ليس فرنسياً تماماً، لكنه يكاد يكون كذلك. فالافتتاح فرنسي، في الإنتاج والنوعية، والفيلم: "فان فان الزئبقة" هو فيلم السيف والترس الذي يعلن الليلة انطلاق الدورة ال 56 لمهرجان "كان" السينمائي. شريط جديد، لكنه في الحقيقة اعادة انتاج لواحد من افلام تراث السينما الفرنسية. فهل اكثر من هذا دلالة الى السمة العامة التي تطبع دورة هذا العام، الدورة التي لم يقاطعها الأميركيون تماماً لأسباب سياسية طبعاً لكنهم لا يبدون متلهفين لحضورها؟ ورئيس لجنة التحكيم فرنسي "خالص"، هو باتريس شيرو، المخرج السينمائي والمسرحي، الذي كان قدم "الملكة مارغو" في دورة سابقة للمهرجان، وشارك قبلها في دورة اسبق، لكن كممثل لدور نابوليون في فيلم "وداعاً بونابرت" ليوسف شاهين. إلى شيرو، في لجنة التحكيم ممثلان فرنسيان ايضاً: المخضرم جان روشفور والحسناء كارين فيو. فهل في هذا ضمان لأن تفوز فرنسا بالسعفة الذهبية، بعدما غابت عن هذا الفوز اكثر من ستة عشر عاماً؟ لا شيء مضموناً، فإذا كانت الصحافة الفرنسية زادت من حدة الشكوى من "الظلم" المحيق بفرنسا، في مهرجان فرنسي، هو امّ المهرجانات في العالم، وإذا كانت نسبة المشاركة الفرنسية في افلام المسابقة الرسمية نحو ربع عدد الأفلام زادت عما سبق، فهذا لا يعني ان المحكّمين سيسايرون اوضاع فرنسا التي تعاني ما تعاني من مركبات نقص سينمائية تجاه الأميركيين. ومهما يكن من الأمر، فإن النجومية، منذ الآن، تكاد تفلت من الفرنسيين، لأنها موزعة بين الأسترالية نيكول كيدمان، والإسبانية بنيلوبي كروز، والدنماركي لارس فون تراير، والأميركي المخضرم كلينت ايستوود، الذي يأتي في صحبة ممثلين اميركيين "منشقين" اي ليبراليين مناوئين لجورج بوش وحربه هما شين بن وتيم روبنز بطلا فيلمه الجديد المشارك في المسابقة "النهر الغامض" او "مستيك ريفر" باعتبار ان "مستيك" هو اسم لنهر اميركي حقيقي. سيكون على ايستوود ان ينافس، للفوز بالسعفة، افلاماً كثيرة مرجحة، ومنها "دوغفيل" للارس فون تراير، الذي يبدو، منذ الآن، الأكثر إثارة للاهتمام، إذ سبق ان حقق مخرجه نجاحات عدة في دورات سابقة، كما ان بطلته الفاتنة نيكول كيدمان، تحضر هذه المرة في منافسة صريحة مع "ضرّتها" السابقة بنيلوبي كروز بطلة فيلم الافتتاح. كالعادة، يحضر أهل "كان" من جديد، سينمائيين ومنتجين ونجوماً. وكالعادة ينطلق المهرجان ببطء ليقوى في اسبوعه الثاني. وكالعادة تبدأ التخمينات منذ صبيحة اليوم التالي للافتتاح. اما هذه الليلة فمؤكد ان بنيلوبي ستخطف الانتباه ولو لليلة واحدة، بعد ذلك سيتفرغ الجميع لنيكول وربما لميغ رايان وغيرهن، من دون ان يفوتهم توقع كل ما هو ممكن وجديد من مونيكا بيلوتشي بطلة "ماتريكس 2". اما الناس الأكثر جدية فسيكون في وسعهم ان ينكبوا على اكتشافات جديدة، من ايران، من افغانستان، من تركيا، ولكن ليس تماماً من العالم العربي. فإذا استثنينا المغرب الحاضر عبر فيلمين شابين في تظاهرات ثانوية هما في اي حال من انتاج فرنسي يغيب العرب تماماً عن مهرجان حضروه بقوة 6 افلام في العام الفائت. فهل من يتنبه حقاً الى هذا الغياب؟ مهما يكن، إذا كانت السينما العربية غائبة، فإن المنطقة ستحضر ولو من خلال السجالات الحادة التي ستستعر والجرح العراقي لم يندمل بعد، وفرنسا تريد بأي ثمن ان تنسي الأميركيين موقفاً اتخذته خلال الحرب، وربما تبدو اليوم نادمة عليه... إذ يشعر اهل "كان" ان هذا الموقف مسؤول الى حد كبير عن شبه الغياب الأميركي، وربما غير الأميركي ايضاً.