في الجامعات العراقية اصبحت المسيرات والتظاهرات ظاهرة يومية بعد ان اصبح مسموحاً لأي مجموعة طالبية ان تعتصم او تتظاهر من اجل تغيير عميد او تنحية استاذ من منصبه. لكن مراجعة عميقة لتلك الاعتصامات والاحتجاجات توضح ان الاسباب لا تكون ان استاذاً ما لا يؤدي عمله المهني بشكل جيد، بل لأنه قال جملة اعتراضية، يحلو للبعض ان يفسرها على انها "تهجم على حركة سياسية او حزب ديني". المعنيون في الحرم الجامعي العراقي باتوا يناقشون حقيقة التظاهرات، والاقتراب من سؤال حاولوا كثيراً الإبتعاد عنه من نوع: "هل يحاول فعلاً بعض الطلبة فرض آرائهم الدينية على الطلبة والطالبات خصوصاً، وعلى الاساتذة والعمداء قبل ذلك"؟ واكد عدد من اساتذة الجامعات والطالبات وممثلو الطلبة في المعاهد والكليات العراقية، انهم يواجهون "مثل هذه الضغوطات، ويتعرضون لممارسات تحاول ان تجبرهم على سلوك هذا الطريق في الدين والسياسة والحياة دون سواه"، مشيرين الى ان ذلك يعتبر تدخلاً في الشؤون الشخصية للطلبة. يقول الأستاذ في كلية الآداب في جامعة بغداد، عبد الكريم علي: "نعم توجد مثل هذه الضغوط والممارسات من قبل بعض الطلبة الذين يحاولون فرض آرائهم الدينية على زملائهم والاساتذة معاً". ويضيف: "تلقى العديد من الاساتذة تهديدات بسبب آرائهم ومعتقداتهم التي لا تتوافق مع آراء بعض الطلبة المتزمتين الذين يريدون فرض معتقداتهم وآرائهم الدينية بالقوة، وهذا شيء مخالف لتعليمات الجامعة التي تدعو الى احترام آراء الآخرين ومعتقداتهم، ولا يجوز فرض رأي على رأي آخر. اضافة الى ان الوضع الراهن لا يستوجب هذا التزمت من بعض الطلبة، لان العراق يمر بمرحلة انتقالية ولا بد من احترام هذه المرحلة لنخرج بنتيجة يوافق عليها كل العراقيين". ويشير علي الى وضع مقارب، تحياه الجامعات العراقية الآن، لذلك الذي عانته في النظام السابق: "كان يفرض علينا آراءه ويدعونا الى العمل بها ولم نرض بذلك، لكن الشيء نفسه يحدث الآن، فبعض الطلبة يريد ان يفرض علينا آراءه الدينية ويطلب من الاساتذة والطالبات التمسك بها والعمل بموجبها". وتقول الاستاذة في جامعة النهرين هيفاء سعدي: "منذ بدء العام الدراسي ونحن نعاني من سلوك بعض الطلبة وممارساتهم للضغط على زملائهم والاساتذة، داعين اياهم الى السير على خطاهم وهذا المفهوم بعيد كل البعد عن مفاهيم الديموقراطية التي فرحنا بها مع سقوط النظام السابق". وتعلق سعدي على وجود "ديكتاتوريين جدد في العراق"، موضحة "فرحنا بسقوط النظام الا اننا فوجئنا ان بعض الطلبة ديكتاتوريون صغار يريدون فرض مفاهيمهم الدينية على الجميع وهذا شيء خاطئ اذ ان العراق الجديد يدعو الجميع الى ممارسة معتقداتهم الدينية بكل حرية ويدعو الى التعاون والتسامح، الا ان العكس هو الذي نراه، فهناك طلبة يتظاهرون ضد استاذ جامعي ويطالبون بتنحيته لانه قال رأياً مخالفاً". في كلية العلوم في الجامعة المستنصرية تظاهر بعض الطلبة ضد عميد الكلية الذي دعا الى نزع بعض "اللافتات" الدينية التي وضعت بكثرة على جدران الكلية، مطالبين بتنحيته، وهو ما يعتبره الدكتور عبد السلام احمد "تصرفاً خاطئاً لان الجامعات مكان للمعرفة والعلم وليس ساحة سياسية تحاول كل مجموعة من الطلبة ان تفرض رأيها على مجموعة اخرى". ويضيف: "هذا تدخل واضح في فرض نمط من المعتقدات السياسية، وهذا التصرف بعيد كل البعد عن الديموقراطية والحرية". ويشير الى ان "بعض الطلبة يتصرفون تصرفات فوضوية بحجة الحرية وهذا مفهوم خاطئ وبعيد كل البعد عن الديموقراطية التي تعني اول ما تعني احترام اراء ومعتقدات الآخرين". التشدد في الحرم الجامعي وجد في الإسلام غطاء لفرض سلوك وتصرفات الطلبة والطالبات تحديداً لجهة اجبارهن على سلوك معين، كما في كلية التربية في