، ومن جاء بعدهم حتى وقتنا الحاضر حيث حقق بعضها ونُشر. وقد حرص القدماء على الحصول على إجازته وسماعه، وقد أصبحت إجازاته وحواشيه موضع فخر الشعراء حتى قال الشاعر ابن القيسراني: بِخَدِّ مُعذِبِي آياتُ حُسْنٍ فَقُلْ ما شِئْتَ فِيْهِ وَلا تُحَاْشِيْ وَنسْخَةُ حُسْنِهِ قُرِنَتْ فَصَحَّتْ وَهَاْ خَطُّ الْكَمَالِ عَلَى الْحَوَاْشِيْ لم يُطق ابن العديم الإقامة في حلب بعد خرابها، فعاد إلى مصر مهموماً مغموماً حيث وافته المنية سنة 660ه/ 1262م، ودفن بسفح جبل المقطَّم. قرض ابن العديم الشعر وتنوعت أغراض الشعر الذي قرضه فشملت الغزل، والإخوانيات ورثاء المدن والحكمة. عاش ابن العديم في حلب معززاً مُكرَّماً حتى هجم التتار على حلب سنة 658ه/ 1260م، قَبْلَ معركة عين جالوت بفترة قصيرة، فرحل ابنُ العديم إلى مصر، ثم عاد إلى حلب بعد خرابها وهزيمة التتار، ولما عاين ما حلَّ بمدينة حلب من الخراب رثاها بقصيدة مؤثرة جاء فيها: هُوَ الدَّهْرُ مَا تَبْنِيْهِ كَفَّاْكَ يَهْدمُ وَإنْ رُمْتَ إِنْصَافاً لَدَيْهِ فَتُظْلَمُ * * وَعَنْ حَلَبٍ مَا شِئْتَ قُلْ مِنْ عَجَاْئِبٍ أَحَلَّ بِهَا يَا صَاْحِ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ غَدَاْةَ أَتَاْهَاْ لِلْمَنِيَّةِ بَغْتَةً مِنَ الْمُغْلِ جَيْشٌ كَالسَّحَاْبِ عَرَمْرَمُ وَقَدْ عُطِّلَتْ تِلْكَ الْعِشَاْرُ وَأُذْهِلَتْ مَرَاْضِعُ عَمَّاْ أَرْضَعَتْ وَهيَ هُيَّمُ فَيَاْ لَكَ مِنْ يَوْمٍ شَدِيْدٌ لُغَاْمُهُ وَقَدْ أَصْبَحَتْ فِيْهِ الْمَسَاْجِدُ تُهْدَمُ وَقَدْ دَرَسَتْ تِلْكَ الْمَدَاْرِسُ وَارْتَمَتْ مصَاْحِفُهَا فَوْقَ الثَّرَىْ وَهيَ ضُخَّمُ وَقَدْ جُزِّزَتْ تِلْكَ الشُّعُوْرُ وَضُمِّخَتْ فَيَاْ حَلَباً أَنَّىْ رُبُوْعُكِ أَقْفَرَتْ وَأَعْيَتْ جَوَاْباً فَهْيَ لاْ تَتَكَلَّمُ أَنُوْحُ عَلَىْ أَهْلِيْكِ فِيْ كُلِّ مَنْزِلٍ وَأَبْكِي الدُّجَىْ شَوْقاً وَأَسْأَلُ عَنْهُمُ أورد ياقوت الحموي ترجمة لابن العديم في "معجم الأدباء" 6/35-46 وفيها قصيدة غزلية جاء فيها: وَسَاحِرَةِ الأجفانِ مَعْسُولَةِ الَّلمَىْ مَرَاْشِفُهَا تُهْدِي الشِّفاءَ مِنَ الظَّمَاْ حَنَتْ لِيَ قَوْسَيْ حَاْجِبَيْهَاْ وَفَوَّقَتْ إِلَىْ كَبِدِيْ مِنْ مُقْلَةِ الْعَيْنِ أَسْهُمَاْ فَوَاْ عَجَباً مِنْ رِيْقِهَاْ وَهوَ طَاْهِرٌ حَلالٌ، وَقَدْ أَضْحَىْ عَلَيَّ مُحَرَّمَاْ فَإِنْ كَاْنَ خَمْراً أَيْنَ لِلْخَمْرِ لَوْنُهُ وَلَذَّتُهُ، مَعْ أَنَّنِيْ لَمْ أَذُقْهُمَاْ جَرَىْ حُبُّهَا مَجْرَىْ حَيَاْتِيْ فَخَاْلَطَتْ مَحَبَّتُهَا رُوْحِيْ وَلَحْمِي والدَّمَا ومن شعر ابن العديم في الحنين إلى مدينة حلب الشهباء: لَكَ الله إِنْ شَاْرَفْتَ أَعْلامَ جَوْشَنٍ وَلاحَتْ لَكَ الشَّهْبَاْ وَتِلْكَ الْمَعَاْلِمُ فَبَلِّغْ سَلاماً مِنْ مُحِبٍّ مُتيَّمٍ يَنُوْحُ اشْتِيَاْقاً حَيْنَ تَشْدُو الْحَمَاْئِمُ من طريف الحكمة في شعر ابن العديم قوله في التحذير من الأقارب: إِحْذَرْ مِنِ ابْنِ الْعَمِّ فَهْوَ مُصَحَّفٌ وَمِنَ الْقَرِيْبِ فَإِنَّمَا هُوَ أَحْرُفُ فَالْقَاْفُ مِنْ قَبْرٍ غَدَاْ لَكَ حَاْفِراً والرَّاْءُ مِنْهُ رَدىً لِنَفْسِكَ يَخْطفُ والْيَاْءُ يَأْسٌ دَاْئِمٌ مِنْ خَيْرِهِ وَالْبَاْءُ بُغْضٌ مِنْهُ لا يَتَكَيَّفُ فَاقْبَلْ نَصِيْحَتِيَ الَّتِيْ أَهْدَيْتُهَا إِنِّيْ بِأَبْنَاْءِ الْعُمُوْمَةِ أَعْرَفُ والمقصودُ في البيت الأول من تصحيف كلمة العم هو نقص النقطة التي تحوِّل حرف العين إلى غين، فيُصبحُ ابنُ الْعَمِّ ابنَ الغَمِّ. طُبِعَ من مؤلفات ابن العديم: كتاب الدراري في ذكر الذراري، وكتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري، وكتاب الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب، وكتاب بغية الطلب في تاريخ حلب، ومختصر الذي يسمى زبدة الحلب في تاريخ حلب. ولابن العديم كتب أخرى هي: الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار، وكتاب بلوغ الآمال مما حوى الكمال، وكتاب تبريد حرارة الأكباد في الصبر على فقد الأولاد، وكتاب الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة، وضوء الصباح في الحث على السماح، وكتاب التذكرة، وكتاب شعر في مدح السيدة عائشة أم المؤمنين، وكتاب في الخط وعلومه ووصف آدابه وأقلامه وطروسه، وكتاب مراد المراد ومواد المواد.