في اليوم الوطني كانت هناك ذكريات وومضات جميلة على جميع الأصعدة، فمن الناحية الإعلامية كان إنتاج وبث الفيلم الوثائقي «الملك عبدالعزيز والقوى العظمى»، الذي بثته قناة «العربية»، كان نقطة مهمة للشخصية التي يصورها الفيلم، وهي شخصية الملك عبدالعزيز الداهية السياسي، الذي استطاع أن يوحد هذه البلاد في ظروف سياسية حساسة عربياً ودولياً، وقدم الفيلم الملك عبدالعزيز وأبرز حكمته، رحمه الله، بأن نأى ببلاده عن الانضمام إلى أحد المحاور عندما قامت الحرب العالمية الثانية، وعندما انضم للحلفاء كان اختياره للوقت فيه رؤية وحكمة عظيمة. الفيلم قدم تلك المرحلة الحرجة في تكوين الدولة السعودية الثالثة بشكل دقيق ومشوق من خلال الصور الحية للملك عبدالعزيز، والكلمات التي ألقاها في مناسبات عدة، إضافة إلى الشخصيات التي اجتمع فيها، وكان لها تأثير مهم على المملكة في ما بعد، فلقاؤه مع الرئيس الأميركي روزفلت على ظهر السفينة الأميركية «كوينسي» في منطقة البحيرات المرة، ومن ثم اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، كانت مقاطع مؤثره في الفيلم، ونحن نشاهد الملك عبدالعزيز يستعرض حرس الشرف على ظهر السفينة الأميركية، ومعه وفد كبير من بعض أبنائه ومستشاريه وخدمه الذين احضروا معهم الخراف ونحروها للترحيب بضيفهم الأميركي الكبير، الذي كسب وده وقربه ووده الملك عبدالعزيز وقام بالضغط عليه بشأن القضية الفلسطينية التي وعده روزفلت بحلها إلا أن موته المفاجئ ومجيء الرئيس الأميركي ترومان غيّر إبعاد المعادلة. إنتاج هذا الفيلم وبهذا المستوى الفني الرفيع قد أسس لصناعة الفيلم الوثائقي لدينا، الذي كنا لعقود من الزمن نشاهد تاريخنا بجميع صوره وأشكاله منتجاً وثائقياً من شركات ومؤسسات إعلامية وثقافية غربية، وهذا لا يعني عدم الموضوعية من تلك المؤسسات ولكن مهما يكن فإن المؤسسات الإعلامية الوطنية لدينا مثل هذه المؤسسة التي أنتجت لنا هذا الفيلم الجميل سوف يكون لديها المعرفة والوصول إلى المعلومة أكثر من مثيلاتها الأجنبية، إضافة إلى أن إنتاج هذا الفيلم له انعكاسات في تأسيس قدرات وطنية في صناعة الفيلم الوثائقي. مع الأسف الشديد، فإن إنتاج الأفلام الوثائقية عن تاريخنا ومورثونا الحضاري بجميع أشكاله تأخر كثيراً، وقد يكون للتكلفة العالية دور في ذلك، ولكن باعتقادك أن هناك أجهزة حكومية يقع عليه مسؤولية تاريخية في إهمال هذه الصناعة، ويأتي على رأس تلك الأجهزة وزارة الثقافة والإعلام، التي - مع الأسف - نجد أن أجهزتها الإعلامية من قنوات تلفزيونية تبث البرامج الوثائقية عن كل شيء حولنا من غابات الآمازون، وأسرار غابات إفريقيا، ومقاطع من الحروب الكونية، إلا أن برامجها الوثائقية الجادة تخلو مما له علاقة بتاريخنا، وإن وجد مثل هذا الطرح فإنه يكون بشكل متواضع وبسيط، وهذا لا يعني أن وزارة الثقافة والإعلام هي التي يجب أن تقع عليها المسؤولية في هذا التقصير، بل إن هناك الكثير من الجهات الرسمية ذات العلاقة تتحمل معها هذا الضعف في الإنتاج، مثل دارة الملك عبدالعزيز، وكذلك الجامعات السعودية. أتمنى أن يستفاد من فيلم «الملك عبدالعزيز والقوى العظمى» في التعريف بتاريخ بلادنا، خصوصاً في مدارسنا وجامعتنا، وأن يتم انتاج أجزاء أخرى من هذه الملحمة الوطنية التاريخية من شركات ومؤسسات الإنتاج التلفزيوني السعودية، وألا نترك تاريخنا في أيدي الآخرين، وأن نعمل على الاستفادة من الأرشيفات العالمية التي يوجد بها جزء من تاريخنا العربي والمحلي، ومن الأمنيات التي ليست بصعبة المنال أن نشاهد مؤسسة إعلامية وطنية سعودية تُعنى بصناعة الفيلم الوثائقي بالشكل الدرامي رفيع المستوى، كما شاهدناه في فيلم «الملك عبدالعزيز والقوى العظمى»، على طريقة «بي بي سي»، أو «ناشيونال جرافيك»، فنحن لدينا المادة والقدرات البشرية، فقط نريد الفرصة للانطلاق والابتعاد عن البيروقراطية الحكومية التي لا تزال تسأل عن ترخيص التصوير الفوتوغرافي لهواة التصوير في الداخل. [email protected] twitter | @akalalakl