سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المرأة الوحيدة في السعودية التي تحمل دكتوراه في الاقتصاد النقدي . ناهد محمد طاهر : أدعو الجيل الجديد من السعوديات للعمل على تغيير دورهن لا أن ينتظرن التغيير من الآخرين
الدكتورة ناهد محمد طاهر هي المرأة الوحيدة في المملكة العربية السعودية التي تحمل لقب دكتوراه في الاقتصاد النقدي، وحتى بين الرجال فإن من يحملون هذا اللقب يعدون على الأصابع. والدكتورة طاهر تحتل أعلى مركز تصله إمرأة في عالم المصارف في المملكة، حيث تشغل منصب أحد كبار الخبراء الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري. وتؤكد الدكتورة ناهد على أثر تربيتها العائلية في كنف والدين لم يفرقا بين تربية الفتاة أو الشاب. وهي أنهت دراستها الثانوية ثم تزوجت من رجل الأعمال رأفت بادي. وخلال سنوات إنجابها أولادها الثلاثة، أنهت دراستها الجامعية، وهي تحمل ماجستير في الاقتصاد من إحدى جامعات المملكة، وأخرى من جامعة بريطانية، ثم حصلت على الدكتوراه في اقتصاد النقد برتبة شرف، متميزة بذلك حتى على رفاقها البريطانيين والأجانب، كل هذا وهي في الوقت ذاته تعنى بتربية أولادها ورعاية زوجها وإدارة منزلها. وهي، كما تقول، تعمل من أجل تحقيق أهداف عدة، لأنها تحترم عقلها وتثمن مشاركتها في بناء وطنها، ولتبرهن على أن المرأة قادرة ومقتدرة على كسب التحديات التي تواجهها. الحوار مع الدكتورة طاهر مفيد وممتع ونبدأه بسؤالها عن تقبل الأهل والمجتمع لطبيعة عملها الذي يفرض عليها الاختلاط مع الرجل، كما يفرض عليها السفر إلى الخارج من اجل إلقاء المحاضرات وتمثيل بلدها في المنتديات الاقتصادية. تجيب الدكتورة طاهر قائلة: في البداية لم يتقبل المجتمع طبيعة عملي هذه، وكان هناك بعض التحفظات، لكنني وجدت كامل الدعم والثقة من زوجي وأهلي، وأي مخاوف كانت لديهم لم يكن مصدرها عدم الثقة بي أو بقدرتي على العمل بل تمحورت حول تقبل المجتمع لعملي. ومنذ البداية وقف زوجي إلى جانبي بحزم وشجعني قائلاً: "أنت من أولئك القادرين على إحداث التغيير ولا بد أن تفعلي ذلك". وكان يركز على أهمية ما أستطيع أن أقدمه للمجتمع ولوطني ليس كإمرأة فقط بل كمواطنة لديها تخصص بالنقد الاقتصادي، وهو اختصاص لم يحصل عليه كثيرون، والمملكة بحاجة إلى متخصصين في هذا الحقل. وهذا التشجيع توائم مع رغبتي في إثبات قدراتي كاقتصادية ورغبتي أيضاً في الإثبات أن المرأة السعودية المسلمة قادرة على العمل في هذا المجال مع التمسك بهويتها كمسلمة وعربية لها تقاليدها. والواقع أنني وجدت كل احترام وتقدير من زملائي الرجال، بل أن تقدير القيمين على البنك الأهلي منحني ثقة كبيرة، وبسرعة أسندت لي مهمات كثيرة وكبيرة، توجت بمشاركتي في شهر كانون الثاني يناير الماضي في منتدى جدة الاقتصادي حيث قدمت ورقة اقتصادية حول سوق العمل والاختلالات في الهيكل الاقتصادي وهيكلية سوق العمل وكيفية تقارب الفجوة بينهما في المملكة بشكل عام وفي جدة بشكل خاص. وتضيف الدكتورة ناهد: "الواقع أنني أشعر بأن الزمن قد تغير، فبعدما كان الفقر يفرض على العائلات في الماضي أن تفاضل بين أبنائها من الجنسين في التعليم والصحة، بل وحتى في الغذاء، مفضلة الذكور من الأبناء على البنات، باعتبارهم المصدر الأساسي للدخل، لم تعد الحال كذلك اليوم، فأنا أشعر بأننا كنساء قطعنا شوطاً كبيراً في مسيرتنا، صحيح إننا