القضية الأخيرة التي أثيرت حول محامٍ مصري حاول إدخال كمية كبيرة من حبوب الزاناكس ، وهي حبوب مهدئة ، يمُنع تداولها إلا بوصفات طبية ، وتستخدم لمرضى يُعانون من اضطرابات نفسية ، تساعدهم على العيش في ظروف صعبة واضطرابات نفسية مُزعجة. وبغضّ النظر عن المشاكل التي حصلت بين البلدين بسبب شخص حاول أن يُدخل أدوية ممنوعة بحسب القانون الدولي وتهريبها ونقلها جريمة في جميع الدول ، بما في ذلك جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية. المشكلة التي لاحظتها في السنوات الأخيرة هي كثرة الأشخاص الذين يتعاطون ويتناولون الأدوية المهدئة ، ليس بسبب اضطرابات نفسية ، وإنما يتناولون هذه الأدوية المهدئة بناءً على نصيحة أصدقاء أو أشخاص يعرفونهم بصورةٍ سطحية ، مُتناسين أن هذه الأدوية هي أنواع من الأدوية الممنوعة قانوناً ويُجرّم النظام الطبي ، وكذلك قانون المخدرات الدولية حملها دون وصفاتٍ طبية. ليس الزاناكس وحده هو من يستخدمه كثير من الناس الآن ولكن أدوية مهدئة كثيرة أصبحت متداولة بين كثير من الأشخاص الذين يتعاطون هذه الأدوية دون إشراف طبي ، وهذا خطأ كبير. المشكلة الآخرى أن هذه الأدوية النفسية المهدئة صارت تُباع في السوق السوداء بأسعار خيالية ، وهذا ماجعل كثيرا من الأشخاص يقومون بتهريب هذه الأدوية من دول عربية قريبة بشكل مُتكرر ويُتاجرون بهذه الأدوية في بيعها وترويجها في السوق السوداء ويحصلون على مكاسب كبيرة من جراء بيع هذه الأدوية المهدئة، وللأسف بعض المواطنين ، يقومون بشراء هذه الأدوية من السوق السوداء من أشخاص يقومون بجلب هذه الأدوية من بلدان عربية قريبة. هذه المشكلة حدثت في بلد متقدّم مثل فرنسا ، فقد أجريت دراسة قبل بضع سنوات على الأشخاص الذين يتناولون أدوية مهدئة ، فكانت النسبة أن حوالي 11% من الشعب الفرنسي يتناولون أدوية مهدئة ، وعلّق المختّصون على هذه الظاهرة ، بأن ظروف وضغوط الحياة جعلت الشعب الفرنسي يلجأ لهذه الأدوية المهدئة ، خاصةً أن هناك بعض التساهل في صرف مثل هذه الأدوية التي تُصرف من قِبل الأطباء وكذلك بيعها في الصيدليات ليس صارماً كما في دول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بريطانيا.المشكلة أن الشخص الذي يستعمل مثل هذه الأدوية يصعُب عليه الخروج من تعاطيها إلا بصعوبة بالغة ، وتشير كثير من الدراسات إلى صعوبة أن يتخلّص الشخص الذي يُدمن على الأدوية المهدئة والأدوية التي تُعالج الألم القوية المفعول مثل البثيدين أوالترامادول ، بل يظل الكثير ممن تورطوا في الإدمان على هذه الأدوية يستخدمون هذه الأدوية مدى الحياة وللأسف فإن الدواء الأخير الذي يُعرف بالتزامال أيضاً ، فإن كثيرا من الأشخاص من بعض الدول المجاورة يقومون باستقدام مثل هذه الأدوية خاصة وأن الحصول عليها في بعض الدول العربية سهل وبأسعار رخيصة نسبياً وبالتالي يقومون بتهريبها إلى المملكة أو إلى دول