مساء اليوم، تحل اللحظة التي ينتظرها كثر من أهل السينما منذ شهور: لحظة افتتاح الدورة السابعة والخمسين لمهرجان "كان" السينمائي الذي يعقد مرة في ربيع كل عام في هذه المدينة الفرنسية المطلة على المتوسط، الهادئة عادة والصاخبة في مناسبة المهرجان. والصخب هنا يحققه نحو 25 ألفاً من أهل المهنة والصحافيين والهواة، يتدفقون على المدينة ليقضوا فيها أيام المهرجان في عرس اعتاد ان يكون سينمائياً حقيقياً. ونقول "اعتاد"، لأن ثمة، منذ فترة، تغييرات تطاول جوهر المهرجان، إذ يزداد انغماساً في السياسة وفي قضايا العالم وهمومه الكبرى، عاماً بعد عام. ناهيك عن بعض الهموم الاجتماعية الفرنسية التي تجازف، هذه المرة، بأن تلقي بظلها عليه. ويأمل أهل المهرجان بألا يكون الظل ثقيلاً. ذلك أن ثمة خوفاً بدأ يلوح من ان ينفذ الفنانون النقابيون الفرنسيون تهديداتهم فيفسدون المهرجان، وربما يحكمون على دورته بالإعدام. صحيح ان ثمة وعوداً اعلنت بأن "هذا" لن يحصل... ولكن من يدري؟ إذا سار كل شيء على ما يرام ستحيي السينما عيدها السنوي ويرتقي النجوم الكبار ومعهم السينمائيون الكبار، تلك الدرجات ذات البساط الاحمر الشهير... وتأتي الازياء مبهرة للعيون والابتسامات حاضنة للكاميرات. ومن المؤكد ان نجم الليلة سيكون المخرج الاسباني بيدرو المودوفار الذي يعود الى حظيرة "كان" بعد حرد طال بعض الوقت لخيبة ألمت به اذ لم يفز فيلمه قبل السابق "كل شيء عن أمي" بجائزة كان يتوقعها فاز بغيرها على أي حال. وعودة المودوفار ستكون مثيرة للسجال طالما انه آثر هذه المرة ان يكون فيلمه "التربية السيئة" بياناً ضد صرامة التربية الكاثوليكية أيام فرانكو. والفيلم سبق ان أثار عواصف منذ بدء عرضه في اسبانيا... تماماً كما ان مخرجه زاد الطين بلة حين هزأ بحزب أثنار ووقف مؤيداً الاشتراكيين، مؤكداً ان فوزهم كاد يتسبب في انقلاب عسكري أرادت ان تقوم به القوى المؤيدة للحرب على العراق والمناصرة ل"مجرمي الحرب" بوش وبلير. من المؤكد ان المودوفار لن يمر، الليلة، على هذا الموضوع مرور الكرام... مما يعطي الضوء الاخضر لسجالات قد تعم أيام المهرجان كلها، تتناول حرب العراق وسياسة الرئيس بوش والممارسات السياسية الاميركية التي ستدفع بأصوات أخرى إلى الانضمام إلى المودوفار. ولن يكون أقلها صوت الاميركي المشاكس مايكل مور الذي يدنو من الخطوط الحمر في فيلمه الجديد "فهرنهايت 11/9" المشارك في المسابقة الرسمية. علماً ان "ماضي" السياسة الاميركية سيطرح أيضاً من خلال افلام يتناول بعضها مذكرات غيفارا، وبعضها الآخر سقوط الليندي في التشيلي 1973 عبر انقلاب رتبته وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. ولن يكون هذا كل شيء، اذ هناك بضع "حرائق" سينمائية اخرى شاهين يبدي في "الغضب" خيبته من حلمه الاميركي، ويسري نصرالله يستعيد في "باب الشمس" المأساة الفلسطينية، وربما سيأتي احد الافلام الصينية ليفضح ممارسات بوليسية في الصين المطمئنة.... وربما ستكون، ايضاً، من بين هذه الحرائق، مناسبات أخرى تثير السجال والقلق وما شابه. غير ان المؤكد ان هذا كله لن يكون مطروحاً الليلة، اذ على رغم المودوفار ورفاقه المشاكسين، من المتوقع ان تكون ليلة الافتتاح عابقة بالجمال وبالحكي السينمائي الطيب، خصوصاً ان اهل المهرجان واثقون من انهم يقدمون في هذه الدورة، بعض افضل ما في الانتاج العالمي، معيدين للمهرجان رونقاً كان فقده العام الماضي. بل ان الاميركيين ايضاً، حاضرون بأفلام ضخمة "طروادة" عن الحروب القديمة والذي سيفاجئ باستعراضيته ونجومه، و"تريك" فيلم الرسوم المتحركة، وغيرها. العروض تبدأ منذ الليلة، في افتتاح نعرف انه لا يخص مهرجان "كان" وحده، بل عالم السينما خلال الشهور ال12 المقبلة. ولعل ما من شأنه ان يعزينا نحن العرب، الذين تنهار سينماتنا، عاماً بعد عام، ان ثمة "خمسة" من عندنا هذا العام: تحفة شاهين الجديدة، وفيلم يسري نصرالله 4 ساعات ونصف له وحده وفيلم عن الحرب اللبنانية لدانييل عربيد لبنانية تعرض فيلمها باسم فرنسا وبلجيكا وفيلم من المغرب لمحمد أصيل، وآخر من فلسطين... كل هذا مفرح، لكن فرح الافتتاح الليلة سيكون لكبار النجوم ولبيدرو المودوفار الذي يكشف لنا الكثير من اسرار حياته وأسراره العائلية في فيلم يجمع الذين رأوه على انه رائع.