الى اي مدى يمكن وصف مركز لعلاج سرطان الاطفال بمصطلح "مركز الحياة"؟ يراود هذا السؤال زائر مركز "مركز علاج سرطان الاطفال" في الجامعة الاميركية في بيروت، والذي يتبع "مستشفى سان جود" في الولاياتالمتحدة الاميركية ويقدم العلاج لنحو مئة وخمسين طفلاً يعانون من السرطان. وربما يصلح مصطلح "مركز الحياة" وصفاً للسلسلة المتكاملة من العلاج الطبي والنفسي والترفيهي والتربوي الذي يلقاه الطفل المصاب فيغدو بطلاً يقاوم المرض وينتصر عليه في اكثر الاحيان. ايد كثيرة ومستقلة لا يتعدى عمر المركز السنتين، وهي فترة قصيرة مقارنة بإنجازاته الكثيرة. وبحسب تقارير عدة، يمكن اعتباره من اهم مراكز علاج سرطان الاطفال في منطقة الشرق الاوسط. ترجع فكرة تأسيسه الى الممثل الاميركي اللبناني الاصل داني توماس الذي أسس جمعية سان جود في الولاياتالمتحدة. وعمل كل من الدكتور ناصر الشماع، رئيس مجلس ادارة مركز سرطان الاطفال، وريتشارد شدياق رئيس الجمعية الخيرية اللبنانية - السورية التي تشرف على مركز سان جود في الولاياتالمتحدة، والدكتور نديم قرطاس عميد كلية الطب في الجامعة الاميركية على تأسيس المركز الذي يتمتع باستقلالية تامة عن مستشفى الجامعة الاميركية ادارياً ومالياً. ويطرح السؤال هنا، كيف يؤمن المركز استمراريته المالية ؟ يحدد الدكتور ميكال عبود، مدير المركز، ثلاثة مصادر لتمويل المركز وتغطية متطلباته. يتمثل اولها في المساعدات المباشرة من "مركز سان جود" في الولاياتالمتحدة. وتغطى بقية التكاليف من تبرعات تمنحها جهات وشخصيات لبنانية، اضافة الى مساعدات الجهات الضامنة واهمها وزارة الصحة اللبنانية. يشرح عبود القواعد الطبية التي يسترشد بها المركز في مساعدة الطفل المريض على مواجهة المرض وتخطيه. وفي مقدمة تلك القواعد، يأتي عدم الكذب على المريض ولا اخفاء حقيقة حاله الصحية ولا ايهامه بعدم خطورة حالته او بأن الشفاء يأتي سريعاً. وتمثل الصراحة مدخلاً اساسياً لتحضير الطفل للقبول بالمتغيرات التي يمكن ان تحصل في جسده نتيجة العلاج، مثل تساقط شعره باثر من الادوية او الاشعة. يسري مبدأ الصدق والصراحة في التعاطي مع الاطفال بشأن مرضهم على جميع حالات المصابين مهما كانت حالهم متقدمة. ولا يعني هذا الامر الدخول معهم في مناقشة تفاصيل معقدة وكثيرة، قد لا يفهمها الطفل، اوالتلفظ بكلمات قاسية ككلمة الموت مثلاً. يشير عبود الى صعوبة اخفاء تفاصيل المرض عن المراهقين المصابين الذين لا يتوانون عن البحث بانفسهم عبر الانترنت، عما يرضي فضولهم. وعلى رغم ذلك فهم غالباً ما يتجنبون نقاش هذه التفاصيل مع اطبائهم. علاج النفس والجسد يتولى عبود مع فريقه الطبي، الشق الجسدي في مواجهة المرض، الذي يمثل احد ذراعي العلاج المتكامل في المركز. ففي موازاة ذلك، تتولى منال قزي مسؤولية العلاج النفسي - الحركي في المركز. وتُلخص مهمتها "بمساعدة الاطفال على تقبل العلاج الطبي وتكوين صورة واضحة عن المرض بأساليب عدة تختلف باختلاف الاعمار". وتستخدم اساليب عدة لتحقيق هذا الهدف. وتركز على التواصل مع الطفل، كأساس في المقاربة النفسية لهؤلاء الاطفال. احياناً، تتمثل اداة التواصل مع طفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، في دمية تخاطب عبرها لاوعيه، فتتعرف الى