اربعة كتب صدرت معاً، اثنان منهما ديوانان للشاعر السعودي عبدالله باشراحيل واثنان يتناولان تجربته الشعرية. الديوان الأول عنوانه "بيت القصيد" وهو عبارة عن ألف بيت من الشعر الموزون والمقفّى، وكل بيت يدور حول قضية او موضوعة تيمة. لكنّ بعض المقاطع الشعرية تتخطى البيت إلى نحو خمسة ابيات. ينطلق الشاعر في هذا الديوان الذي بات نادراً شكلاً ومضموناً في الزمن المعاصر، من مفهوم الإيجاز او الكثافة، الذي يدفع الشاعر الى قول ما يريد قوله بالقليل من الكلام. و"بيت" القصيد معروف في الشعر العربي وهو البيت الذي يختصر القصيدة كلّها معنى وجمالاً وعمقاً، ويوضح الشاعر ابعاد هذه التجربة قائلاً: "ذلك ما حدا بي الى استلهام حقائق وقناعات جسّدتها في ألف بيت شعري تحمل روحاً انسانية أبحرت في سفن الحياة تمخر عباب موج متلاطم استطعت بحمد الله ان أستخرج من اعماق الحياة ما أدهشني، ولم أقنع بما كان في البحر فنظرت الى الأرض استجلي النبض الكوني الذي يتراءى لكل من ألقى السمع وهو بصير. ثم نظرت الى الأعلى الى ذلك الهيولى الواسع وإلى المجرّات والنجوم والفراقد والكواكب والشموس وإلى القمر، وعشت في تلك العوالم اتملّى الدهشة لأخطو مشواراً قصيراً يتناسب وعمري وقدرتي وتكويني الفكري. وعندما امتطيت صهوة الانبهار عدت من عوالم الحقيقة لأُلبسها ترف الخيال وغنائية الكلام في هذا السفر الذي يحمل كل بيت فيه: قطرة من دمي ودمعة من عيني وفرحة من نفسي .... وقام هذا العمل على بيت الى خمسة ابيات تُعنى بالإيجاز التوقيعي الذي كانت تعمد إليه توقيعات النثر العربي. وقمت بصوغ هذا الشعر الذي يمثل "قصيدة في بيت" على رغم ان علماء اللغة والنقد بحثوا في هذا المضمون وتباينت الآراء في نشوء "قصيدة في بيت" كما اسميها، ولم تتباين حول مفهوم "بيت القصيد". إن هذا العمل يمثل مثلث هرم رأسه هذا الديوان المعنون "بيت القصيد" يحمل في طياته ألف بيت هي بعض تأملاتي في الكون والحياة والعصر والخلق". الديوان الثاني حمل عنوان سؤال كان طرحه الشاعر ادونيس على باشراحيل وهو: "بماذا تتنبأ يا صديقي؟". وورد هذا السؤال بخط ادونيس على الغلاف الأول للديوان. وحمل الغلاف الأخير رداً بقلم باشراحيل وخطه وهو: "أتنبأ يا صديقي/ ان عصراً سوف يأتي/ يترك الأوطان نهباً. ومن عناوين القصائد في الديوان: القصيدة - الحلم، بماذا تتنبأ يا صديقي؟ البحث يطول، ثمن حرية عنترة، اجل احبها، يا ويلي عليه، هيا ارجعي، الحياة... ومن جو الديوان: "هيّا ارجعي/ فالليل حالك الرؤى/ وأنت وردة/ تثير من عطورها/ تولّعي.../ تضوّعي في خافقي/ تمنّعي في ناظريّ/ واقطفي/ جنى البكور بالسرور/ واسكبي الندى عليك/ مثلما انا سكبت أدمعي". الكتابان الآخران يدوران حول تجربة باشراحيل وهما "زمن النقدي الأدبي - آراء نقدية في شعر عبدالله باشراحيل" وهو لمجموعة من النقاد، وكتاب: "المعنى والمضمون في شعر عبدالله باشراحيل" للناقد السوري عهد فاضل. حمل الكتاب الأول شهادة من الشاعر ادونيس وهي عبارة عن رسالة كان وجهها ادونيس الى الشاعر باشراحيل بعد قراءته احد دواوينه الجديدة، وفي الشهادة - الرسالة: "أخي عبدالله، تحية الصداقة والشعر، سررت بقراءة مجموعتك الشعرية الأخيرة، خصوصاً انني رأيت فيها ما يؤكد شاعريتك المتوثبة، وشواغلك الإبداعية، اضافة الى انك تحقق بين مجموعة وأخرى قفزات تعبيرية وجمالية يكاد الشعر ان يكون هواءنا المنعش الوحيد. لك اطيب تمنياتي، راجياً ان نلتقي قريباً". ضم الكتاب دراسات ومقالات عدة دارت كلها حول دواوين باشراحيل وتجربته الممتدة بين الشعر العمودي والشعر الحديث اضافة الى بعض كتبه النثرية. اما النقاد الذين شاركوا في ا لكتاب فهم: صلاح فضل من مدن الغفلة الى ابجدية قلب، حسن فتح الباب حجة الشعر وسلاح القوة، زهير غانم اختلاج قلب... وبوح مشاعر، ميشال كعدي خلاصة جمالية، وضاح يوسف الحلو الدلالات الفنية والإنسانية، ورقة