اختتم الرئيس الامريكي جورج بوش يومين من القمم التاريخية ليخوض بنفسه الجهود الديبلوماسية في عملية السلام وكل العيون متجهة إلى المبادرة المدعومة أمريكيا للتوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. ولا يبدو أن بوش لن يعود إلى بلاده صفر اليدين من أول رحلة له في الشرق الاوسط منذ أصبح رئيسا، فقد ضمن تنازلات من الرجلين اللذين سيكون عليهما في النهاية أن يقدما تضحيات قاسية لتحقيق السلام. رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وافق على البدء في إنهاء المستوطنات غير القانونية في الاراضي الفلسطينية، فيما استنكر رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس الارهاب ودعا المسلحين إلى إنهاء هجماتهم على الإسرائيليين. الجهود الامريكية لاقامة دولة فلسطينية قد تقطع شوطا طويلا نحو تحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالم العربي الذي يشعر بريبة عميقة إزاء دوافعها وإزاء الصداقة الامريكية الوثيقة مع إسرائيل. يقول ريتشارد باركر وهو سفير سابق للولايات المتحدة في الجزائر ولبنان والمغرب في السبعينيات من القرن العشرين يجب أن يحسن هذا من الصورة المشوهة بشكل بالغ الآن. ويضيف باركر وهو الآن باحث في معهد الشرق الاوسط في واشنطن في مقابلة إنه سيكون على بوش أن يعالج مسائل صعبة مثل حق اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا عام 1948، في العودة هم وأسرهم، والمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية. والحقيقة أن الرئيس السابق بيل كلينتون تمكن من تحريك العملية حتى أوشكت تنتهي إلى اتفاق لكنها تعطلت بفعل العجز عن حل مشكلة مصير القدس والنزاعات الاخرى الرئيسة. ومنذ الاطاحة بصدام حسين في إبريل، تحول اهتمام إدارة بوش بشكل أكبر إلى عملية السلام عن اعتقاد أن عراق جديد يمكن أن يساعد في إعادة رسم الشرق الاوسط وكسب تأييد الدول العربية لما يسمى خريطة السلام. وخريطة الطريق التي وضعتها الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005 وتحدد سلسلة من الخطوات التي يتعين على الاسرائيليين والفلسطينيين أن يتخذوها. بالانخراط بعمق في الأمر،لا يمكن لبوش أن يتراجع حيث إنه التزم بصفته الرئاسية بالتوصل إلى تسوية، وربما كان عليه أن يخوض حملة سياسية أصعب لاعادة انتخابه للرئاسة إذا سقطت إدارته في مستنقع محادثات السلام المتعثرة وأعمال العنف المتجددة. يقول باركر لقد قام بمقامرة كبيرة جدا. وبات شريكا شاء أم أبى لكن مع انتهاء قمة العقبة بدأ المتطرفون بالفعل يبدون معارضتهم للخطوات المتواضعة التي تعهد رئيسا الوزراء باتخاذها. وتجمع آلاف من المتشددين الإسرائيليين في القدس للاحتجاج على فكرة قيام دولة فلسطينية فيما أعلن عضو بارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن منظمته لن تؤيد المفاوضات حتى تنسحب إسرائيل تماما من الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعل بوش يجد عزاء على الاقل في عدم حدوث هجمات تستهدف تخريب المحادثات على مدار يومي الاجتماعات في العقبة والاجتماع الذي سبقها مع زعماء عرب في وقت سابق في شرم الشيخ بمصر. وقد رفض الزعماء العرب الخمسة وبينهم رئيس الدولة المضيفة حسني مبارك وولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز والعاهل الاردني عبد الله الثاني ثقافة التطرف والعنف بأي صورة وأي شكل. كان بوش يسعى إلى موقف قوي من الزعماء العرب بإدانة الارهاب للمساعدة في منح شارون التزاما بضمان أمن إسرائيل لكن الزعماء العرب لم يتطرقوا إلى هذه النقطة وهو ما يعتبر إشارة أخرى إلى صعوبات على طريق التوصل إلى تسوية. وقال بوش إنه لا يتوقع أن يحل السلام بسهولة لكنه أعرب عن اعتقاده بأن الخطوات الصغيرة التي اتخذت في قمتي شرم الشيخ والعقبة هي في الاتجاه الصحيح. وقال على متن الطائرة التي حملته إلى الدوحة بقطر محطته الاخيرة بالمنطقة قبل العودة إلى واشنطن، أنا أستاذ في التوقعات المحدودة. لقد أنجزنا ما كنت آمل أن ننجزه.