مدى ألمه وقلقه وخوفه. كما قد تستخدم الدمية عينها في تدريبه على تقبل وخز الابر. ومن الاشياء المهمة التي تعمل قزي عليها، حث الطفل على التفكير بجسده ليس فقط كمركز للالم، بل ايضاً كمكان للجمال والنعومة. ولإيصال هذه الفكرة، يمكن تدريب الطفل على الاهتمام بجسد الدمية التي يلعب بها، ما ينقل اليه، بطريقة غير مباشرة، اهمية الاهتمام بجسده! عند العمل مع اطفال أكبر سناً، تُقَرَّب فكرة المرض عبر معلومات علمية مُبَسَّطة عنه. اذ تقوم قزي بشرح وظائف الجسم للطفل، وكيفية عمل اعضائه وما الى ذلك. ويتكامل شرحها مع شروحات الفريق الطبي عن المرض. وهكذا تتكون لدى الطفل صورة واضحة عما يعانيه. وتصبح صورة المرض لديه ملموسة، ولا تعود مجرد افكار. وهذا ما يساعده نفسياً على تقبل فكرة تساقط شعره، ويحمسه على التمسك بجسده واكتشاف نقاط القوة فيه. اسلوب آخر تعتمده قزي لمساعدة الطفل على الوصول الى حال الصفاء الداخلي، يتمثل في تدريبه على اكتساب مهارة استعمال جسده في الرقص والتعبير الجسدي. ويُدرَّب على الرسم ويُشَجَّع على ممارسة الالعاب والتمارين الرياضية، اضافة الى تلقينه العاباً معينة تساعد على تهدئة الاعصاب والشعور بالراحة. وتشمل القائمة نفسها، تمارين رياضية متخصصة هدفها تمكين الطفل من استعادة طريقته في المشي، او الإفادة من اعضائه غير المصابة، وحمايتها مما قد يصيبها اثناء العلاج الكيماوي، على سبيل المثال. ماذا عن الاهل؟ والعائلة؟ تشير قزي الى الدور المهم التي تلعبه العائلة في مساعدة الطفل المصاب بالسرطان من الناحية النفسية. فمن الممكن ان تساعد العائلة طفلها على اخراج ما يختلج في نفسه من مشاعر القلق، وكذلك مساعدته على تقبل مرضه. ويتضمن ذلك اشياء مثل اظهار العائلة ارتياحها لتطور حال الطفل الصحية، واستمرارها في مسار حياتها بشكل عادي. اذ غالباً ما ينتقل قلق الاهل الى الطفل، مما يزيد في معاناته نفسياً. وتحذر قزي من وقوع الاهل في خطأ "تدليل" ابنائهم المرضى اكثر من اللازم، وكذلك من التسامح مع اخطائهم. وتشير الى ضرورة الموازنة بين حساسية الوضع الصحي للطفل المصاب من جهة، والمتطلبات التربوية لسلوكه العادي في الحياة. يحضّر الاطفال مسبقاً لتقبل فكرة تساقط شعرهم، وخصوصاً الفتيات. وغالباً ما يعطين البدائل التجميلية، علماً انهن يُشجّعن على الظهور علناً في وضعهن الصعب لكي يتخطين نظرة الغير المزعجة. وتلعب الحال النفسية دوراً كبيراً في علاج مرضى السرطان، كما يقول القيمون على المركز. اما في الحالات الصعبة والميؤس منها، فيصبح من الضروري مرافقة للطفل المصاب في شكل شبه دائمة لمساندته معنوياً ومادياً في تحقيق كل ما يطلبه. تكتمل سلسلة العلاج الطبي والنفسي التي يخضع لها الاطفال المصابون بالعلاج الترفيهي او النشاطات الترفيهية التي تتولى تنظيمها كريستيان مكارم مسؤولة المتطوعين في المركز. وينقسم عملها الى محاور عدة، تتصدرها مسألة ادارة مجموعات المتطوعين الشباب وإدارتهم والذين يبلغ عددهم نحو سبعين متطوعاً يزورون المركز يومياً لمدة ساعة على الاقل. وتقول مكارم انها تعقد مع هؤلاء المتطوعين جلسات دورية لتوضيح طريقة معاملة الاطفال، والمعلومات التربوية التي ينبغي ان تُقَدّم لهم، كالحرص على النظافة ومتابعة الدروس وغيرها.