تعتبر القيادات العسكرية الغربية العناصر المسلحة التي تعمل لشركات أمنية خاصة "جنوداً مرتزقة" لا يتمتعون بأي حقوق يمنحها القانون الدولي للجيوش النظامية، خصوصا في الأراضي المحتلة. وتم توجيه سؤال حول هذا الموضوع في مؤتمر لقادة القوات الخاصة عقد الشهر الفائت في العاصمة الأردنية عمان، وكان رد كل من قائد القوات الخاصة الأسترالي ومستشار قائد القوات الخاصة الفرنسي بأن أي فرد لا ينتمي الى قوات أمنية أو عسكرية نظامية "لا يملك أي صفة شرعية تؤهله حمل السلاح وممارسة مهمات أمنية في أرض محتلة ويعتبر من المرتزقة". وأضاف القائدان العسكريان أن معاهدة جنيف الدولية حول الحروب واضحة في هذا الخصوص، اذ تضع المسؤولية الأمنية في الأراضي المحتلة على عاتق القوات النظامية للطرف المحتل وحده. كما أن المعاهدة تعرّف المرتزقة على أنهم مقاتلون غير شرعيين لا ينتمون الى أي جيش نظامي وعليه فإنه لا تسري عليهم الواجبات والحقوق كافة التي تمنح للجيوش النظامية، لا سيما في حال وقوع أي من عناصرها في الأسر أو إقدام أحدهم على قتل مواطن في الأرض المحتلة ولو دفاعا عن النفس. وهذا يعني أن اقدام أي من المسلحين العاملين لدى الشركات الأمنية في العراق أو أفغانستان على قتل أي مواطن هناك يعتبر جريمة قتل يحاسب عليها طبقا للقوانين الدولية. وفي العراق اليوم حوالي عشرين الف أجنبي يعملون لصالح شركات دولية، معظمها أميركي، وتتضمن أربع شركات أمنية كبيرة تقوم بتأمين حماية للمنشآت النفطية والشركات الدولية التي تعمل على اعادة اعمار البنية التحتية للعراق وتلك التي تقدم الخدمات لقوات التحالف من مواد غذائية وصيانة ونقل معدات. الشركات الأمنية الأربع هي: دين كورب DynCorp ومركزها ولاية كاليفورنيا، وكول Koll ومركزها ولاية نيويورك، ورونكو Ronco ومركزها واشنطن، وشركة فينل كورب Vinnell Corp ومركزها ولاية فرجينيا. وحسب صحيفة "ديفنس نيوز" الدفاعية فقد بلغ حجم العقود التي نالتها هذه الشركات مجتمعة من وزارة الدفاع الأميركية لمهمات مختلفة في العراق ما بين 150 و200 مليون دولار. الا أن مراقبين غربيين يعتقدون بأن قيمة هذه العقود وحجمها أكبر مما هو معلن. ويساعد عناصر الشركات الأمنية وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي والجيش الأميركي في مهمات حراسة السجون والشخصيات المهمة واستجواب الأسرى وتدريب قوات الجيش والشرطة العراقية. ولا يشكل تعاون الشركات الأمنية الخاصة أو المسلحين المأجورين مع القوات النظامية أمراً جديداً بالنسبة إلى الحكومة الأميركية. فقد بدأ هذا التعاون منذ حرب فيتنام وخصوصاً من قبل وكالة الاستخبارات المركزية ضمن برنامج سري عرف باسم "العمليات السوداء"، اذ كان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع معادية لا تريد واشنطن التورط فيها بشكل مباشر. ولم تعترف الادارة الأميركية بأي من الأميركيين الذين اعتقلوا او قتلوا خلال هذه العمليات. أما اليوم فقد أخذ الوضع في كل من العراقوأفغانستان بعداً آخر، اذ أصبح التعاون علنياً ولكنه يفتقر الى شرعية دولية وقوانين تحدد واجبات وصلاحيات المسلحين المأجورين الذين هم في غالبيتهم عناصر سابقون في فرق القوات الخاصة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا واستراليا وجنوب افريقيا، وفرنسا واسرائيل والفيليبين وتشيلي. وتتراوح رواتب المسلحين المأجورين حسب اختصاصاتهم وجنسياتهم اذ يبقى الأميركيون والبريطانيون في طليعة الأفراد المطلوبين وأغلاهم سعراً. ويشتكي قادة الوحدات الخاصة في الجيوش الغربية من النقص الكبير في الأفراد نتيجة اقدام قسم كبير من جنودهم على الاستقالة من أجل الانضمام الى الشركات الأمنية الخاصة التي توفر لهم معاشات تشكل أربعة أضعاف ما كانوا يتقاضونه في الجيش. السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة الى الشركات الأمنية الخاصة هو من يحاسب عناصرها على أي مخالفات يرتكبونها ضد المدنيين في العراق أو أفغانستان، وهو سؤال بدأت تتصاعد حدته أخيراً بعد الكشف عن علميات التعذيب والقتل التي مارسها جنود أميركيون وبريطانيون في سجون عراقية وأفغانية. وأشارت بعض التقارير الى أن عددا من المسلحين المأجورين ممن يعملون لصالح وكالة الاستخبارات المركزية شاركوا في بعض عمليات تعذيب الأسرى. المسألة القانونية هي أن آلية التعامل مع الجنود الأميركيين المتهمين بعمليات القتل والتعذيب واضحة وتقتصر على احالتهم الى محاكم عسكرية للبت في أمرهم، أما بالنسبة إلى المسلحين المأجورين فليست هناك آلية أو قانون يحدد كيفية التعامل معهم. وحسب مصادر مطلعة في وزارة الدفاع الأميركية فان العمل جار وبسرعة للتعاون مع وزارة الداخلية العراقية في وضع قانون يحدد أطر عمل وصلاحيات الشركات الأمنية الخاصة، المحلية والدولية. وتقول هذه المصادر أن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد وعد أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيين في رسالة خاصة بوضع هذا القانون قبل تسليم السلطة الى حكومة عراقية موقتة في بغداد في نهاية حزيران يونيو المقبل. وأضافت المصادر أن القانون سيلزم الشركات الأمنية الخاصة تسجيل نفسها للحصول على رخصة عمل في العراق والتقيد بشروط العمل والقوانين الجنائية العراقية وأن تفرض على عناصرها ارتداء زي موحد.