ما زلنا في البداية ولكن هناك تحولاً جذرياً نحو مشاركة المرأة في تنمية وطنها وبنائه". وتعتبر الدكتورة طاهر أن مسؤولية تقدم المرأة وتطورها لا تقع على الحكومة فقط، بل أن التغيير الاجتماعي له أهمية بالغة في البرامج النسائية الجديدة. وتضيف: "هذا مع العلم أنني اعتبر أنه يتعين على الأجهزة الحكومية في عصرنا هذا أن تتوافر لديها قدرة أكبر من الفهم للحاجة إلى سياسات أكثر استجابة للمتطلبات النسائية. وبصفتي أمتهن الاقتصاد، فإنني أدرك أن السياسات الاقتصادية التي تتعلق بالمتغيرات والأهداف الاقتصادية مثل الواردات والصادرات بميزان المدفوعات لا تبدي سوى نذر يسير من التمييز بين الذكور والأناث في توفير العوامل الرئيسية للتغيرات الكلية، وفي الوقت ذاته الذي نتحمل فيه تبعاتها. وعلى سبيل المقارنة، فإن الدول التي تزيد فيها نسبة النساء المشاركات في الناتج القومي تقل فيها المتطلبات الاستهلاكية وترتفع معدلات الإدخار، ويؤدي ذلك إلى تعزيز الاستثمارات ورفع درجة النمو الاقتصادي. وبعبارة أخرى، فإن إنخفاض معدلات مشاركة العنصر النسائي يسهم في زيادة نسبة الإعالة والتبعية الاقتصادية على المواطنين، والمرأة اليوم تحتل المرتبة الأولى من حيث نسبة الإعالة في المملكة. وبالنسبة إلى اللغط القائم حول نظرة الدين والمجتمع إلى عمل المرأة، ترى الدكتورة طاهر أن حقوق المرأة مستمدة من القرآن الكريم في المجتمعات الإسلامية، إلا أن تفسير والحقوق وتطبيقها يتفاوتان في ما بين المجتمعات الإسلامية، وهذا ما يفضي إلى كثير من الجدال والخلافات. وانطلاقاً من أهمية الأسرة وتشجيعاً للإنسجام بين أفرادها، يقول القرآن الكريم: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" الآية 34، سورة النساء. وللأسف فإن بعضهم فسر هذه الآية بأنها تمنع دخول النساء سوق العمل من دون استيعاب سياق ومضمون القرآن ككل. واستناداً على هذا التفسير، يستخلص المرء أن الذكر مسؤول مالياً عن الأنثى. بيد أنه وفقاً للنص القرآني الآتي: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" الآية 233، سورة البقرة، يجد المرء أن الرعاية المالية للنساء تنطبق في وضع معين أو حين تفطم الأم طفلها، ما يشير إلى أن مقولة إن المرأة لا بد أن تكون تحت رعاية الرجل في كل مراحل حياتها لا سند لها مطلقاً في القرآن الكريم. إضافة إلى ذلك، فإن النظرة المحافظة لتقسيم العمل على أساس الجنس، والتي تخول الرجل حق أن يكون المعيل وأن تعيش المرأة في نطاق الحياة الخاصة وأن ينحصر دورها في أن تصبح مصدر الحب والعناية، هذه النظرة لا تتفق مع الآية الكريمة الآتية: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" الآية 32، سورة النساء. ومن الواضح أن هذه الآية تخاطب الرجال والنساء على قدم المساواة، مؤكدة دور كل من الجنسين في النمو الاقتصادي للمجتمع. ولم يتطرق القرآن الكريم للفصل بين أدوار الرجال وأدوار النساء إلى الحد الذي يحسم الأمر بإمكانية واحدة لكل من الجنسين. وينتظر أن يشهد المزيد من التغير مستقبلاً. إن ما حال بين المرأة واقتحام مجالات وظيفية جديدة في الاقتصاد السعودي ليس الإسلام، وإنما الثقافة السائدة المنطلقة من فهم متحفظ للإسلام". وعن أهمية الدراسة والتخصص الجامعي بالنسبة إلى المرأة للوصول إلى أهدافها، تقول الدكتورة طاهر: "في النصف الثاني من القرن العشرين، فتحت آفاق جديدة للمرأة