قال مدير مدير مكتب البنك الدولي في لبنان، عمر رزاز، ان"معدل النمو في المنطقة العربية متدن ويشير إلى بوادر أزمة خطيرة في سوق العمل في السنوات العشر المقبلة". وتحدّث رزاز، الذي يقدّم مكتبه خدمات للبنان والأردن وسورية وايران، إلى"الحياة". وفي ما يأتي نص الحديث: تعدون استراتيجية لمساعدة لبنان في دعم ادارة الشؤون الاقتصادية ووضع الأسس لنمو مستقبلي والتخفيف من الفقر. كيف ستتمكنون من ذلك في ظل الخلافات السياسية؟ - نؤكّد الحاجة إلى وفاق القوى السياسية والاقتصادية، والاتفاق على استراتيجية والالتزام بها لمعالجة الخلل الاقتصادي، لأن أي طرف خارجي، سواء كان البنك الدولي أو غيره من الأطراف المانحين، لن يكون البديل ويبقى دوره ثانوياً في هذا المجال. ونؤكد انه إذا ما تبلورت هذه الاستراتيجية وتم الالتزام بها، فإن لبنان قادر على تجاوز الأزمة، نظراً إلى ثقة الدول الصديقة والمؤسسات الدولية واللبنانيين المغتربين والعرب بلبنان. قلتم في تقريركم، ان احتياط مصرف لبنان يحد من مخاطر حدوث أزمة مالية في الأمد القصير، إلى متى؟ - يملك مصرف لبنان احتياطاً من العملات الصعبة يمكّنه من حماية سعر الليرة من أي هزة في الأمد القصير. لكن الاحتياط ليس كافياً في الأمدين المتوسط والطويل. لذلك، هناك حاجة ملحة لتنفيذ الاصلاحات الجذرية. ولا يمكن تحديد الأمد، طالما ان مصرف لبنان قادر على توفير هذا الاحتياط. هل تعتقدون ان الحكومة متّكلة على ذلك في تأجيل الاصلاحات؟ - هناك علاقة في هذا المجال إلى حد ما. ولكن لا يمكن الاتكال على ذلك على المدى البعيد، وبالتالي لا بديل من هذه الاصلاحات. هل هناك مبالغة في الكلام عن الفقر كما يقول البعض؟ - هناك دراسات حول هذا الموضوع، بعضها موضوعي في تحديد خط الفقر، واخرى غير موضوعية. وسنقوّم هذه الظاهرة في ضوء الاحصاء الشامل للأسر الذي سيباشَر به السنة الجارية، بدعم من البنك الدولي، ويُنجز السنة المقبلة. وليس بالضرورة أن تكون أسباب هذه الظاهرة تراجع القدرة الشرائية والتضخم لأنه معدل التضخم ليس مرتفعاً. سنة 4002 هي سنة الاستحقاقات البلدية والرئاسية وستكون على ما يبدو سنة"اللااصلاح". ما هي انعكاسات تأجيل الاصلاحات؟ - ليس التأجيل من مصلحة لبنان، لأن كلفة الاصلاح سترتفع. والمطلوب التزام تنفيذ البرنامج الاصلاحي. وقد يؤجّل الاحتياط الموجود في المصرف المركزي الحاجة إلى الاصلاح إلى فترة قد تمتد لسنوات. لكن النمو سيكون الضحية. ونأمل أن تكون السنة المقبلة، سنة الاستحقاق لبلورة صدقية الحكومة ووفاقها على البرنامج الاصلاحي والتزام تنفيذه، ودعم الثقة التي يمنحها المستثمر، لأننا نعتبر ان ثروة لبنان تكمن في صدقيته وفي الثقة الداخلية والخارجية. التخصيص هل ترون ان التخصيص ملائم الآن في ظل ظروف الأسواق العالمية وظروف المنطقة، وأوضاع المرافق المنوي تخصيصها؟ وهل تتوقعون نجاحها في ظل التجاذبات السياسية؟ - ليس التخصيص غاية بل هي وسيلة في قطاعات معيّنة لتنشيطها وجذب المزيد من الاستثمارات وتحسين ادائها وخفض كلفة خدماتها. ونعتبر ان قطاع الكهرباء منتِج ومربح، في حين انه في لبنان يحتاج إلى الدعم السنوي من الخزينة ويثقلها ويزيد من عبء الدين. ولا يفترض النظر إلى تخصيص هذا القطاع للحصول على أفضل سعر، بل يجب النظر إلى كلفة القطاع الآن على الاقتصاد وعلى القطاعات المنتِجة والخدماتية والمواطن. فالقرار في وقف النزف في هذا القطاع سياسي ولا يجب تأجيله. ونحرص أن تتم هذه العملية في بيئة تنظيمية وتنافسية وشفافة، لأن أي مس بهذه الشروط ينعكس على جدوى التخصيص. كما اننا نشدد على التأكد من انها لن تؤثّر سلباً في المستهلكين إذا تمت في شكل شفاف وتنافسي. ويجب تزامنها مع تنفيذ حزمة من الإجراءات لتحقّق جدواها، وأن يتركز استعمال عائداتها على خفض الدين وكلفة خدمته وتنشيط الاقتصاد. بحسب تقريركم، يأتي لبنان في مرتبة متدنية نسبياً من حيث نوعية الادارة. هل يمكن ايضاح ذلك؟ - أعددنا دراسة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتناول ادارة الحكم. وبالنسبة إلى لبنان، أظهرت مؤشّرين، للأول دلالة ايجابية تتمثّل بنوعية المساءلة العامة، إذ لا يُخفى على أحد حرية المشاركة السياسية في الانتخابات ونوعية الاعلام وحريته والدور الذي يلعبه في مراقبة اداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ... فضلاً عن نسبة مشاركة المجتمع المدني في الفاعليات اليومية وحريته في تأسيس منظماته. ويُعتبر لبنان حالة فريدة في المنطقة ويشكّل نموذجاً. والمؤشر الثاني يتعلق بادارة القطاع العام وله دلالة سلبية، تتمثّل بمحدودية استقلال المؤسسات العامة عن التأثير السياسي، والبيروقراطية المعقّدة التي يواجهها المستثمر وضعف مؤسسات الرقابة. يجب تطبيق الاصلاح في هذا القطاع بترشيقه وتعزيز كفايته وتوفير الحوافز لتحسين المناخ الاستثماري لجهة خفض كلفة المعاملات والحد من الروتين والتسريع في اصدار الأحكام القضائية. ونعلم ان الحكومة تعي هذه المشكلة، ولا يمكن أن نغفل انها تمكنت من إعادة تأهيل بنية المؤسسات التي هدمتها الحرب وتجهيزها بمشاركة البنك الدولي ورفع كفايتها. إلا ان الاصلاح المطلوب لم يطبّق لأسباب نعرفها. ايران ما هو الهدف من زيارتكم لايران والمشاريع التي تساهمون فيها؟ - أصبحت ايران من أهم الدول في المنطقة التي تتعامل مع البنك الدولي. وتبلغ قيمة المشاريع الجديدة التي نعمل عليها مع الحكومة الايرانية نحو بليوني دولار. وتشمل هذه المشاريع قطاعات تنموية كالصرف الصحي والاسكان ورفع مستوى خدمات البنى التحتية والبيئة. ونعمل أيضاً على مشاريع للتدخل السريع لمعالجة النتائج المترتبة عن الكوارث الطبيعية كالزلازل، فضلاً عن خطط وقائية لأي حوادث مستقبلية، بما فيها خطط للطوارئ ورفع كفايتها. وتلحظ هذه الخطط أيضاً توفير نظام تأمين على المساكن، على اعتبار ان المواطن الايراني يوظّف كل مدخراته في المسكن وليس في أسواق المال، ما يساعده على استرداد توظيفاته في حال تضرر مسكنه من الكوارث. أجرينا خلال الزيارة مفاوضات في شأن قرض جديد مخصّص لقطاع الاسكان، تمتد فترته ل21 سنة ويُدفع على ثلاث مراحل، وتتجاوز قيمته 003 مليون