يمكن لمتخصص في العلوم مثلاً أو حامل شهادة جامعية عليا أن يزاول الرياضة ويشارك في السباقات على سبيل الهواية في حال لم يسلك دربها ويرتق في مراحلها منذ الصغر. لكن اللبناني باسل شعبان الذي يحمل إجازة في فيزياء الفضاء من جامعة بيركلي الأميركية قلب المقاييس المتعارف عليها، إذ "ركن" شهادته التي حصل عليها جانباً، وفضّل دخول معترك سباقات السيارات بكل تفاصيله، وطموحه الأسمى أن يصبح أول متسابق عربي يخوض سباقات فورمولا واحد. انخرط شعبان 24 عاماً في هذا العالم المثير وهو على مقاعد الدراسة الجامعية بدءاً بسباقات الكارتنغ التي تعرّف إليها في لبنان، لكنه لم يخض منافساتها إلا في الولاياتالمتحدة، فشارك في السنوات الأخيرة بمنافساتها ضمن ما يسمى بطولة كاليفورنيا وأوريغون ونيفادا، فأحرز بطولة فئة 80 سنتمتراً مكعباً للمحترفين المتضمنة ستة سباقات عام 2002 بعدما أحرز ألقاب ثلاثة منها. وخاض سباقات فورمولا "آي سي سي" 125 سنتمترا مكعباً لسيارات مزودة بمحركات قوتها 45 حصاناً والمتضمنة سبعة سباقات، فحقق بداية واعدة وأحرز المراكز: الأول والثاني والخامس تباعاً، قبل أن تضطره ظروفه الخاصة للعودة إلى أبو ظبي مكان إقامة أهله. وقرر شعبان التفرغ التام لعالم المحركات وصدى حلقاتها وضجيج مرائبها والتفاصيل الدقيقة لتقنياتها، وتسلّح بتشجيع مدربه، متسابق فورمولا واحد السابق طومي بايرن، الذي وصفه "بالسائق الموهوب وصاحب المزايا الكفيلة ببلوغه النجاح المنتظر، ولا سيما أنه يتمتع بذاكرة ممتازة وملاحظة دقيقة لتفاصيل الحلبات ومنعطفاتها". شعور مبكر نافس شعبان في السباقات الأميركية، وكان العربي الوحيد فيها أيضاً، مستمداً الحماسة في الدرجة الأولى من الشغف الداخلي الذي يتملكه، ويكشف أنه منذ أن قاد سيارة الكارتنغ وهو في مرحلة المراهقة "شعرت بإحساس غريب واندفاع لا يقاوم، وبدأ حلم قيادة سيارات فورمولا واحد يتطور في ذهني ولا يفارق مخيلتي، خصوصاً أن السيارات كانت إحدى ألعابي المفضلة منذ سن السادسة". ويجد شعبان في الراحل البرازيلي إيرتون سينا وبطل العالم الحالي الألماني ميكايل شوماخر مثاله الأعلى "لأنهما يجسدان طاقة كبيرة". ويفضّل، مثل "شومي الكبير"، القيادة تحت المطر "وحققت دائماً أوقاتاً جيدة خلالها". وينشغل شعبان حالياً في الإعداد للمرحلة المقبلة التي ستقوده إلى ما يصبو إليه "بعد النتائج المميزة على متن سيارات الكارتنغ خضت تجربة سباقات فورمولا رينو خلال الشتاء الماضي، والآن أستعد للمشاركة في بطولة فورمولا فورد في إنكلترا، أحد أفضل الأماكن المؤدية إلى بلوغ فورمولا 3 وفورمولا 3000 وصولاً إلى فورمولا واحد. ومنها انطلق سينا وشوماخر نحو الشهرة والإنجازات". وتتضمن البطولة الجديدة 18 سباقاً تقام بدءاً من أيار مايو إلى تشرين الأول أكتوبر المقبلين. وإلى الإعداد الإداري والفني يهتم شعبان بتدبير التمويل المناسب الذي يبلغ 280 ألف دولار، "هي الموازنة المقدرة من جانب الفريق لأتمكن من المشاركة في صفوفه، وعملاً بما هو متعارف عليه في عالم هذه السباقات، ويتضمن المبلغ تكاليف التدريب والاختبارات والمعدات والتجهيزات والألبسة". وصمم شعبان موقعاً شاملاً على شبكة الانترنت www.basilshaaban.com يتضمن مراحل مسيرته وتطلعاته وشرحاً مفصلاً لبرنامجه والسباقات ودراسة عن تكاليف المشاركة ومنافساتها. في ضوء سجله الفني، يحمل شعبان تصنيفاً دولياً "درجة ث" من الاتحاد الدولي للسيارات ويضع نصب عينيه أن يبلغ فورمولا 3000 أو فورمولا واحد في غضون أربعة أعوام. وفي خط موازٍ، لا يهمل شعبان الجانبين الإعدادي والبدني، إذ يتبع برنامجاً تدريبياً لتعزير لياقته قوامه الجري والسباحة والتمارين البدنية، تصل مدته إلى نحو ثلاث ساعات وبمعدل 4 إلى 5 مرات أسبوعياً، إلى جانب اعتماده وجبات غذائية منتظمة قوامها البروتينات واللحم الأبيض والخضار والفواكه الطازجة. وفي إطار التركيز والعوامل النفسية المصاحبة لا ينفك شعبان عن التفكير في السباقات "ورسم السيناريوهات للمنافسة على الحلبة". ويتأقلم سريعاً مع الأوضاع القائمة، لكنه يفرغ كل ما في رأسه من ضغوط قبل نحو 15 دقيقة من الانطلاق، ليبدأ وضعاً جديداً ويعيش حالة مختلفة تتسم بمجريات مستقلة ومنفصلة عما سبقها، "وطبعاً الاختلاف في أسلوب القيادة وقوة المحرك وحجم الهيكل ومميزاته في سيارات الكارتنغ وفورمولا يلعب دوراً في تحديد الاستراتيجية المرسومة للسباق، وهذه خبرة اكتسبتها وتنمو تدريجياً". رسالة حضارية ولعل شعبان في تطلعاته وأفقه الرحب طامح لتحقيق أحلام الكثيرين من الشبان العرب، وحمل الصورة الزاهية والحضارية عن هذا المجتمع في الساحات الدولية، صورة مختلفة تماماً عما يلصق بهم من أعمال سيئة وإشاعات مغرضة في معظم الأحيان. وهذا الطموح هو مشروع يعتز به ويفخر بأن يمثله ليكون نواة ودرباً للآخرين، طالما أن الطاقات موجودة وهي تحتاج فقط إلى من يأخذ بيدها ويمدها بالإمكانات ويؤمن بقدراتها. ولعل الإنجازات الأخيرة في عالم الراليات، خير شاهد على ما تقدم. ويضع شعبان حداً فاصلاً لا لبس فيه بين القيادة التنافسية "حيث إن السرعة ضرورية ومطلوبة على المضمار المعدّ لها والمجهز بوسائل الأمان كما أن السيارة مجهّزة لذلك"، والقيادة على الطرقات العامة "حيث ضرورة الالتزام بالقواعد المتعارف عليها والخروج عنها يلحق الخطر بحياتك وحياة الآخرين".