سامر يونس العرجا عمره 3 سنوات. مات شهيداً فجر أمس، قتلته صدمة عصبية، بعد ساعات من الرعب والارهاب الشاروني في حي البرازيل في مدينة رفح الفلسطينية. قبله، عز الدين سليم رئيس مجلس الحكم العراقي اغتالته جماعة الزرقاوي في قلب بغداد، وهو يستحق صفة شهيد وساماً، مهما خوّنته هذه الجماعة أو ابطال الغدر، بالسيارات والشاحنات المفخخة. كل يوم، من غزة بعد الضفة الى بغداد ومدن العراق الجريحة بالاحتلال ونصال أبطال الغدر الذين يدّعون ذبح الأميركي لتحرير الأرض، فيما يقتلون الشعب العراقي، مدنيين ورجال شرطة، بذريعة التعامل مع قوات"التحالف". في غزة ارهاب، بات مقززاً تعداد صفاته وجبنه، وفي بغدادوالعراق الجريح ارهاب من نوع آخر، لكن الحصيلة واحدة. يحق ل"أبي الارهاب"زعيم حاخامات ليكود، بطل المجازر شارون أن يتاجر ما شاء بمقتل أطفال مستوطنين برصاص فلسطيني، ولكن لا أحد يعمي بصره وهو يشاهد جيش اسرائيل يحصد رؤوس الأطفال العزل في رفح بالقذائف، ثم يأسف بكل بساطة. ماذا عن اليوم وبعده، لائحة المذابح تطول، صور النساء يترملن بالعشرات، وأصوات عويل يختلط بالدموع...؟ حتى كلمة مأساة باتت مملة، ومشاهد الابادة عام 1948 تتكرر، عصابات الارغون باتت جيشاً، كل فلسطين مخيمات، كل العالم العربي أصبح ضجراً من نهر الدماء، لكنه كسيح في كل الأحوال، عاجز حتى عن الانتحار ثأراً لضعفه. يعرف ذلك سيد البيت الأسود، ويعرف أن شريكه الأول في حربهما على"الارهاب"، ذاك الشارون الأسير بين قضبان غرائز القتل والإذلال، يجد بامتياز دائماً طريقه الى الذبح، وتضليل العالم المنكوب بغريزة الثأر ل11 أيلول سبتمبر الأميركي. ولكن، حتى كلمة مساكين، لا يقوى بوش على التقاطها في وصف الذين ضرجوا باندفاعهم الى الشارع في رفح، تعبيراً عن غضب ازاء كل الظلم الذي لم يعد يعني شيئاً للعالم، سوى احصاء أرقام. بين سامر وعز الدين اخوّة، شهادة، الصغير والكبير ضحيتان للغدر الذي تتنوع أسلحته لكن اسمه لا يتغير. شارون"بطل""جيش الدفاع الاسرائيلي"أول رهينة لجنون البطش الذي يجد الشريك الأميركي دائماً جاهزاً لتبريره... أما في بغداد ومدن العراق حيث"الجهاد"يسجل"مآثر"على رؤوس المدنيين، بذريعة ترهيب الاحتلال الأميركي، وقهر"التحالف"، ف"الجهاد"ذاته يقدم أفضل الخدمات للمحتل لتبرير بقائه، وبالطبع يعجز عن تفسير جعل شعب بأكمله قرباناً على ذاك المذبح. بين سامر وعز الدين تكتمل الصورة. الارهاب ارهاب مهما تعددت اشكاله، هذا ما يقوله الأميركيون أيضاً، انما في كلمة حق يراد بها أبشع باطل. أما البحث عن صلة"قرابة"بينهم وبين الذين يعتقدون واهمين أنهم يأسروننا ب"بطولاتهم"عبر أشرطة الفيديو، وشبكات الانترنت المخضبة بالدماء حتى دماء"العملاء" فليس مضنياً الى الحد الذي يحول دون اكتشاف دوافع المذابح. عراقيون يتساقطون عشرات كل يوم، ل"ترهيب"الاحتلال... اشقاؤهم الفلسطينيون غيارى، بل ان خبرتهم أطول بكثير، في السباق الى الدم، ودائماً هناك"أبطال"وجزارون، هناك تجارة التخوين والتكفير، وسلعة مقاومة"الارهاب". لكل"شرعية"يقتنصها من حيث يشاء، وحبل كذب طويل، من بغداد الى غزة، ونفاق وتزوير ولصوصية. أمام كل هذه الحقائق، أكبر حقيقة ان سامر مات شهيداً، ومثله عز الدين وأن هذه الأمة كريمة اذ تجود بآلاف الشهداء، لكنها ابتليت بعشاق الظلام وفرسان المتاجرة بالشهادة، الى الحد الذي يفرّخ ملاحم مجانية، صقورها عميان أو مجانين"بطولات"لا تعرف الهدف الصحيح، ولا معنى للحياة.