دولار. ويهدف هذا القرض إلى تمويل مشروع اصلاح جذري في قطاع الاسكان لتنشيط السوق وتفعيل مؤسسات الاقراض، ووضع الاطار التنظيمي للقطاع وتحسين وضع المدن والمناطق التراثية والقديمة، وتطوير مستوى الخدمات المتدنية جداً في مناطق البناء العشوائي، وتوفير الاطار القانوني السليم لتملك القاطنين في هذه المناطق. وتتناسق هذه المشاريع مع توجه الحكومة الايرانية في خطتها الخمسية المقبلة المركِزة على قطاع الاسكان الذي يشكّل أساساً لتلبية الطلب، في ضوء الزيادة الديموغرافية المرتفعة ولتأمين فرص العمل. من هي الجهة التي ستموّل نظام تأمين المساكن ضد الكوارث الطبيعية؟ - يبني البنك الدولي الاطار المؤسسي لهذا النظام، ويشمل تأسيس صندوق يغطي هذا التأمين. كما يضخ البنك تمويلاً مبدئياً ليصبح ذاتياً من طريق شراء البوالص التي يوظّفها الصندوق في السوق الثانوية العالمية للتأمين. العراق وفلسطين ما هو تأثير الأوضاع في العراق وفلسطين في اقتصادات المنطقة؟ - إن أي منطقة في العالم تشهد حروباً يكون اقتصادها معرّضاً لهزات، وبالتالي يتراجع فيها النمو بسبب عدم وضوح الرؤية على المستوى السياسي وعدم الاستقرار، لأن أي استثمارات، سواء كانت عالمية أو محلية، تتطلب استقراراً. ولكن لا يجب أن تثنينا هذه الأوضاع عن الاستمرار في الاصلاحات المطلوبة وتذليل العقبات واقتناص الفرص، لتهيئة المناخ المناسب للاستثمار. وهل تؤثّر الأوضاع في هذه المنطقة على استثماراتكم؟ - يعد البنك الدولي حصة كل دولة على حدة. ويعتمد منهجنا في تقدير الحصة على قدرة الدولة على استيعاب القروض والافادة منها. ما هي توقعاتكم لمعدلات النمو في المنطقة في ظل هذه الأوضاع؟ - تتفاوت النسب من الصفر إلى ستة في المئة. وهذا الأمر له دلالة على ان لحكومات هذه الدول دوراً في ذلك من خلال السياسة الاقتصادية التي تنفّذها. وندعوها إلى الاستمرار في الاصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمار. فالمنطقة لا تشكو من قلة رؤوس الأموال الوطنية، بل من هروبها، وتشجيعها على الاستثمار يشكّل نقطة أساسية جداً. ونعتبر معدل النمو في المنطقة على مدى الأعوام العشرة الأخيرة متدنياً، حيث انه لم يتجاوز نسبة الواحد في المئة. وإذا قارنا هذه النسبة مع معدل نمو السكان بين 2.5 وثلاثة في المئة، فإن ذلك يشير إلى بوادر أزمة خطيرة في السنوات العشر المقبلة على صعيد سوق العمل. إذ يخرج إلى هذه السوق نحو أربعة ملايين شاب وشابة سنوياً، في حين ان فرص العمل المتاحة متدنية، ويكون العرض أكثر من ضعف الطلب، فضلاً عن ان القطاع العام كان يؤمّن هذه الفرص وبات غير قادر على توفيرها بالمعدلات نفسها. كيف تقوّمون الأوضاع في العراق ومستقبل الاستثمار فيه؟ - من الطبيعي أن يعرقل الوضع الأمني التنمية وإعادة البناء وجهودنا وجهود الدول المانحة والمؤسسات الدولية. ولكن في الوقت نفسه، هناك حاجات ماسة يجب تأمينها على مستوى التعليم والصحة والكهرباء والمياه، ونحاول تلبيتها على رغم الظروف السائدة. وفي انتظار الاستقرار، فإننا نعمل على تدريب الكوادر العراقية.