جامعة بغداد، وعلى ما تقوله طالبات ومنهن سرى كاظم: "منذ بداية العام الدراسي، ونحن نشعر بمضايقات تصل الى حد التهديدات من بعض الطلبة الذين يحاولون اجبارنا على ارتداء الحجاب، وهؤلاء يعتقدون ان الطالبة اذا ارتدت الحجاب فهي بذلك تكون محصنة دينياً واجتماعياً، اما الطالبة التي لا ترتدي الحجاب فهي تستحق الرجم". وتقول كاظم: "الحجاب شيء شكلي وظاهري، وليس كل من ارتدته يعني انها محصنة اجتماعياً ولا تقدم على فعل يخالف تعاليم الاسلام والمجتمع معاً، وبحكم علاقتنا في الكلية اعرف الكثير من الطالبات المحجبات اللائي لهن علاقات حميمة مع الطلبة اكثر من الطالبات غير المحجبات، عموماً استطيع القول نعم، ان بعض الطالبات غير المحجبات تعرضن الى ضغوط لاجبارهن على ارتداء الحجاب، واذا لم تكن تلك الضغوط الكلامية قد نفعت مع الطالبات، فاحياناً تتحول الضغوط الى تهديدات". الطالبة امل زيدان في كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية توضح: "الطلبة يمارسون طقوسهم الدينية في الكليات، واعتقد ان هذا مخالف للتعليمات الجامعية، اذ ان الكلية ساحة للعلم والمعرفة ولا يجوز ان تتحول الى منبر سياسي يحاول من خلاله بعض الطلبة فرض آرائهم على الآخرين، فالكثير من الطالبات لا يأتين الى الدوام في ايام المناسبات الدينية وذلك خوفاً من المد الديني لدى بعض الطلبة الذين يستغلون المناسبات الدينية ويحاولون التدخل في سلوك الآخرين لإجبارهم على المشاركة في تلك الطقوس الدينية". في كلية طب بغداد تقول الطالبة دينا حمودي: "وضعت لافتات على جدران الكلية تدعو خلالها الطالبات الى ارتداء الحجاب ومؤكدة ان الحجاب زينة المرأة، وهذا اعتبره تدخلاً واضحاً في السلوك الشخصي، فزينة المرأة في اخلاقها وتمسكها بالتقاليد الاجتماعية، والحجاب مكمل لتلك التقاليد". الكثير من الطالبات بقين في بيوتهن في الاسابيع الاولى من العام الدراسي بسبب خوفهن من المد الديني، لكن بمرور الوقت عرف بعض اولئك الطلبة ان فرض معتقداتهم الدينية بالقوة شيء غير صحيح، لكن هذا لا يعني ان اولئك الطلبة كفوا عن فرض آرائهم، انهم غالباً ما يستغلون اي مناسبة دينية لمعاودة محاولاتهم تلك في الدعوة الى الزام الطالبات الحجاب. الروابط والاتحادات الطالبية تتلمس مثل هذا التحدي الذي يعلنه المتشددون. ويقول ممثل "رابطة الطالب الحر" امجد طه: "صحيح ان بعض الطلبة يريد فرض آرائه ومعتقداته الدينية على الآخرين، الا اننا نحاول وبالتنسيق مع عمادة الكلية إفهام اولئك الطلبة ان هذا التصرف بعيد من العقلانية، فان لكل طالب وطالبة الحق في ان يفعل ويتصرف ما يشاء وفق المعقول ووفق التقاليد الاجتماعية". ويضيف: "بعض اولئك الطلبة يتفهم موقفنا هذا وبعضهم الآخر لا، ويتهموننا بالوقوف الى جانب اولئك الذين لا يلتزمون بالتعاليم الدينية والاسلامية، ان هذا المد الديني الذي يحاول البعض نشره وتوسيعه في ميادين العلم شيء يدعونا الى العمل المنظم والتنسيق لاجل توعية الطلبة بعدم التدخل بمعتقدات الآخرين، فالمجتمع يضم كل القوميات والاديان والاطياف ولكل واحد من هؤلاء الحق في ان يتصرف بالمفهوم الذي يريده وفق التقاليد الاجتماعية الصحيحة". ويقول ضياء علاء من "اتحاد الطلبة التقدمي": "نحاول ومن خلال احاديثنا مع اولئك الطلبة توعيتهم الى ان للطالب كامل الحرية بالتصرف وفق معتقداته الاجتماعية والدينية طالما لا يؤثر على الآخر. اما ان تُفرض آراء ومعتقدات دينية على الآخرين بالقوة فهذا مرفوض، الا ان المشكلة تكمن في ان بعض الطلبة لا يفهم ذلك ويريد فرض معتقداته. توسع المد الديني في بعض الكليات وعلينا جميعاً الوقوف معاً للتعاون والعمل وفق تقاليد اجتماعية ودينية تتيح للجميع التعايش في عراق حر ديموقراطي جديد".