المعضلة التي تواجه الرئيس بوش، وهو يعد العدة لإطلاق مبادرة الشرق الأوسط الكبير، هي أن الكثيرين في المنطقة لا يتفقون مع أولويات الإصلاح الأميركية، ولا يثقون بالدوافع الأميركية في العراق. يُنظر، في العالم العربي على الأقل، إلى الأميركيين على أنهم مستعدون لاستثمار كميات هائلة من الأموال ولتحمل خسائر بشرية كبيرة في كل من العراق وأفغانستان، بينما يتجاهلون الموضوع الذي يعتبره العرب الموضوع الأهم، وهو عملية السلام العربية-الإسرائيلية. ومن ضمن المشاكل، كذلك، تلك القناعة الواسعة الانتشار في المنطقة بأن اجتياح العراق كشف عن الوجه الحقيقي لواشنطن، كقوة استعمار جديد متعطشة للنفط وللسيطرة الإقليمية. وسوف يستمر هذا الافتراض حتى تسحب أميركا قواتها العسكرية من العراق، وحتى بعد مدة من ذلك على الأرجح. سيطرح الرئيس بوش مبادرة الشرق الأوسط الكبير رسمياً في حزيران يونيو في قمة الثمانية الكبار. ومن المتوقع أن يعبّر عن اهتمامه الشخصي القوي في المساعدة على تحقيق حرية وديموقراطية أكبر في الشرق الأوسط، حيث أرسل قوات أميركية وغامر بشعبيته إلى حد بعيد. وسيطّلع بحلول حزيران يونيو على آراء الأوروبيين والحكومات العربية الصديقة التي ستدعوه إلى التروّي وإلى أهداف متواضعة. لكن عرضه سيقدم، على الأرجح، بوصفه دفاعاً قوياً عن الإصلاحات التي يؤمن بأنها ضرورية للمنطقة. وحتى هؤلاء الذين سيقدرون له إخلاصه لقناعاته سيسمعون في عرضه مثالاً مألوفاً للفوقية الأميركية، مما قد يعد رأي معلن، مرة أخرى، لرئيس أميركي يدعو إلى تشجيع السلام والتنمية في الشرق الأوسط، بينما يستمر في ما يرونه سياسة عنيدة داعمة لإسرائيل وغير مكترثة بالمواقف الفلسطينية. وكانت مبادرة الشرق الأوسط الكبير قد سُرّبت مبكراً إلى الصحافة، حيث ظهرت كبرنامج تم إعداده بالكامل من قبل أميركا. وهذا الأمر أثار ردة فعل فورية في كل المنطقة ضد كل محاولة "لفرض أية قيم أجنبية"، فتراجعت الإدارة بسرعة مؤكدة ترحيبها بأية أفكار إقليمية للإصلاح. وبينما وضع مؤتمر القمة العربي موضوع الإصلاحات على جدول أعماله، تم إلغاء اجتماع القمة المقرر في آذار مارس المنصرم، مما لم يترك لواشنطن إلا أن تعد مبادرتها دون أن يؤثر عليها أي محاولة من المنطقة للمساهمة برأي ناتج عن تنسيق مسبق. وتواجه مبادرة الشرق الأوسط الكبير خطر التحول إلى شعار مفرط في طموحه ابتكره الذي يكتبون خطابات الرئيس، ما لم يرافقها خطوات للتنفيذ يخطط لها بتروٍ. ويذكرني هذا الأمر بنبؤة الرئيس السابق بوش الأب ب"نظام عالمي جديد"، وهو مصطلح أطلقه في خطاب له أمام الكونغرس في آذار 1991. وأثارت كلمات الرئيس السابق، الذي حقق النصر في حرب عاصفة الصحراء، والذي زاد من شعبيته الترحيب الدافئ لتعهده بالعمل نحو تحقيق سلام عربي-إسرائيلي، كتّاب الإفتتاحيات والرأي في جميع أنحاء المنطقة العربية لإطلاق العنان دون حدود لتوقعاتهم حول ما قصده الرئيس حينذاك. فرغم إنجازاته المهمة في عقد مؤتمر القمة العربي-الإسرائيلي في مدريد أواخر تلك السنة، فإن شعار "النظام العالمي الجديد" لم يدم أطول من فترة رئاسته المتبقية في البيت الأبيض. والآراء التي طرحها الرئيس السابق بوش الأب عام 1991 حول الحاجة إلى الديموقراطية والحرية في المنطقة، هي جوهرياً نفس الآراء التي تحرك مبادرة الشرق الأوسط الكبير. وقد تتمتع المبادرة الجديدة بحياة أطول وبجاذبية أقوى لكثير من الأميركيين الذين يتفقون مع الإدارة الأميركية في ربطها بين أمنهم ودعم مبادئ الديموقراطية والسوق الحرة في الشرق الأوسط. فقد كان لوجهة النظر القائلة إن أحداث 11 أيلول سبتمبر وقعت بسبب فشل الإدارات السابقة في دعم هذه المبادئ في الشرق الأوسط بنفس القوة كما في آسيا وأوروبا الشرقية، تأثيراً ووقعاً كبيرين. صحيح أنه قبل 11 أيلول، لم تُعطَ تعليمات للديبلوماسيين الأميركيين للضغط، أثناء تعاملهم مع قادة معظم الدول في الشرق الأوسط، باتجاه أنظمة سياسية أكثر انفتاحا. ومعظم هذه الأنظمة أصبح بمرور الزمن أكثر استبداداً خلال النصف الثاني للقرن الماضي. ففي تلك الأيام كانت تحكمنا تعاريف مختصرة ومحددة لأولويات أميركا في المنطقة: تعزيز أمن إسرائيل، وضمان تدفق النفط دون عائق بأسعار معقولة، والوقوف أمام أي محاولة للإتحاد السوفياتي للحصول على موطئ قدم في الخليج. ورغم المصالح المشتركة ونصف قرن من التواصل بين العرب والمسؤولين الأميركيين، ما زال شعبانا يجهل كل منهما الآخر إلى حد كبير. فالعرب مقتنعون بما يدّعون أنه سيطرة إسرائيلية كاملة على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بينما الفهم الأميركي للمنطقة مشوّه بنفس القدر. فهو يعتبر الشرق الأوسط منطقة معادية يسيطر عليها المتطرفون الإسلاميون. فسوء الفهم المتبادل هذا عقّد من علاقاتنا عندما كنا قوة كبرى بعيدة. وهو اليوم أكثر خطرا وقلقا للطرفين، بعد أن قمنا باحتلال العراق وتحدثنا بشكل مفتوح عن حرب استباقية. وعند هذا المنعطف، يمر العالم العربي والإسلامي بأزمة ثقة حادة. فهو يشعر بازدياد بأن قيمه وشخصيته معرضة للهجوم، بينما أصبح شبانه أكثر استجابة لنداء الدفاع عن الإسلام ضد الهجمة الغربية. وسيكون المستمعون من الشرق الأوسط لعرض الرئيس لمبادرة الشرق الأوسط الكبير شكاكين ورافضين، إن لم يكونوا عدائيين بشكل نشط. - زميل أقدم في مجلس العلاقات الخارجية. والمقال جزء من سلسلة مقالات عن المبادرة الأميركية للإصلاح، "الشرق الأوسط الكبير"، تُنشر بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.