السعودية، ويعود الفضل في ذلك لحكمة وشجاعة الملك فيصل حيث سمح للمرة الأولى للفتيات السعوديات بالتوجه إلى مقاعد الدراسة لتلقي العلم في الستينات. ونتيجة للتقليد السائد آنذاك والذي يتمثل في تزويج الفتاة في عمر مبكر ومن ثم الانجاب المبكر، حرمت كثيرات من النساء من مواصلة تعليمهن. ولكن حدث تطور مهم آخر في الثمانينات حين أصبحت وسائل تنظيم الأسرة متوافرة لهن. ومن ثم تزايد عدد النساء السعوديات اللاتي يمارسن دور الأمومة بالإضافة إلى مواصلة مسيرة حياتهن المهنية، ويقدر عددهن حالياً بنحو 500 إمرأة. قبل ثلاثة عقود كانت الغالبية العظمى من المعلمات في مدارس البنات بالمملكة من جنسيات أخرى من الدول المجاورة، مثل مصر وفلسطين والأردن وسورية. وتغير الوضع تماماً اليوم، حيث أضحت الغالبية العظمى من المعلمات سعوديات. وحالياً تتزايد أعداد النساء اللاتي يتخصصن في مجالات الطب والتمريض وإدارة الأعمال. وتضم المستشفيات العامة والخاصة العديد من الطبيبات والممرضات السعوديات. وبما أن نسبة الأطباء السعوديين إلى مجموع الأطباء في المملكة حوالي 20 في المئة، فإن هذا الوضع يوفر فرصة أكبر للمواطنات السعوديات للتخصص في مهنة الطب. ويستلزم النمو الاقتصادي مشاركة كاملة من القوى العاملة، وإن الاستبعاد التام للمرأة من سوق العمل يعني ببساطة هدر نصف الطاقة أو الموارد التي تفضي إلى تعزيز النمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن تأخذ الحقائق الاقتصادية مجراها الخاص في فرض وجودها في المملكة. وإزاء تغير أساليب الحياة، وارتفاع مستويات الانفاق، نتيجة للمتطلبات المتزايدة في مجالات التعليم الخاص والصحة والاتصالات والترفيه، ضمن غيرها من المتطلبات، أصبح من المتعذر أن تعتمد الأسرة على مصدر وحيد للدخل". وحول إنجازات سيدة الأعمال السعودية تقول الدكتورة ناهد طاهر: "حققت سيدات الأعمال السعوديات تقدماً ملموساً في مسيرة حياتهن العملية، واضعات في الاعتبار أنه لم يكن يوجد ما يسمى بسيدات الأعمال السعوديات قبل عقدين من الزمان، حين كان دور المرأة مقصوراً على شؤون بيتها وبعض الأعمال الأخرى خصوصاً التدريس. وبادرت قلة من النساء بأخذ عصا التحدي لولوج هذا المجال، ليثبتن لأنفسهن أن بوسعهن القيام بتلك الأعمال وليمهدن الطريق للأجيال المقبلة. وأود هنا أن أعرب عن تقديري واحترامي لتلك النخبة من الرائدات، وبدأت نساء الأعمال السعوديات في التغلب على العقبات الثقافية، بيد أنهن يواجهن حالياً طائفة من المعوقات والقيود التنظيمية، ففي حين يسمح لهن بالدخول إلى الغرف التجارية، إلا أن بعض سيدات الأعمال يجدن أن من الأسهل لهن أن يعملن من خلال الوكيل الشرعي ليشرف على متابعة ومراجعة الإجراءات الرسمية اللازمة لاتمام أعمالهن، على رغم أن القانون لا يتطلب ذلك. وبلغ عدد التراخيص التجارية الصادرة بأسماء نساء أكثر من 22 ألف ترخيص، معظمها لنساء يدرن صالونات التجميل الخاصة بالنساء فقط، وأعمال بيع الأثاث وتصميم الأزياء. وبدأت المرأة السعودية تدرك أهمية الاستثمار، حيث أن 20 في المئة من الأموال الموظفة في صناديق الاستثمار المشتركة تعود للنساء، في حين يعتقد بأن نحو 15 بليون ريال من ثروات النساء غير موظفة في قنوات استثمارية وإنما يحتفظ بها في حسابات جارية". ويحق للمرأة السعودية أن تنشئ عملها الخاص، وإن اقتصر ذلك على مجالات معينة. وإدراكاً