لم ينل سقوط اكثر من 40 شهيدا في ثلاثة أيام في مدينة رفح من عزيمة سكانها البالغ عددهم نحو 150 ألف نسمة. وعلى رغم جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي في المدينة ومخيماتها من قتل متعمد للمدنيين وحصارهم وتجويعهم والتنكيل بهم وهدم منازلهم وتدمير ممتلكاتهم والبنى التحتية لاحيائهم وعدم تكافؤ ميزان القوى بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، الا ان الرفحيين ومعهم معظم الشعب الفلسطيني يشعرون بفخر امام صمود سكان هذه المدينة الصغيرة الفقيرة امام آلة عسكرية ضخمة تضم مئات الدبابات والآليات والجرافات التي اجتاحت قبل ثلاثة أيام حي تل السلطان وتوسعت ليل الاربعاء - الخميس الى حيي البرازيل والسلام. ويؤكد أحمد صلاح 50 عاماً ان "المعنويات مرتفعة جداً هنا في رفح على رغم كل ما يحدث من مجازر وعمليات قتل وهدم منازل". ويضيف صلاح وهو يقطن في مخيم الشابورة الذي لم تطاوله العمليات العسكرية الاسرائيلية بعد، ان "المجازر التي حصلت لم تنل من عزيمة الناس". يخالج الشعور ذاته احمد عبدالله 38 عاماً الذي يقطن في حي البرازيل المحاصر منذ ليل الاربعاء - الخميس. وهو يقول وأزيز الرصاص وضجيج محركات الجرافات يسمع بوضوح في الهاتف اثناء حديثه الى "الحياة" بكلمات بسيطة: "الحمد لله". ويضيف: "فقط الاطفال خائفون وينتقلون من غرفة الى غرفة خشية ان يصيبهم الرصاص المتطاير في كل اتجاه". ويزيد هازئاً فيما تهدم الجرافة منزل أحد جيرانه الذي ينتمي ابنه الى "حركة المقاومة الاسلامية" حماس: "اليهود يعتبروننا قوة عظمى ويتعاملون معنا على هذا الاساس". ولا يلوم عبد الله الدولة العبرية على العذاب الذي يسومه الجيش للفلسطينيين، وهو عذاب فاقت الوانه الوان "قوس قزح"، الاسم الذي اطلقه الجيش على العملية العسكرية واسعة النطاق، صابا جام غضبه على الرئيس جورج بوش: "ما يغيظني ان بوش يطلب من الطرفين ضبط النفس ... على اعتبار ان نحن دولة فلسطين العظمى تحارب دولة اسرائيل". لكن الحال لم يكن نفسه لدى عبد الفتاح عّزام الذي هدمت الجرافات منزله المجاور لمنزل احد اقاربه القيادي في حركة "الجهاد الاسلامي" الشيخ نافذ عّزام، اذ وجه وزوجته نداءات استغاثة عبر الهاتف في حديث مع اذاعة "الحرية" المحلية في غزة للجنة الدولية للصليب الأحمر والهيئات الدولية لانقاذه واطفاله من بين انياب الجرافات. وبكى ابنه الصغير وهو يوجه نداء استغاثة آخر يطالب فيه بانقاذه. لكن دموع ام ايهاب الشاعر كانت عصية على مآقيها على رغم الحزن الواضح في نبرة صوتها، في اعقاب استشهاد اثنين من ابنائها الثمانية في فجر اليوم الاول للعملية في حي تل السلطان. ولم تكتف بذلك، بل اطلقت زغرودة لروح ابنيها الشهيدين، وقالت: "حتى لو استشهد الثمانية، فانني لن احزن ... فكلهم فداء فلسطين".