أطفال في عمر الزهور قتل السرطان براءتهم، تراهم كزهور توشك أن تذبل، ومع ذلك لم يمنعهم مرضهم من ممارسة حياتهم الطبيعية... أبدان غضة تحمل بين جنبيها أمرين أحدهما تملؤه الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره، والآخر مغلف بالأمل والدعاء لله عز وجل أن يشفيهم من أسقامهم. هذه الصورة التي تمثل مزيجًا بين الحزن والفرح، وبين الأمل والرجاء عشناها على أرض الواقع لدى زيارتنا لمركز الأورام التابع لمدينة الملك عبدالله الطبية بجدة، في طريقي إليه تبادر إلى ذهني أنني سأقابل أطفالا ممددين على الأسرّة بنظرات ذائغة، دلفت إلى داخل المركز رويدًا رويدًا، وما أن تقدمت قليلا فوجئت بالنقيض تماما، رأيتهم يلعبون ببراءتهم المعهودة في غرفة خصصت لممارسة ألعابهم المفضلة والبسمة ترتسم على شفاههم، فيما ضجيج الألعاب يخيم على المكان. وقفت لأقبلهم فردًا فردًا، ولفت نظري طفل في ركن بعيد سحرني بصوته الشجي الندي وهو يتغنى بأهازيج طفولية علّها تنسيه مرضه. نايف نور هو أصغر طفل مصاب بالسرطان في منطقة مكةالمكرمة (11 شهرًا)، فلم يكد أهله يفرحون بقدومه إلى الدنيا إلا وفوجئوا بإصابته بسرطان الدم (اللوكيميا) فسلموا أمرهم إلى الله رضاء بقضائه وقدره. تقول والدته والعبرة تكاد تخنقها والألم في عينيها:» نحمد الله على كل حال، وأملنا فيه بشفاء نايف كبير، حيث يتلقى العلاج في المركز منذ عدة أشهر». براءة الطفولة وأثناء لقائنا مع أم نايف لفتت نظرنا طفلة تصول وتجول في غرفة الألعاب بحثا عن عروستها (الدمية)، إنها قماشة كراري وما أن لاحظتنا سارعت مبتعدة بحياء طفولي رغم صغر سنها (7 سنوات)، ثم ما لبثت أن يممت وجهها نحو لوحة الرسم وأمسكت القلم بيمناها وكأنها ترسم ملامح مستقبلها الذي تنتظره وقد نزعت لباس المرض عن جسدها النحيل. الصمداني وسرطان الدم أما محمد حسن الصمداني - 13 عامًا- فيلفت نظرك بابتسامته الدائمة، وهو لا يدري ما الذي حلّ به، قال وهو يشير إلى رأسه:» فقط كان عندي ألم في رأسي والآن أنا بخير».. قالها بكل براءة وهو لا يدري ما يخبئه القدر له. وبسؤال الممرضة المختصة قالت إنه يعاني من سرطان الدم ويتلقى العلاج منذ عدة أشهر». صقر عبدالله الجابري - 3 أعوام - طفل آخر مصاب بسرطان الدم عُرف في أوساط الطاقم الطبي بحركته الدؤوبة وتعلقه الشديد بأبويه، يقول والده عنه:» صقر ربما له من اسمه نصيب، فهو لا يكل ولا يمل من الحركة، قدّر الله إصابته بالسرطان وهو الآن يتلقى العلاج في المركز، ونأتي كل أسبوع أو أسبوعين لمتابعة حالته وبحمد الله قطع أشواطا كبيرة في العلاج حيث تلقى جرعات كيماوية سابقا». وعن تعايش عائلته مع مرض ابنهم قال الأب:» ابني يمارس حياته الآن بشكل طبيعي مثل بقية إخوانه ونحاول أنا ووالدته دمجه مع إخوانه لتسريع عملية الشفاء، كما نحاول أن لا نشعره بوجود مرض لديه أو نقص». 16 حالة بالمركز من جهتها قالت المدير الطبي لمركز الأورام والسرطان بجدة الدكتورة حسنة الغامدي: عدد حالات سرطان الأطفال بالمركز حوالي 16 حالة منها 6 متواجدين في المركز بشكل دائم في قسم التنويم الذي يتسع ل 12 سريرًا، و 10 حالات تتلقى العلاج في العيادات الخارجية. ولا تقتصر خدمة مركز الأورام على تقديم العلاج للطفل المريض فحسب، بل هناك عدة برامج ينفذها المركز، وعن هذا الجانب تقول د.