اعاد اغتيال الرئيس الشيشاني الموالي لموسكو احمد قادروف خلط اوراق ملف التسوية في الشيشان، وفتح الباب على تساؤلات عدة، خصوصاً بعد تزايد الاشارات الى تنامي الصراعات الداخلية في الجبهة الموالية لموسكو وتعزيز نظريات جهات روسية تدعو الى فرض سيطرة عسكرية مباشرة على الجمهورية الانفصالية. شيعت الشيشان أمس رئيسها أحمد قادروف في ظل تدابير امنية مشددة. وحضر مراسم الدفن في قرية تسينتوروي جنوب شرقي الجمهورية، الرئيس الشيشاني بالوكالة سيرغي ابراموف ووزير الداخلية الشيشاني علو الخانوف الذي اصيب بجروح طفيفة في عملية التفجير، الى جانب نجلي الراحل رمضان وسليم خان. وكان قادروف لقي مصرعه في انفجار عبوة ناسفة تحت منصة اعدت لحضور عرض عسكري لمناسبة عيد النصر الروسي على النازية اول من امس. وأسفر الحادث عن مقتل واصابة عشرات آخرين بينهم قائد القوات الروسية في الشيشان فاليري بارانوف الذي اصيب بجروح خطرة استدعت بتر ساقه. وشكلت العملية ضربة لمحاولات موسكو فرض تسوية للصراع في الشيشان تتجاهل مطالب الانفصاليين، وذلك بعدما تمكنت من اقرار دستور جديد للجمهورية القوقازية العام الماضي، ينص على انها جزء لا يتجزأ من روسيا الاتحادية، ثم سارت خطوة اخرى بعدما وضع الكرملين كل ثقله وراء قادروف في انتخابات رئاسية اثارت جدلاً كبيراً في حينه وأسفرت عن فوز ساحق له. واكدت العملية قدرة المتطرفين على تنفيذ وعيدهم بتوجيه "ضربات موجعة في اي زمان ومكان"، وهو الامر الذي كانت موسكو سخرت منه، مؤكدة ان المقاومة فقدت قدرتها على التأثير في مجرى الاحداث في الشيشان. كما اعتبرت اختراقاً امنياً يعكس فشل الحكومة الشيشانية في ترسيخ سلطتها وهيبتها وحماية نفسها، بحسب تعليق احد البرلمانيين الروس. وكانت اشارات وردت اخيراً الى احتمال توصل قادروف الى صيغة لاستسلام الزعيم الشيشاني اصلان مسخادوف، التطور الذي كان سيشكل نقطة انعطاف اساسية في مجرى الصراع، الامر الذي دفع الى اتهام الاجنحة الشيشانية الاشد تطرفاً على رأسها شامل باسايف بالوقوف وراء عملية الاغتيال. وفي روسيا، اعتبر خبراء سألتهم "الحياة" عن آرائهم، ان الحادث سيفرض واقعاً جديداً على موسكو، خصوصاً ان قادروف كان يحظى بثقة الكرملين الذي منحه صلاحيات لم يسبق ان منحت لزعيم شيشاني. وتبدو التعقيدات التي يواجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شديدة، اذ ان قادروف المكروه شعبياً في الشيشان كان جمع حوله ميليشيات مسلحة يفوق تعدادها ال15 ألف شخص. ويخشى الكرملين من انفراط عقد تلك الميليشيات التي كان يشرف عليها مباشرة رمضان قادروف نجل الرئيس الراحل. وتبدو الاجابة على سؤال عن هوية الخليفة المحتمل لقادروف صعبة بالنسبة الى الكرملين في ظل تنامي الخلافات داخل المعسكر الموالي لموسكو التي يبدو انها ستضطر الى اعادة ترتيب تحالفاتها قبل حلول موعد انتخابات رئاسية جديدة في الجمهورية القوقازية قد تجرى في ايلول سبتمبر المقبل. وفي الوقت نفسه، تزايدت دعوات سياسيين وعسكريين روس الى فرض حكم عسكري مباشر في الشيشان. ويبرر كثيرون هذا الرأي بالحديث عن فشل صيغة السلطة الشيشانية المتعاونة. وينذر هذا التطور بوضع نهاية للجهود العسكرية السياسية واعادة الامور الى نقطة الصفر، خصوصاً ان عملية الاغتيال وفرت مبررات كافية للقيام بحملة عسكرية واسعة النطاق بدأ التلميح للاعداد لها في موسكو. ويرى عسكريون روس ان الهدف الاساسي للحملة سيتركز على ملاحقة عملاء المقاومة الشيشانية المندسين في هياكل السلطة الموالية لموسكو. وكان تمكن القائمين على الاغتيال من الوصول الى المنصة الرئاسية لفت الانظار الى الاختراق الكبير الذي تعرضت له اجهزة قادروف خلال الفترة الماضية، ويفتح هذا على اعادة النظر في تركيب الاجهزة الشيشانية التي كان يفترض بحسب خطط الكرملين ان تتولى ادارة الشيشان بعد انسحاب الجزء الاكبر من القوات الروسية نهاية العام الجاري. ولم يستبعد برلماني روسي تحدث الى "الحياة" ان تجبر عملية الاغتيال الرئيس بوتين على وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع الملف الشيشاني، خصوصاً ان مقتل قادروف شكل تحدياً مباشراً لبوتين الذي كان منذ توليه السلطة صاحب خطة التسوية السياسية التي انفجرت مع انفجار العبوة الناسفة في غروزني اول من امس.