"دموي"... "سماوي"... "صليب"... "أبو الحاجب"... تلك هي كلمات السر أو الأسماء المستعارة التي يتداولها مدمنو العقاقير المخدرة، للاشارة الى حبوب الارتين والباركيزول والفاليوم، وغيرها من المهدئات التي انتشر استعمالها على نطاق واسع في العراق، خصوصاً بين اوساط الشباب. وسجلت زيادة في حالات الادمان في الأونة الاخيرة، لكنها زيادة طفيفة بحسب إحصاءات مستشفى إبن رشد المتخصص في الأمراض النفسية والعصبية في بغداد. ويقول مدير المستشفى، د.هاشم زيني، إن المستشفى يعد "المركز الرئيس والوحيد في العراق الذي يستقبل المرضى والمصدر الوحيد لتزويدهم الأدوية المهدئة. ولكن بعد انتهاء الحرب، أدى استشراء الفوضى ومعها أعمال السرقة وتدهور الوضع الأمني إلى جعل قدوم المرضى من المحافظات الأخرى إلى بغداد مسألة صعبة، لذلك لاحظنا قلة المراجعين إلى المستشفى". وبرر تراجع اقبال المرضى بتوافر الأدوية التي يريدونها في السوق السوداء والصيدليات الخارجية التي تزودهم العقاقير من دون وصفة طبية. ويعتقد الدكتور زيني أن إحصاءات المستشفى لا تعكس في صورة صحيحة الحالة الصحية الحقيقية لوضع المدمنين ومدى تناولهم للعقاقير المهدئة، وأن "من الصعوبة معرفة العدد الحقيقي لهم لأن كثيرين منهم إكتفوا بالحصول على المهدئات من خارج المستشفى". ويقول الدكتور شعلان جودة العبودي، المتخصص في الطب النفسي في مستشفى بغداد التعليمي إنه "من الطبيعي أن يزداد عدد متناولي العقاقير المهدئة والمخدرة بسبب الظروف التي تلت الحرب، ففقدان الأمن وشعور الناس بعدم الأمان على حياتهم وحياة عائلاتهم، وانتشار البطالة وفقدان المصدر الثابت للرزق والحياة الهانئة تحولت جميعها إلى ضغوط نفسية شديدة يعاني منها المواطنون في شكل يومي ومستمر". ويضيف: "تلك الظروف أدت إلى ظهور حالات اضطرابات نفسية كثيرة أهمها القلق والخوف الشديد والهلع، والصداع العصبي التوتري. وتصاحب بعض الحالات أعراض جسمانية كالخفقان والرجفة وهيجان القولون والتعرق الشديد مما يدفع الإنسان إلى الوسواس والشك بأنه مصاب بمرض خطير أو أحد أمراض القلب لذا يلجأ إلى تناول المهدئات". ويلفت إن "التعاطي مع هذه الظواهر العصبية يعتمد على درجة وعي الشخص، فالبعض يتناول المهدئات في صورة كيفية ويزيد من عدد الاقراص التي يتناولها ليشعر بالراحة الأكبر ويتحول بعدها إلى مدمن لا يستطيع التخلص منها. أما الإنسان الواعي فيبدأ في مراجعة الطبيب المختص للعلاج". ويعتقد الدكتور شعلان أن المرأة تتناول المهدئات أكثر من الرجل بسبب معاناتها المضاعفة، "فهي تخاف وتقلق على الأب أو الأخ أو الزوج أو الأبن بسبب الظروف السائدة. إضافة إلى تكوينها الخاص كأنثى مما يجعلها تعاني وتقلق بدرجة أكبر من الرجل". ويشير إلى حالة أخرى من حالات الإدمان بين الشابات وهي تناول أقراص الدكسون التي تمنح السمنة للوجه وعند تركها يعود الوجه إلى وضعه النحيف فتعاود الفتاة تناول القرص ولا تستطيع تركه. ويعيد ازدياد حالات الإدمان إلى سوء استخدام الدواء والإفراط به، مشيراً إلى أن بعض العقاقير يوصف لأمراض أخرى غير الأمراض النفسية، لكن عندما يتناولها شخص ما ويشعر بالارتياح جراءها يصفها لشخص آخر، وهكذا دواليك. وينبه إلى خطورة توافر الدواء في البيت والشارع والصيدليات، مما يسهل الحصول عليه من دون ضوابط مهنية، في وقت تصعب فيه السيطرة على حدود البلاد وعمليات التهريب، لافتاً إلى أن سرقة مخازن الأدوية بعد الحرب دفعت إلى الأسواق بكميات كبيرة من العقاقير خارج على الرقابة. الجنود والسجناء... والطلاب ويشخص الدكتور حافظ محمد فرحان، عضو "الهيئة العراقية للدراسات الطبية - الطب النفسي"، شريحتين ينتشر بين أفرادهما تداول الأقراص المهدئة في شكل كبير مما أوصلهما إلى الإدمان: الشريحة الأولى هي الجنود والسجناء حيث تبدأ الحالة بتشجيع الواحد الآخر، مما يؤدي إلى انتشارها بينهم لبلوغ مرحلة النسيان أو الراحة أو الخدر. والشريحة الثانية التي تعتبر من الحالات الخطيرة وتحتاج إلى علاج فوري هي شريحة الطلاب في الثانويات والجامعات. ويقول: "نلاحظ تكاثر تجمعات الشباب في الشوارع، أو زوايا المحلات والأزقة، لتداول الاقراص المخدرة وتناولها. وتبدأ الظاهرة أولاً بالرغبة في التعرف عليها وتجربتها بدافع الفضول ومن ثم يتطور الأمر إلى الإدمان". ويلاحظ أن "هناك من يلجأ عن دافع أو سبب هو معاناته من وضعه الاجتماعي إذ قد يشكو، مثلاً، من مشاكل عائلية، أو يكون تعرض إلى تجربة عاطفية فاشلة، أو ربما بسبب الوضع المالي الاقتصادي المتدهور، نظراً إلى أن العامل الاقتصادي يشكل دافعاً رئيساً لتناول المهدئات بسبب شعور الشاب بأنه عاجز عن الحصول على عمل أو مصدر رزق ثابت، ما قد يدفعه إلى الانحراف". وبين الاسباب الاخرى للادمان "أصدقاء السوء الذين لهم الباع الطويل في إيقاع أصدقائهم في فخ الإدمان". ويضيف أن "توافر المشروبات الكحولية حالياً، لا سيما البيرة، وبأسعار رخيصة شجع الشباب على تناولها بصحبة الأقراص المخدرة". ويجمع المختصون على أن بين أهم أسباب انتشار العقاقير المخدرة على الأرصفة، وسهولة تناولها، هو التهريب الناجم عن الحدود المفتوحة. ويشيرون إلى أن الحصص الدوائية التي تستلمها الصيدليات والمستشفيات مصدرها "معمل سامراء" ومدونة الماركات، بينما لا تعرف الماركات المتوافرة على الأرصفة. وضبط بعضها وتبين أن مصدرها إيران وتركيا.