"إلسعوا أول من ترونه، واستمدوا حياتكم من موته"422 ق.م ارسوطفان"الزنابير" بهذه العبارة المعبرة من كتاب"الزنابير"الذي يعتبر المرجع الروحي لتجربة بقاء المستعمرات الانغلوساكسونية وتوسيعها في بلاد"الهنود الحمر"الاميركية يبدأ الكاتب السوري منير العكش تدوين ما سمّاه ب"شهادته"حول حروب الابادة التي تعرضت لها الشعوب الهندية المتعددة والتي زاد تعدادها على ال112 مليون نسمة ولم يبق منها حسب تعداد العام 1900 سوى ربع مليون! "انهم يفعلون ما يحلو لهم، يستعبدون كل من ليس من لونهم. يريدون ان يجعلوا منا عبيداً، وحين لا يتحقق لهم ذلك يقتلوننا. إياك ان تثق بكلماتهم او وعودهم. انها احابيل، صدّقني، فأنا اعرف سكاكينهم الطويلة جيداً". 1787 يا شغنتاكيلياس، زعيم هنود دولاوير. ويضيف منير العكش في شهادته:"في كتابه عن نظريات الاستعمار الانكليزية، يعتقد كلاوس كنور ان الانكليز اكثر القوى الاستعمارية الاوروبية ممارسة وتعمداً للإبادة، وان هدفهم النهائي في العالم الجديد كما في استراليا ونيوزيلاندا وكثير من المناطق التي يحتاجونها هو افراغ الارض من اهلها وتملكها ووضع اليد على قدراتها". ثم يعلّق قائلاً:"ولم ينج من هذا التصنيف البيولوجي اقرب الناس اليهم، وجيرانهم في الجزيرة وشركاؤهم في البياض والنضارة حيث قالوا عن الايرلنديين:"انهم يعبدون الشيطان وانهم اجلاف، عراة، احلاس الغابات والمستنقعات، يعيشون على نوع من الاعشاب ويأكلون في المناسبات الخاصة من لحم البشر او من لحم امهاتهم اللواتي كانت لهن اذناب طويلة وكن متوحشات يأكلن اطفالهن". كما يرد في ادبيات الانكليز المشهورة ب"الراقية"! ثم يعلّق منير العكش في كتابه الشهادة:"والواقع ان التجربة الانكليزية مع المتوحشين الايرلنديين تكررت مع كل الشعوب التي اجتاحهوها بدءاً بالهنود والعرب وانتهاء باليابانيين والفيتناميين. ان قراءة تاريخ الاجتياح الانكليزي لايرلندا على وضع معجم سيمفوني لطبقات الوحشية"التي واجهها الانكليز في حملاتهم المختلفة لنشر الحضارة!!". ثم يضيف منير العكش في كتابه"الشهادة"الذي جمع مادته من مخطوطات ومقالات، وتقارير محفوظة في الكونغرس وبين ثنايا ما تبقى من ادبيات الحركة الهندية الحمراء، فينقل عن لسان اوليفر هولمز في العام 1885 وهو من اشهر الاطباء الذين رافقوا حملات الابادة المنظمة التي اسست للولايات المتحدة الاميركية الراهنة، وهو يقول:"ان ابادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الابيض. وان اصطيادهم كاصطياد الوحوش في الغابات مهمة اخلاقية لازمة لكي يبقى الانسان فعلاً على صورة الله". وهكذا بدأت دعوات الابادة الشاملة تعلو وتزداد حدة وجنوناً كلما تأكد الانكليز بأن الهنود قد يرحبون بهم ضيوفاً ويكرمونهم بما يكفيهم من الارض والرزق، لكنهم لن يتنازلوا طوعاً عن اراضيهم. وكانت كل بادرة لمقاومة الجشع والتعصب الانكليزي"المقدس"برهاناً اضافياً على صدق اسطورة اميركا وصدق الدعوى بأن الهنود"متوحشون عدوانيون"لا تنفع معهم الا"الابادة. قبل مذبحة وونددني الشهيرة بأم كتب فرانك باوم في صحيفته The Aberdeen Saturday Pioneer يدعو الى الابادة الشاملة لمن تبقى من الهنود:"ان اصحاب البشرة الحمراء قد أبيدوا ولم يبق منهم الا مجموعة صغيرة من كلاب هجينة تعض اليد ولا تتوقف عن النباح. اما البيض فإنهم بحكم الغلبة وبقضاء الحضارة اسياد القارة الاميركية. وان افضل امن لمستوطنات الثغور يجب ان يتحقق بالابادة الكاملة لهذه البقية الباقية من الهنود... ان موت هؤلاء الاشقياء خير لهم من الحياة"! وبالفعل فقد تعقبوا من بقي حياً من تلك المذبحة. وقد كتب شاهد عيان نصف هندي هو شارل اليستمن يقول:"تتلاصق في صفوف او