همس ووجدان متألم. محمود شريح عاطفة جيّاشة وإيقاع منضبط، فارس الشعر الإنساني سعيد بونوار، علي محمد العمير باشراحيل والشعر القومي، وفيق غريزي قصائد الاغتراب الوجودي، عهد فاضل إحياء الغنائية العربية، عبدالولي الشميري الحب في شعر باشراحيل، شوقي بزيع الشعر في وجه الجفاف والعقم والموت، خالد الأنشاصي منطق الشعر، علي حرب بين نور الشعر وجنى الفكر، اسماعيل عقاب بين قناديل الريح وقلائد الشمس، لويزا بولبس التعالي وكبرياء الجروح، محمد بن مريسي الحارثي وحشة الروح، محمد عبدالمنعم خفاجي شاعر متنوّع، ماجدة بنت فتحي عبدالعزيز إلى خيال الدهر، عبدالعزيز شرف الشعر المعاصر وقناديل الريح، على محمد العمير شاعر موهوب ورجل اعمال، جيلان حمزة وحشة الروح في الشعر المعاصر، حنان بنت عبدالعزيز بن سيف نسيان الشرق، ايمان بقاعي الوطن في شاعرية السيف والقلم، عبدالعزيز عبدالمحسن التويجري اين سيفك يا عمر؟. وجاء في تقديم الكتاب: "في هذا الكتاب سيمر القارئ على بعض ملامح الشاعر العربي عبدالله باشراحيل، من خلال اقلام قرأت قبل ان تكتب، وفهمت قبل ان تحكم، وتذوقت قبل ان تفصل. في سيرورة من كتب للشاعر، مختلفة. وسيجد القارئ مقالاً او اكثر عن كتاب بعينه، او مقالاً واحداً عن كتاب محدد. وهي من طبيعة الزمن النقدي الذي يضيء في مكان اكثر من مكان آخر. مثلاً سيجد القارئ تعدد مقالات حول "قلائد الشمس" التي وجّهها الشاعر الى المثقفين الأميركيين. فهذا النص ترك آثاراً ما زالت تتردد الى الآن. في مقالات اخرى سنجد القراءة الفلسفية لشعرية الشاعر، كما في كتاب "توقيعات" وكتاب "المصابيح". وسيجد في مختلف المقالات كيف ان الشعر، كالشعراء، يختلف من قارئ الى آخر، فهماً وتذوقاً وتفكيكاً. يعود الزمن النقدي الى المكان ذاته الذي يبدأ منه الشعر: فبعد علاقة عصية بين المعرفة والتاريخ، او بين الشر والحياة، يتولد الاقتراح الشعري، مختلفاً مؤتلفاً في مسارح شتى. وتكمن علاقة الزمن بالشعر في تلك المساحة الغامضة بين الشكل والمحتوى، اللفظ والدلالة. فيأتي زمن الشعر استهلالاً لزمن النقد، متحدين مولدين للشعرية ولنظرية الشعر التي لا تتوقف عن النمو". الكتاب الثاني "المعنى والمضمون في شعر باشراحيل" هو من تأليف عهد فاضل وقد وزّعه في 4 اقسام هي: الصورة الشعرية، المحتوى الفلسفي، البنية الرمزية، المعنى والمضمون. ويرى فاضل في المقدمة: "لا يحمل التمهيد هدفاً من نوع قراءة البنى الاجتماعية المستترة، في تجربة الشاعر السعودي عبدالله باشراحيل، بل يهدف الى قراءة تجربته مسبوقة بنظام جمالي شعري، سواء في الشعر العربي في ذروته العباسية، مروراً بأدب المرحلة العثمانية، ومن ثم المرور على التفجّر الكبير، بل الثورة، الذي مر على الشعر العربي بمجرد الوفادة الرومانسية عليه، والانتقال الى مرحلة "الحداثة" الشعرية وتبلور اسلوبين اثنين راسخين تجليا في قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة وما رافقهما من جدل نقدي. تنبع ضرورة المقدمة في ان شعرية باشراحيل تحمل من الأشكال الأدبية ما يجعلها استمراراً لقوانين الكتابة الشعرية العربية، من شعر عمودي وشعر تفعيلي. اي انه يشكل اختباراً ما لهذه الأشكال في ممارسته الشعرية، ويجب فهم شعريته في ظل النقد العربي القديم والنقد العربي الحديث سواء بسواء. وحتى يتحصل القارئ على البنى المستترة، جمالياً، في شعره، يجب ان يمر معنا، في مقدمتنا، على بعض من هذه التحولات، لزيادة التعمق بقراءة الشعر وكيلا يكون فعل القراءة مجرد علاقة تقنية صرف. ولزيادة العلاقة بين النص كفعل منجز، والنص كفعل مفتوح على المرجعية، او ما يسميه الناقد الكبير "هارولد بلوم" في كتابه قلق التأثر: التكتّم الشعري. من هنا تتأتى ضرورة المقدمة، استدلالياً، ونقدياً". وما يجدر ذكره ان الكتب الأربعة صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت - عمان.