بدأت القصة عادية وكان يمكن أن تبقى كذلك لولا تدخل الأقدار وصلابة الارادة. في مطعم يوناني التقت صونيا ابنة الصناعي الايطالي بزميلها في كامبريدج وكان اسمه راجيف غاندي. لم تكن الصبية المغناج التي تتقن نصف دزينة من اللغات تطالب بأكثر من العيش الجميل: ثياب من بلادها وطعم المغامرة ومواكبة الموسيقى واستكشاف الشواطئ. ولم يكن الفتى كبير الأحلام وبدا كمن يحاول الهرب من قدره. يحلم ان يكون طياراً مدنياً محاولاً تناسي أنه ابن انديرا غاندي وأن اسم والدها جواهر لال نهرو. حين تزوجا في 1968 على رغم معارضة عائلتيهما كانا يحلمان بالعطلات والأسفار... والأولاد. وبدا ابتعاد راجيف عن وليمة السلطة منطقياً. فقد راهنت انديرا على شقيقه سانجاي ليكون خليفتها في رئاسة الحكومة وزعامة العائلة والبلاد. ففي 1980 تدخل القدر وتحطمت الطائرة التي كان يقودها سانجاي. ولم يبق أمام سيدة الهند غير ان تحبس دموعها وتنقل رهانها الى نجلها الثاني وهكذا كان. ولم يكن أمام صونيا غير مغادرة الأماكن الجميلة والثياب الجميلة لتغرق في غبار السياسة الهندية ويوميات أكبر ديموقراطية منصوبة كالخيمة فوق مئات ملايين الفقراء واللغات واللهجات والاثنيات والأديان والمذاهب. بعد أربعة أعوام من غياب سانجاي سيسدد القدر ضربة جديدة الى العائلة وسيقدم لراجيف فرصة أخرى مبقعة بالدم. اغتيلت انديرا ولم يعد أمام راجيف غير حمل الإرث بكل ما فيه من أضواء ومتاعب ومخاطر. وكان على صونيا زوجة رئيس الوزراء ان تطلّق الأزياء الايطالية الجميلة لترتدي الساري وأن تتقن لغة البلاد وفن مخاطبة الناس وانتزاع اعجاب الفقراء واحتضان أحلامهم. وقبل عام واحد من اغتيال انديرا كانت صونيا حصلت على جنسيتها الهندية. لا يغيب القدر إلا ليعود قاتلا. في 1991 اغتيل راجيف غاندي وانهمر الدم مجدداً على أيام العائلة التي لا تستطيع الاستقالة من مصيرها. وبعد سبعة أعوام من التيه لم يكن أمام حزب "المؤتمر" غير أن يسند زعامته الى السيدة الايطالية الوافدة مراهناً على رصيد الاسم السحري للعائلة لترميم صفوفه وشعبيته. وقبلت صونيا قدرها مجدداً فراحت تجوب البلاد التي قفزت الى قطار التكنولوجيا ولم تطلق أوهامها والتي ازداد اثرياؤها ثراء وفقراؤها فقرا. البارحة أكد المفتاح السحري قدرته. قالت صناديق الاقتراع كلمتها فانحنى آتال بيهار فاجبايي لارادة الناخبين والتفت حزب "المؤتمر" الى صونيا لتتقدم الى المكتب الذي احتله زوجها ووالدته وجده. لمعت الدموع في عيني السيدة التي لاعب القدر مصيرها ونجحت في امتحاناته. لم ترمم رصيد الحزب وحده. رممت رصيد العائلة ايضاً. ابنها راهول اكتسح الدائرة التي تعتبر المعقل التقليدي للعائلة مسفها الاشاعات التي قالت ان اقامته في هارفرد وكامبريدج واقامته مع صديقته الكولومبية الجميلة انسته جذوره. وثمة من يقول ان العائلة تحتفظ لمواجهة ضربات القدر بورقة ذهبية هي بريانكا شقيقة راوول التي تزعم هي الأخرى ان السياسة ليست بين أولوياتها وان طموحاتها تقيم في مكان آخر. انها قصة عائلة تختلط بقصة بلاد وتختلط بصناديق الاقتراع ومناورات السلطة ورياح العنف وطعنات القدر.