مزودة بالأوسكار "المفاجئ" الذي نالته قبل أسابيع عن دورها في فيلم "الوحش" من المؤكد ان الفنانة الجنوب افريقية شارليز تيرون ستكون محطّ الأنظار كلها على كورنيش مدينة "كان" في الجنوب الفرنسي، كما في الاحتفالات الصاخبة والعروض الرسمية. ذلك ان شارليز على رغم ظهورها في الساحة السينمائية الهوليوودية والعالمية منذ نحو عقد من السنين، لا تزال "طازجة" النجومية، ولا يزال كثر لا يعرفون عنها شيئاً، باستثناء انها تكاد تكون الأطول قامة بين ممثلات زمننا الراهن، والأغرب ابتسامة، وربما الأفضل أداء. ناهيك بكون تنوع أدوارها أعطاها ميزة خاصة. إذاً، مهرجان "كان" لهذا العام، سوف "يكتشف" شارليز، أو يمكّن جمهورها من اعادة اكتشافها... ومن المؤكد ان فأل هذا الجمهور لن يخيب... أضواء باكرة والحال ان شارليز عرفت الأضواء باكراً إذ منذ صغرها قدّر لها دخول عالم الفن بكل ضوضائه وصخبه. وبالفعل تلقت دروساً في رقص الباليه، هي التي حلمت كثيراً في ان تصبح واحدة من نجماته الكبيرات وسرعان ما اعتلت "البوديوم" وهي في الرابعة عشرة من عمرها لتقديم عروض أزياء لمصممين عالميين... غير ان القدر كان رسم لها مصيراً مختلفاً اذ اخذها معه من دون اي حساب الى هوليوود لتصبح اليوم واحدة من نجماتها اللواتي يحسب لهن ألف حساب. وخلافاً لمَ قد يظنه كثر، لم يكن جمال شارليز سلاحاً فتاكاً لانتزاعها الأدوار الرئيسية، انما على العكس، عانت شارليز الأمرين طوال عشر سنوات من الصراع والتخبط في دوامة عنوانها الأبرز: "جمال شارليز"... جمال أعاق مسيرتها الفنية مدة طويلة قبل ان تثأر أخيراً وتحصد جائزة الأوسكار التي انتظرتها طويلاً، مؤكدة بذلك أنها اليوم منافسة قوية في الساحة الفنية، منافسة تعمل بتروٍ لهدف واضح، هدف كانت أولى ثمراته النجاح الكبير الذي حققته في فيلم "الوحش". ولا تخفي صاحبة "شريك الشيطان" و"بيت عصير التفاح" و"الياردات" سيرة كفاحها المتواصل للوصول الى مبتغاها وتقول في عدد من اللقاءات الصحافية عن ذلك: "صحيح انني في حياتي لم أمثل دائماً في أفلام كبيرة، الا انني تعاملت مع كبار المخرجين أمثال روبرت ردفورد في "اسطورة باغر فانس"، كذلك كانت أول وقفة لي أمام الكاميرا الى جانب وودي آلن في فيلم "شهرة"... في هذا الفيلم تمكنت من السخرية من مهنة عرض الأزياء، هذه المهنة التي لم آخذها يوماً على محمل الجدّ. وتأثرت كثيراً عندما أرادني وودي آلن معه من جديد في فيلم "لعنة العنكبوت الأزرق"، اذ كان ذلك أشبه بوثيقة اعتراف بي كممثلة جديرة". ذكريات مرة ذكريات المراهقة لم تكن ذكريات عادية في نفس شارليز تيرون، اذ حمّلتها ألماً ومعاناة كبيرين خصوصاً لجهة ما تذكره عن والدها "السكير"، والمأساة التي حلّت في عائلتها مع قتل والدتها له أمام أنظارها، ولم تكن قد بلغت بعد الخامسة عشرة من عمرها، الأمر الذي دفع كثراً الى الاعتقاد أن نجاح شارليز في دور المومس المجرمة في فيلمها الأخير، الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة، يعود