الخليج ولكن تهريب هذه الأدوية إلى المملكة أكثر من تهريبها إلى دول الخليج الآخرى ، نظراً لأن المملكة يستطيع الكثيرون من الأخوة العرب والمسلمين أن يحصلوا على تأشيرة عمرة ، لذلك حين قدموا هم إلى المملكة لأداء فريضة العمرة يقومون بجلب مثل هذه الأدوية إلى المملكة ، وبذلك أصبح في الفترة الأخيرة هناك ازدياد في تداول الأدوية المهدئة وكذلك الأدوية التي تُعالج الآلام مثلما ذكرنا دواء الترامادول (الترمال) ، وأصبح هذا الازدياد نتيجة تداول هذه الأدوية في السوق السوداء بعد تهريبها من قِبل أشخاص يُتاجرون بهذه الأدوية ، وبذلك أصبح الأشخاص الذين يحتاجون لهذه الأدوية بشكلٍ حقيقي يحرمون منها ، لأن بعض الصيدليات تتحايل على القوانين وتبيع الأدوية المهدئة بصورة غير نظامية بمبالغ خيالية ، خاصةً أن الصيدليات وشركات الأدوية تسيطر عليها مافيا من دولة عربية محدودة تستطيع أن تتحكم في سوق الأدوية ، خاصة بيع الأدوية الممنوعة والمقننة بشكلٍ سري وغير نظامي وبأسعار خيالية ، ويصعب تتبّع مثل هذه الشبكات التي تقوم بتصريف الأدوية المهدئة وبيعها حتى على المرضى الذين يحتاجون لها بأسعار مرتفعة نتيجة أنهم يسيطرون على سوق هذه الأدوية. المشكلة احياناً تُصبح أكثر تعقيداً ، إذ أن بعض المرضى يحتاجون هذه الأدوية المهدئة وبحاجة طبية لها ويوصفها لهم اطباء متخصصون ولكن نتيجة التلاعب الذي يحدث في سوق الأدوية فإن هؤلاء المرضى لايجدون هذه الأدوية المهدئة. وثمة نقطة أخرى إذ أن بعض الصيدليات تبتعد عن البيع والتعامل مع هذه االأدوية نظراً لما تجلبه لها من مشاكل ، وهذا أيضاً خطأ يقع فيه بعض أصحاب الصيدليات الشرفاء لأنهم يجب أن يحافظوا على تواجد مثل هذه الأدوية بصورةٍ طبيعية لكي يحصل عليها من يحتاجها حقيقةً وبالسعر الحقيقي لهذه الأدوية التي هي أدوية رخيصة لكن عندما تُصبح تجارةٍ سرية يُتاجر بها أشخاص ليس لديهم ضمير ولا ذمة ، كل ما يرجونه من بيع هذه الأدوية هوالربح المادي ولو حتى كان ذلك على حساب أن يُصبح بعض الأشخاص مُدمنين. للأسف عندما يقع الأشخاص في إدمان الأدوية المهدئة على وجه الخصوص يُصبح همهم هو الحصول على هذه الأدوية وليس العلاج والتخلّص من الإدمان عليها ، ونظراً لأن العمل مع الأشخاص المدمنين على الأدوية المهدئة أمرٌ في غاية الصعوبة بسبب الصعوبة التي يواجهها المعالجون ، فكثير من الأشخاص الذين وقعوا في الإدمان على هذه الأدوية المهدئة يكتفون من المعالج بأخذ وصفةٍ طبية لصرف العلاج والذي تبدأ معه مشكلة البحث عن هذا العلاج ، فقد لا يتوفّر في كثير من الأوقات في المستشفيات وكذلك لا يتوفّر في الصيدليات الخاصة وهنا تقع المشكلة حيث يبدأ الاشخاص المدمنون على هذه الأدوية في البحث عن هذه الأدوية المهدئة في السوق السوداء ، وهو بحثٌ مضنٍ نظراً لأن من يتاجرون ويُروجّون لهذه الأدوية المهدئة يعرفون أنها تُعامل معاملة المخدرات ، فيصعب الحصول عليها وهذا ما يزيد سعرها ويُصعّب من الحصول عليها. المسألة ليست فقط تهريب هذه الأدوية المهدئة وترويجها في المجتمع ولكن خلق جيل من الشباب والشابات ممن يعتمدون على الأدوية المهدئة ، وهذا أمر سلبي للغاية ، فحين يبدأ شاب أو شابة في سنٍ مبكرة في التعوّد على الأدوية المهدئة فإن حياته تُصبح على المحك ؛ فهناك نسبة كبيرة من أن يُصبح هذا الشاب أو الشابة مدمنا على هذه الادوية المهدئة وربما تؤثر على حياته بصورةٍ سلبية تماماً ، حيث قد تقود إلى أنه قد لا يستطيع أن يُنهي دراسته أو أن يستمر في عمله ، بل ربما يُصبح معوّقاً بسبب هذا الإدمان. لقد مرّ علينا في العيادات النفسية الكثير من الأشخاص الذين وقعوا ضحية الإدمان على الأدوية المهدئة وكانت هناك صعوبة في علاجهم ، وللأسف لم يستطيعوا أن يخرجوا من دوامّة هذه العادة السيئة التي أصبحت مرضاً حقيقياً هو الإدمان على الأدوية المهدئة . يجب التوعية للشباب والفتيات عن أخطار الأدوية المهدئة والأضرار التي تلحق بمن يستخدمها لفترة طويلة ، وإمكانية الاعتماد والإدمان على هذه الأدوية ، وكذلك يجب عدم أخذها من اشخاص ليسوا متخصصين وأن تُستخدم هذه الأدوية لأغراض طبية علاجية وليس أن يتعاطاها الشخص حسب مزاجه وألا يشتريها من المروجين والأشخاص الذين يبيعونها في السوق السوداء وكل همهم جني الأرباح ولا يهمهم ما يحدث للناس بعد أن يصبحوا مدمنين أو متعودين ومعتمدين على هذه الأدوية المهدئة. إن الأدوية المهدئة صُنعت لكي يستخدمها الأشخاص الذين في حاجةٍ لها ، لضرورات طبية نفسية وليس لأن يستخدمها الشخص وفقاً لرغباته الشخصية وألا يُسرف في الإكثار من تعاطي هذه الأدوية المهدئة لأن هذا قد يقود بسرعة لأن يُصبح الشخص معتمداً على هذه الأدوية. إننا نرى أشخاصا كثرا من الذين أصبحوا معتمدين على هذه الأدوية المهدئة ، ونرى كيف معاناتهم مع هذه الأدوية وكيف يمرون بفتراتٍ عصيبة عندما لا يتوفّر لهم الحصول على هذه الأدوية المهدئة. القضية الخطيرة الآخرى في هذه الأدوية المهدئة أنها تحتاج بعد فترةٍ معينة إلى أن يرفع الشخص الكمية التي يتناولها حتى يصل إلى حد يكون فيه خطورة على صحة الشخص الذي يتعاطى هذه الكمية من الحبوب المهدئة ، وقد يتسبب في تعطيل الجهاز التنفسي عند الشخص ويتسبب في وفاته. الخطورة الأخرى وهي عندما يستخدم الشخص الذي يتناول الأدوية المهدئة ، حبوباً من هذه المهدئات ويشرب الكحول ، فالتفاعل بين المهدئات والكحول خطير وقد يقود إلى الوفاة إذا تناول الشخص كمية كبيرة من المهدئات وشرب كمية كبيرة من الكحول. لذلك يجب على الشخص الذي يتناول المهدئات ألا يقترب من الكحول إطلاقاً مهما بلغ الأمر ، وألا يستهين الشخص بخطورة مزاوجة الكحول مع الأدوية المهدئة. هناك أنواع متعددة من الأدوية المهدئة ، فبعضها أدوية طويلة المفعول وبعضها متوسط المدة وبعضها قصيرة المفعول؛ فهي تعمل