تتراكم فوق بعضها في اكوام على امتداد الطريق...". ويضيف عالم الانسانيات جيمس موني:"تحت ركام الثلج كانت هناك نساء على قيد الحياة لكنهم تركوهن للموت البطيء. وكذلك كان حال الاطفال الرضّع المقمطين... وتحت علم الهدنة اعلن الجنود انهم يضمنون سلامة الجرحى او من بقي على قيد الحياة اذا ظهر وخرج بعض الاطفال من مخابئهم لكن الجنود سرعان ما احاطوا بهم وذبحوهم. لقد كان واضحاً ان هناك تعمداً في قتل الاطفال والنساء لجعل مستقبل الهنود مستحيلاً". في اليوم الرابع للمذبحة كتب باوم مزهواً:"لقد فعلنا حسناً. ويجب علينا ان نتابع المسيرة لحماية حضارتنا... ان علينا ان نقطع دابر هذه المخلوقات الوحشية ونمحو ذكرهم من على وجه الارض". ثم يضيف الكاتب السوري منير العكش في شهادته الوثائقية فيقول:"مع تأسيس الجيش الاميركي اصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتياً رسمياً. حصل هذا عند استعراض الجنود امام وليام هاريسون بعد انتصار 1811 الشهير على الهنود. وفي 27 آذار مارس 1814 كما يروي دايفيد ستانارد احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره على هنود الكريك، وتولى جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الاطفال والنساء والرجال، فقطعوا انوفهم لاحصاء عددهم وسلخوا جلدهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول". ويضيف منير العكش ايضاً:"بعد مذبحة ساندكريك التي ذهب ضحيتها اكثر من 800 هندي اعزل اضطر الكونغرس الى اجراء تحقيق في الفظاعات التي ارتكبها الجنود وقائدهم جون شيفنغنتون. ويعتبر شيفنغنتون اليوم من اعظم ابطال التاريخ الاميركي وهناك الآن اكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكره ولشعاره الشهير:"اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم. لا تتركوا صغيراً ولا كبيراً. فالقمل لا يفقص الا من بيوض القمل". انها قائمة لا تنتهي من قصص حروب الابادة الشاملة التي يرويها الكاتب السوري منير العكش الذي عاش نحو ثلاثة عقود في اميركا، وهو يجمع شهادات تلك الحروب الوحشية نضعها برسم الباحثين عن"مرجعية"ممارسات سجن ابو غريب السادية المتوحشة ليحكموا هم بأنفسهم، هل هي ممارسات فردية معزولة حقاً؟ ام هي جزء من"ثقافة"، حق التضحية بالآخر، وقدرية التوسع اللانهائي والدور الخلاصي للعالم، وعقيدة الاختيار الالهي والتفوق العرقي والثقافي، والمعنى الاسرائيلي لاميركا، باعتبارها الثوابت التي وافقت قيام الولاياتالمتحدة الاميركية واسرائيل معاً كما يقول الكاتب منير العكش في شهادته المثيرة والخطيرة والتي صدرت في كتاب:"اميركا والابادات الجماعية"عن دار رياض الريس. وفي الختام لا يسعنا الا ان نزف تعازينا الى سجناء زنزانات معتقل ابو غريب ونذكّر بقايا المنبهرين من مثقفينا بأمجاد المدنية الغربية وجيش"التحرير"الاميركي للشرق الاوسط الكبير ببعض الاقوال الخطيرة لقيادات"المحررين"لعلها تنفعهم في طلب الاستغفار من شعوبهم: 1-"ان قدر اميركا الابدي هو الغزو والتوسع. انها مثل عصا هارون التي صارت افعى وابتلعت كل الحبال. هكذا ستغزو اميركا الاراضي وتضمها اليها ارضاً بعد ارض. ذلك هو قدرها المتجلي ..."السناتور هارت نبتوت في خطاب امام مجلس الشيوخ 1846. 2-"ما لم يتم تدمير امبراطورية السارزن المسلمين فلن يتمجد الرب بعودة اليهود الى وطن آبائهم واجدادهم"! جورج بوش: في كتابه عن"حياة محمد"1831. 3-"ان الله اصطفى الامة الاميركية من بين كل الامم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها شعبه المختار، وذلك من اجل قيادة العالم وتخليصه من شروره"السناتور البرت بينفردج 1900. * كاتب متخصص في الشؤون الايرانية