أسوأ ما يمكن أن يصل للعرب، والفلسطينيين، بعد الضربة السياسية الديبلوماسية التي تلقوها من الرئيس الأميركي جورج بوش منتصف هذا الشهر، هو أن تصبح الضمانات التي قدمتها الادارة الجمهورية في الولاياتالمتحدة أساساً للنقاش والسجال حول التسوية السلمية من جهة وأن ينزلق العرب الى تصديق توضيحات صدر بعضها وقد يصدر غيرها، عن أن هذه الضمانات لا تلغي حق العرب والفلسطينيين في الموقف الذي يرونه في مفاوضات الوضع النهائي للتسوية في ما يخص اللاجئين والمستوطنات والحدود، من جهة ثانية. في الشهر الفاصل مع انعقاد القمة العربية المؤجلة في تونس سنشهد كثافة في المحاولات الأميركية، في الاتجاهين، بهدف اضاعة البوصلة والحؤول دون موقف عربي يشكل الحد الأدنى من الممانعة أمام التحول التاريخي الأميركي في الانحياز لاسرائيل. وخلال هذا الشهر وبعده، سنسمع كلاماً من نوع: لم يفعل بوش سوى ترجمة بعض ما انتهت اليه مفاوضات كامب ديفيد في العام ألفين بين الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي العمالي ايهود باراك حول بقاء بعض المستوطنات في الضفة مئتين وثلاثين ألف مستوطن والقدس مئتي ألف مستوطن وحول تبادل الأراضي في اطار تعديل حدود 1967، وحول احتمال عودة جزء صغير من اللاجئين الى اسرائيل بضعة آلاف من لبنان فقط وعودة الاخرين الى الدولة الفلسطينية الموعودة. ألم تلوموا، انتم القادة العرب وبعض القادة الفلسطينيين عرفات لأنه رفض ما سمي ب"أفكار كلينتون"وأمعنتم في لومه حين اجتاحت اسرائيل الضفة الغربية وبعض غزة في العام 2002؟ لماذا تلومون بوش الآن؟ ألا تذكرون أنكم في قمة بيروت خضتم نقاشاً حول ما إذا كنتم تتبنون حق العودة وفق القرار 194، ثم تبنيتموه وأنتم تدركون ضمناً أنه للتفاوض وليس للتطبيق؟ وفي المقابل سنسمع كلاماً آخر، يرمي الى اقناع العرب والرأي العام، بأن واشنطن تترك للفلسطينيين حرية الموقف في مفاوضات الوضع النهائي ولا تلزمهم بضماناتها لاسرائيل، وأن بوش يعد لخطة ضغط على صديقه ارييل شارون من أجل أن يعطي الفلسطينيين بديلاً من الأراضي التي ستبقى لاسرائيل في اطار رسم الحدود وأنه سيجري"مشاورات"مع أطراف اللجنة الرباعية لاستكمال تطبيق خريطة الطريق. وسيحاول حتى بعض الاعلام العربي الرسمي ان يقنعنا بأن ضغط القادة العرب بعد"غضبهم وصدمتهم"من انحياز بوش لشارون، قد انتج تراجعاً أميركياً عن الضمانات لاسرائيل! وأن هذه الضمانات هي مجرد لقاء مصالح ظرفي، بين واشنطن بسبب اقبال بوش على الانتخابات وحاجته لأصوات اليهود الأميركيين وبين تل أبيب، التي تشهد صراعاً بين شارون والأكثر تطرفاً منه الذين يرفضون تفكيك مستوطنات غزة... سيعود منطق الاميركيين الى وضع العرب أمام خيار التطرف أو الأكثر تطرفاً. وفي النتيجة سيكون الانزلاق الى هذين النوعين من السجال انجراراً وراء ترهات وأوهام، لتغطية مجرد تكرار القمة العربية"تمسكها"بمبادرة السلام العربية وخريطة الطريق... الخ وتبرير لقاءات من هنا واجتماعات من هناك قد تحصل في الأشهر المقبلة ل"تحريك عملية السلام"، التي يعرف الجميع أنها ميتة بقرار أميركي اسرائيلي. وما دام الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أقر بذلك وهو ما كان يخاف قادة عرب من إعلانه خوفاً من اتهامهم من جانب واشنطن بأنهم لا يريدون السلام، وهذا سذاجة ما بعدها سذاجة، لم يعد المطلوب من القمة العربية ان تقول بالموقف الذي"تتمسك"به، لأنه لم يعد ينفع حتى لو كان لا بد منه. المطلوب من القمة ان تقرر ماذا سيفعل العرب خلال السنوات المنظورة المقبلة، الفاصلة من أي احتمال للسلام. كيف سيعيدون حضورهم الى الساحة الدولية وماذا سيفعلون في العلاقة مع أوروبا وآسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية لاعادة بعض العقلانية الى السياسة الاميركية ولحماية الشعب الفلسطيني من حمام الدم المتصاعد، وما هي خطتهم لجعل فكرة ادخال قوات دولية أو متعددة الجنسية الى الأراضي الفلسطينية، مقابل سعي واشنطن الى نيل غطاء الأممالمتحدة لخطتها المقبلة في العراق... وكيف سيدعمون الشعب الفلسطيني مادياً لتأمين متطلبات الحياة؟ كيف سينفذون أهدافاً متواضعة جداً بعيداً من السلام؟