لحقيقة أن الأدوار التقليدية لعمل المرأة لم تعد متوافقة مع تطورات الحياة العصرية، بدأ بعض المحاولات لإزالة العقبات في القوانين والنظم التي تحكم مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية يأخذ مجراه. وتصدت لقيادة هذا التغيير الهيئة العامة للاستثمار التي أقدمت على إنشاء مراكز استثمار توفر التوجيه لنساء الأعمال نحو الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة، وحذت حذوها الغرف التجارية، حيث أخذت تنظم دورات تدريبية للنساء على مهارات مختلف الوظائف التي يتطلبها القطاع الخاص. وعلى رغم ما يكتنف المسيرة من صعوبات، إلا أنني اعتقد بأننا على المسار الصحيح لإصلاح العديد من الشؤون الخاصة بالمرأة. ومن الواضح أن هذا الأمر يقتضي فهماً جديداً وتفسيراً أقل تشدداً للإسلام. ومن البديهي أن الوقت حان للتغيير وللتكيف مع الأدوار الجديدة للمرأة وفقاً لمتطلبات العلاقات المتجددة للحياة العصرية. وفي يقيني أن المرأة التي تعمل جاهدة وتسعى إلى إحداث تغيير في مفاهيم العمل، ستحقق قدر من التغيير، وإن كان ذلك في حدود معينة، إذ أن المرأة محكومة بنظام اجتماعي يحيط بها ولن تتحرر كلياً من القيود المفروضة بمقتضى الأدوار الاجتماعية النمطية ما لم يبدأ المجتمع والمؤسسات المعنية في توسيع مداركه والتوجه نحو إزالة بعض القيود في حدود معينة. وفي ما يتعلق بالضجة التي أثارها بعض الأوساط حول مشاركة المرأة إلى جانب الرجل وظهور بعضهن من دون الحجاب، قالت الدكتورة ناهد: أرجو أن ينظر إلينا نحن اللواتي شاركن في المنتدى على أننا مجموعة سيدات عاملات متخصصات على قدر كبير من الوعي والعلم في مجالنا، ولا نشترك في مثل هذه المنتديات لنتحدى أحداً أو لنظهر كسيدات فقط. وأنا أرى أن أي تغيير في العالم يواجه بالصدود في البداية، ولكنني في الوقت ذاته أحرص على أن لا تسيء المرأة السعودية إلى معنى التغير. نحن نريد التطوير لا "التغريب"، أي الانتماء إلى الثقافة الغربية، بل نريد الاحتفاظ بثقافتنا وتراثنا. وهذا لا يعني إننا غير راغبين في الاستفادة من خبرات وتجارب الغرب". وعندما نقول للدكتورة ناهد إننا شعرنا بأن هناك صراعاً أو تباعداً بين المرأة المتزمتة والأخرى المنفتحة، تجيب: "ظروف الحياة والعمل تجعل الحوار المستمر أمراً صعباً، لكنني أحترم رأي هؤلاء ورغبتهم، وفي الوقت ذاته، لا أرى عائقاً أمام المحجبة أو التي تغطي وجهها وبين دخولها الجامعات وعملها في ما بعد، وحتى الطبيبات يمارسن عملهن داخل المستشفيات إلى جانب الرجل وهن بكامل حجابهن". ورداً على سؤال حول نسبة العاملات السعوديات في المصارف السعودية، تجيب الدكتورة ناهد: "نسبة العاملات في المصارف السعودية لا تتجاوز 2 في المئة من القوة العاملة الإجمالية لأن عدد المصارف لا يتجاوز العشرة. ومن هنا فإن نسبة النساء العاملات في المصارف ضئيلة جداً. أما كيف ترى الدكتورة ناهد طاهر مستقبل المرأةالسعودية، فتقول: "أراه يحمل الكثير من الوعود، هذا إذا قررت هي أن تدافع عن حقوقها بالطريقة الصحيحة، أي بإثبات قدراتها وإمكاناتها ووعطاءها، وليس بالتهجم على الرجل بل بالتعاون معه. وتتلخص رسالتي إلى الجيل الجديد من المواطنات السعوديات: إعملي بجد لتغيير دورك، يجب أن لا تنتظري ليغير دورك الآخرون، فأنا على يقين من أن المرأة السعودية قادرة على إثبات أهميتها في الاقتصاد". اعداد بارعة علم الدين