حسنة: «لدينا برنامج اسمه (تحقيق أمنية) ويقوم هذا البرنامج بتوفير أي شيء يطلبه الطفل المريض سواء حضور شخصية أو شراء هدية معينة»، مشيرة إلى أن «أحدهم طلب إحضار أحد اللاعبين المشهورين في نادي الاتحاد فلبينا طلبه وأحضرنا اللاعب، وآخر طلب شراء جهاز البلاي ستيشن فقمنا بشرائه له، وثالث تمنى شراء جهاز جوال فوفرناه له، إضافة إلى آخرين طلبوا ممثلين مشهورين فقمنا بتوجيه الدعوة لهم للزيارة». ويمارس الأطفال المنومون في المركز حياتهم بشكل اعتيادي حيث يبدأ برنامجهم بتناول الإفطار ومن ثم تغيير الملابس والاستحمام، ثم يأتي الطبيب المختص للفحص على الطفل المريض, وبعد ذلك يذهب الأطفال بحسب الجدول المعد إلى الحجرة الدراسية التي وفرتها جمعية سند الخيرية ويتم فيها تدريس الأطفال كل على حسب مستواه في مدرسته, وذلك حتى لا ينقطعوا عن الدراسة ,وآلية التدريس تكون بالتواصل مع مدارسهم لتقويهم وفي آخر العام الدراسي يمنحون شهادة مثلهم مثل زملائهم الأصحاء وتشرف عليهم المعلمة ابتسام القحطاني». غرفة ألعاب متكاملة وبعد الانتهاء من الدراسة يترك لهم الخيار للذهاب إلى غرفة الألعاب التي تضم كافة أنواع الألعاب التي يحتاجها الطفل وتعتمد على دعم الإدارة، إضافة إلى دعم المحسنين ورجال الخير في توفير الألعاب التعليمية والترفيهية أو نترك لهم مشاهدة برامج هادفة أو مسلية في التلفزيون. وعن كيفية التعامل مع الأطفال وترتيب البرامج تقول د.حسنة: « هناك مرونة في التعامل مع الأطفال، فعلى سبيل المثال غرفة الألعاب تكون مفتوحة طول الوقت، ولا يشعر الطفل أنه في مستشفى فالجو المحيط بهم عادي وأسري ولا يوجد تقييد لحركاته أو طلباته». حفلات ترفيهية وتشير المدير الطبي للمركز إلى أنهم يقيمون احتفالات ترفيهية كل ستة أسابيع بمشاركة مهرجين وشخصيات كرتونية، إضافة إلى إقامة مهرجان للاحتفال باليوم العالمي لسرطان الطفل والذي يصادف يوم 15 فبراير من كل عام، بإقامة فقرات ترفيهية وندوات طبية تثقيفية لأهالي المرضى. العلاج النفسي وعن تقبل الأهالي لمرض أبنائهم تقول د. حسنة:» إخبار الأهالي ببداية المرض بلا شك أمر صعب ونحن نتعامل مع الطفل المريض وعائلته من الناحية النفسية ككتلة واحدة، لذلك في بداية اكتشاف المرض يجلس الطاقم الطبي مع العائلة عدة جلسات لشرح مفهوم المرض وآلية علاجه، ويتكون الطاقم من 8 أفراد ما بين أخصائيين واستشاريين في علاج الأورام وآخرين نفسيين واجتماعيين، إضافة إلى معلمة التدريس، ونتناقش معهم عن المرض وتشخيصه وآلية وفترة العلاج». 20 عاما في الخدمة وأشارت إلى أن « مركز أورام جدة يقدم خدمة العلاج منذ حوالي 20 عاما وهناك بعض المرضى أتوا إليه لتلقي العلاج وهم صغار ووصلوا إلى مرحلة الشفاء والآن هم على مقاعد الجامعة ويأتون لزيارتنا بين الفينة والأخرى، وآخرون تزوجوا وأنجبوا أطفالا أصحاء ولله الحمد، ولكن منذ حوالي عدة أشهر انضم المركز إلى مدينة الملك عبدالله الطبية بهدف الرفع من مستواه فنيا وماليا». من جهتها تقول رئيسة علاج الأورام بالأشعة الدكتورة مها الإدريسي: « عند تشخيص حالة الطفل المصاب بالسرطان يتم تنويمه لمدة معينة في المركز حتى إذا قطع أشواطا كبيرة من مرحلة العلاج يسمح له بالخروج، ويأتي كل أسبوع أو أسبوعين (على حسب الحالة) للمتابعة في العيادات الخارجية أو أخذ جرعات كيمائية إذا احتاج إلى ذلك. وإذا وصل إلى مرحلة الشفاء تتم متابعته في العيادات الخارجية لمدة ثلاث سنوات». اللوكيميا الأكثر انتشارًا من جهته أوضح مدير مركز الأورام في مدينة الملك عبدالله الطبية بمكةالمكرمة الدكتور عبدالله الزهراني أن «اللوكيميا أو ابيضاض الدم أكثر أنواع السرطان شيوعا بين الأطفال إذ يمثل %30 من إجمالي أنواع السرطان التي تصيب الأطفال، وأكثر الإصابات التي تأتينا في مركز جدة هي سرطان الدم، فسرطان الغدة الليمفاوية، ثم سرطان الكلى، يليه سرطان المخ وهو نادرا بين الأطفال، وإجمالي حالات سرطانات الأطفال التي تتلقى العلاج في المركز تأتي بنسبة 25% من العدد الكلي للمرضى، مشيرا إلى أن المركز يقدم خاصية العلاج بالطب النووي والإشعاعي للأورام الحميدة تشخيصًا وعلاجًا حيث يضم عددًا من الاستشاريين والأخصائيين «