بسرعة بعد تناولها ولكن مفعولها ينتهي بعد ساعات قلائل. الأدوية المهدئة قصيرة المفعول هي الأدوية المهدئة الأكثر القابلة لأن يُدمن عليها الشخص ويُصبح معتمداً عليها، لأن مفعولها يظهر بسرعة والشخص يشعر بتأثير الخدر الذي تُحدثه هذه الأدوية بشكلٍ سريع وهذا يجعل الكثير من الأشخاص يرتاحون لهذاالمفعول الذي تُحدثه هذه الأدوية المهدئة ، لذلك يجب عدم المخاطرة باستخدام هذه الأدوية المهدئة مع الأشخاص الذين يشعر الطبيب بأنهم قابلون للإدمان من التاريخ النفسي للشخص . فالشخص الذي يُدمن الكحول ويُدمن على الأشياء بصورةٍ أسرع وأكثر من الأشخاص العاديين هو الشخص الذي يُصبح مدمناً على الأدوية المهدئة ، لذلك لا يُفضّل علاج مثل هذا الشخص بالأدوية المهدئة عندما يُعاني من بعض الاضطرابات النفسية كالقلق أو الرُهاب ، بل يجب استخدام أدوية آخرى لا يُدمن عليها مثل الأدوية المضادة للاكتئاب أو بعض الأدوية الأخرى التي تُعالج مثل هذه الاضطرابات بدلاً من علاج مثل هذا المريض بأدوية مهدئة لأن هناك نسبة عالية لأن يُصبح مثل هذا الشخص مدمناً على مثل هذه الأدوية. استخدام هذه الأدوية يجب أن يكون لفترات قصيرة ويجب على الطبيب أن يكون حريصاً على عدم اعتماد المريض على هذه الأدوية ، ولكن للأسف بعض الأطباء ينسى هذا الأمر ويبقي المريض على الأدوية المهدئة لفترات طويلة ويُصبح بذلك معتمداً على مثل هذه الأدوية ويُصبح إخراجه منها أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً في بعض الحالات التي يدُمن الشخص فيها على هذه الأدوية. الدراسات في الولاياتالمتحدةالأمريكية تُشير إلى زيادة الأشخاص الذين يطلبون العلاج من الإدمان على الأدوية المهدئة بنسبة 400% ما بين عامي 2008 و2011 ، وأشارت الدراسات بأن الإدمان على الأدوية المهدئة أصبح مشكلةً فعلية في الخدمات الصحية ، فقد بقيت نسبة طلب العلاج على المواد الآخرى كما هي بينما زادات نسبة الأشخاص الذين يطلبون العلاج من الإدمان على الأدوية المهدئة ، وهذه ظاهرة ربما تكون عالمية ، فكثير من الدول تمت ملاحظة ظاهرة ازدياد اعتماد وإدمان عامة الناس على الأدوية المهدئة. في بلادنا يجب أن ننظر إلى هذه المشكلة ولا نُقلل من أهمية علاج الأشخاص الذين وقعوا في مشكلة الإدمان على الأدوية المهدئة ، لأن أكثر من يدمنون على الأدوية المهدئة لا يعرفون بأنهم في مشكلةٍ حقيقية مع الإدمان لأنهم يعتقدون بأن استخدام هذه الأدوية أمر طبيعي لأنهم يتناولون هذه الأدوية ويصرفونها من قِبل أطباء ولكن هذا لا يجعلهم في مأمن من الإدمان ، ويجب على الأطباء الذين يتعاملون مع مثل هؤلاء الأشخاص نصحهم بطلب العلاج ، قبل أن يستفحل الأمر ويصبح من الصعب الخروج من دوامة هذه المشكلة الخطيرة. الأدوية المهدئة صُنعت لكي يستخدمها الأشخاص الذين هم في حاجةٍ لها تصرف بوصفة طبية فقط يتناولون هذه الأدوية المهدئة بناءً على نصيحة أصدقاء