كان اغلب الصفاقسة في مقهى "سيبر كافييه" وسط العاصمة الاماراتية ابو ظبي يتأهبون للمغادرة والنشوة تملأ قلوبهم بعد اطاحتهم بالعميد السعودي فريق الاتحاد المتوج بكأس ولي العهد، عندما حملت الدقيقة الاخيرة من الوقت البديل المفاجأة المذهلة بعد ان خطف المهاجم محمد امين حيدر هدف التعادل لناديه الاتحاد في احدى المباريات الأشد اثارة في دوري ابطال العرب. ساد صمت ثقيل، و بهتة طويلة بين مصدق ومكذب، وانسل جمع المغتربين التونسيين من المقهى تحت وقع الصدمة، وغدر الساحرة المستديرة، ربما هرب النوم من جفونهم في تلك الليلة، بعد اضاعة ناديهم الفرصة السانحة في الانقضاض على اعتى الاندية السعودية والعربية هذه الايام، ولكن انتفاضة النادي الصفاقسي هذه الايام في دوري ابطال العرب، بقيادة المدرب مراد محجوب رغم الازمة المالية القاتلة التي يمر بها نادي عاصمة المال والاعمال التونسية - صفاقس - والاهم من ذلك الانتعاشة التي يعرفها اللاعب الليبي طارق التايب، انستهم المواسم العجاف الاخيرة، وخيانة ساحرهم اسكندر السويح بعد انتقاله لعدوهم التقليدي الترجي التونسي وطمأنتهم بأن المقبل اجمل. لا شك أن المباراة عرفت تقاسماً للناديين لشوطيها، وهفوات تحكيمية "غبنت" العميد الا انها كانت بكل المقاييس مباراة طارق التايب المهندس الجديد لجوفنتوس التونسي كما يحلو لاحباء الصفاقسي مناداته، وابرزت الوجه الآخر لكرة القدم الليبية، بعد سنوات الحصار، والتيه في دوري الهواية والمغامرات المندفعة لبعض القائمين عليه. كانت تونس في عقد التسعينات محطة ترانزيت للاعبين الافارقة نحو ضفاف الشمال الاوروبي، ولا تزال جماهيرها تحتفظ في الذاكرة باضافات اللاعبين المغاربة والجزائريين في مسيرة انديتها من الجزائري عمروش الى كماتشو المغربي. ومنذ رحيل بورقيبة عن سدة الحكم وانتفاء اسباب التوتر بين تونس وليبيا، انفتحت انديتها على السوق الليبية بل قاد بعض حكامها ابرز لقاءات الدوري التونسي، ولكن مغامرة طارق التايب ابرز لاعب ليبي في السنوات الاخيرة تؤشر لمخزون ليبيا من المواهب الكروية التي غيبتها روح الهواية، وتبرز قدرة اللاعبين الليبيين على تحمل استحقاقات عالم الاحتراف وسط بيئة تنافسية شديدة، وعدائية في بعض الاحيان. لم تكن تجربة التائب مع الصفاقسي هي الاولى في عالم الاحتراف، فقد لعب لنادي ميرمار البرتغالي ولم يبلغ بعد سن العشرين، بدأ مع الاهلي في طرابلس الغرب الذي رفض تسريحه من البداية للنادي التونسي قبل ان يعود عن ذلك مقابل 15 الف دولار، كانت اجمل ذكرى في حياة طارق رفعه كأس الاتحاد الافريقي مع الصفاقسي 1998، ليدفع من اجله بعدها النجم الساحلي 500 الف دولار لجلبه لصفوفه. لنكن اكثر دقة لم يكن رحيل التائب عن حبه الاول، بدافع المال او الارتفاع في بورصة اللاعبين، فلا شك أن الصفاقسي كان يمني نفسه بثمن اغلى صفقة انتقالات في الدوري المحلي عبر التاريخ، ولكن طارق عرف اياماً قاسية وصعبة في سنته الاولى للاحتراف، كان يومها ند الابن المدلل للمدينة اسكندر السويح، يصول ويجول، يأمر وينهى، يضبط التشكيلة ويقيل بمؤامراته التحتية المدربين، وحتى رؤساء النادي احس الكسندر بأن التايب يمكن ان يخطف منه الاضواء ويسرق بهرتها منه، فنكد عليه معيشته ودفعه للمغادرة سريعاً، ليتوه بعدها طارق التايب بين الاندية التونسية الاخرى من النجم الساحلي الى النادي الافريقي، ثم مغامرة سريعة في الدوري الاماراتي. دارت الايام وغاب اسكندر السويح عن المدينة، عندها عاد طارق التايب واصبح النجم الاول للنادي وصانع العابه. وعندما نعلن أن طارق وزملاءه لم يتسلموا مليماً ولا ديناراً يتيما منذ اشهر من مستحقاتهم ورواتبهم ويبذلون عرقهم من اجل التقدم في دوري ابطال العرب لفك ازمة الصفاقسي المالية، نزداد احتراماً لطارق ووجه ليبيا الجديد.