في الدرجة الأولى الى استعادتها تلك اللحظات المرة. وعلى رغم رفض شارليز هذا القول فإنها لم تنكر في المقابل الأثر الذي خلفته تلك الحادثة في نفسها وتقول في مقابلة لها: "بداية لا أحب كشف اوراق الممثل على الطاولة إذ ينزع عنه ذلك شيئاً من سحره. وأقول: في الحقيقة أنا لم أختر هذا السيناريو لموضوعه انما لثقتي بالمخرجة باتي جينكيز، إذ للمرة الأولى لم أكن بحاجة لطرق باب أحد للحصول على الدور انما بكل بساطة جاءني العرض الى منزلي حين طلبت مني باتي المشاركة معها في الفيلم لا سيما انها وجدت فيّ القدرة على تجسيد هذه الشخصية أفضل ما يكون. ولا أنكر انني عرضت السيناريو قبل البدء بالعمل على والدتي الا ان قبولنا به لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمأساة الشخصية او الدراما التي عشناها منذ زمن". ومع هذا لا تخشى شارليز من التطرق الى هذا الموضوع على رغم حساسيته والألم الذي ولّده عندها، وتقول عن والديها: "والدي كان فرنسياً نشيطاً غير ان حالة السكر التي كانت تصيبه كانت تفقده وعيه وتمنعه من التصرف بشكل جيد، وهنا يبدأ العراك بينه وبين والدتي، تلك المرأة الصلبة ذات الأصول الألمانية... لقد كنت دوماً ابنة أمي، وشعرت دوماً بضرورة حمايتها، من جهة ثانية لا يمكن ذكر قصة حياتي من دون التطرق الى والدتي فهي التي رعتني في طفولتي واهتمت بي. إذ بعد المأساة سجلتني في إحدى مسابقات عرض الأزياء ونجحت فيها، ثم ما لبثت ان انتقلت الى أوروبا وبعدها الى نيويورك... حيث تعلمت ان أقاوم كما يجب. في نيويورك أردت ان أتعلم الرقص الكلاسيكي الا ان جرحاً في قدمي حال دون ذلك. في الثالثة عشرة حاولت ان أدخل السينما ولم أنجح ولا أنكر هنا حال اليأس والغضب التي انتابتني حينها الى ان اقنعتني والدتي بالذهاب الى لوس انجليس". وفي لوس انجليس لم تفتح الأبواب لشارليز كفاية، إذ أخذ عليها "شكلها المنظم أكثر مما يجب" كما راحوا يسخرون من لكنتها الجنوب أفريقية الى ان "وقعت أنظار أحد الوكلاء الفنيين عليّ وكان ما كان"... وهكذا بعد كل تلك السنوات من التنقل والكفاح، تعيش شارليز تيرون اليوم في هوليوود بسعادة قصوى، وهي بعد نجاحها الأخير تقول: "انتهيت لتوي من تحقيق فيلم جعلني فخورة ومعتزة بنفسي، فماذا أطلب أكثر؟". شارليز تيرون بعد فوزها بالأوسكار عادت الى مسقط رأسها جنوب افريقيا حيث أقيمت لها احتفالات كبيرة وقيّض لها أيضاً ان تلتقي الزعيم نلسون مانديلا الذي تعتبره مثالها الأعلى، والذي هنأها على كونها "وضعت بلادها على خارطة العالم الفنية"، فبكت، إذ سمعت منه هذا الكلام. وهي تحضر اليوم أعمالاً جديدة أبرزها "رأس في الغيوم". والمعروف ان شارليز خارج اطار اعجاب مانديلا بها، تحظى اليوم بإعجاب جمهور جنوب افريقيا لا بل تحظى أيضاً بإجماع هواة السينما، التي عبّرت عنه عشرات الرسائل والمقالات التي اذ يسأل بعضها لماذا نحب شارليز؟ تأتي الاجابة سريعاً: السبب حضور شارليز الطبيعي وشكلها المثير الذي يختصر بكلمتين: الرقي والإثارة.