} رياضة السيارات صارت واحدة من اشد الرياضات جذباً للمتفرجين في كل ارجاء العالم عموماً وفي الوطن العربي خصوصاً، بعدما انتشرت سباقات الرالي تحديداً في هذه المنطقة. ومع تعدد انواع المنافسات من الكارتينغ الى الراليات وسباقات الآندي كار وغيرها... يبقى الصراع في ال"فورمولا واحد" هو الاكثر اثارة ومتعة، علماً بان هناك اكثر من دولة عربية تسعى جاهدة الان الى تشييد حلبة مثالية لهذا النوع من السيارات لعلها تفوز مستقبلاً بتنظيم احدى جولات بطولة العالم التي تكتسب شهرة غير عادية ويقدر متابعيها بالبلايين. ... وأخيراً انتهت بطولة السرعة والجنون والتهور. هدأت المحركات العملاقة الصاخبة وحطت بطولة العالم لسائقي سيارات "فورمولا واحد" رحالها، وبدأ المهندسون على الفور في وضع الدراسات والتصميمات المتطورة استعداداً للموسم الجديد الذي سيبدأ في آذار مارس المقبل. وسيخلد السائقون الى الراحة أسابيع قليلة قبل أن يبدأوا في أواخر كانون الأول ديسمبر المقبل اختبار سياراتهم الجديدة. أول لقب في الألفية الجديدة أحرزه الألماني ميكايل شوماخر سائق فريق فيراري الايطالي الشهير، وهو لم يكتف بلقب عزّ عليه نيله منذ عام 1995 وانما قدم الى فريقه هدية غالية تمثلت بحصد أول لقب لهذا الفريق منذ 21 عاماً. والواقع ان رياضة سيارات "فورمولا واحد" من أعقد الرياضات في العالم الحديث وأصعبها وأغربها وأنجحها... وهي أيضاً أكثرها سرية. هي عالم قائم بذاته فيه انفاق كثير... وأرباح أكثر. كل شيء مبرمج وعلى أعلى المستويات... عملية تجارية مربحة اتخذت من هوس عدد كبير من البشر بعنصري السرعة والاثارة طريقاً لنجاحها. ووراء كل ذلك فرق لا عد لها ولا حصر ان على صعيد النوعية أو على صعيد الكمية. لكن المهم في كل هذا يتمثل بالواجهة... وهذه الواجهة ما هي إلا مجموعة مغامرين يتمتعون بأعصاب حديد يطلق عليهم لقب السائقين، يضعون رؤوسهم على أكفهم خصوصاً مع ازدياد معدلات السرعة التي تفوق أحياناً ال300 كلم/ ساعة بفعل التقنيات المتقدمة التي هي نتاج لجهد دؤوب يمتد الى 24 ساعة من 24 والى 365 يوماً من 365. وهؤلاء المغامرون هم بدورهم عالم مصغر قائم بذاته، يبيعون المخاطرة بأثمان غالية، والنخبة منهم أمثال "شومي الكبير"، والفنلندي ميكا هاكينن ماكلارين مرسيدس، والاسكتلندي ديفيد كولثارد ماكلارين مرسيدس، والبرازيلي روبنز باريكيللو فيراري، ومواطنه ريكاردو زونتا بار هوندا، والكندي جاك فيلنوف بار هوندا والبريطاني جنسون باتون وليامس بي أم دبليو، والايرلندي ادي إرفاين جاغوار كوزوورث... هم الأوفر ربحاً في عالم الرياضة. ثلاثة في واحد وعالم سيارات "فورمولا واحد" هو ثلاثة في واحد، وتحديداً: الصانع والممول والسائق... وهم يشكلون فريق عمل مشترك في عالم أعمال ورياضة صعب ومعقد يصعب الاحاطة به من كل جوانبه. وربما يكون الحديث عن السائق بالذات هو الأسهل، لأن مثل هذا الحديث يقتصر على النواحي الرياضية بكل ما فيها من مهارة وبراعة في فنون القيادة. وأبرز الفرق التي تنافست على اللقب العالمي الموسم الفائت كما في المواسم الأخيرة لجهة لقبي السائقين والصانعين هي فيراري وماكلارين وبار هوندا ووليامس بي أم دبليو وبنيتون سوبرتك. وفيراري مثلاً هو الفريق الصانع والممول معاً، ويهمه كثيراً ان تفوز سياراته في السباقات لتزداد مبيعاته بمختلف مفرداتها كالسيارة بمجملها أو محركاتها أو حتى تصاميمها الهندسية. ولشهرة هذا الفريق الذائعة، فهو يفرض الأسعار التي يراها مناسبة ليسمح بوضع اعلانات الشركات العالمية العملاقة على السيارتين اللتين يسمح لكل فريق بالاشتراك بهما في كل سباق. ولدى فيراري جيش من المهندسين والعمال الذين يعملون بتنسيق تام مع الشركة المنتجة الممولة والفريق، ويعملون على توفير اعلى تقنيات ممكنة التسهيل مهمة السائق. وبالعودة الى السائقين، فإن مهمتهم تتطلب اطلاعهم شخصياً ومشاركتهم في اختبار المحركات والاطارات والهيكل والمكابح ودرجة الانسيابية ومقاومة السيارة للهواء. ثم عليهم، طبعاً، اجراء التجارب وخوض السباقات، بكل ما فيها من صعوبات تتطلب مهارات خاصة عند المنعطفات كما عند الخطوط المستقيمة وعند التجاوزات والمطاردات... علماً بأن كل سباق يحتاج الى نوعية معينة من الاطارات والخطط. ولا شك في أن القدرات الشخصية من تركيز وانتباه ومتانة أعصاب وحكمة وجرأة وخبرة تلعب دوراً بارزاً في مهارة السائقين بقدر ما تلعب السيارة بكل مكوناتها الدور ذاته. أما بالنسبة الى المحرك، فإن الفرق الكبيرة التي تتخطى موازنتها السنوية حاجز ال150 مليون دولار، فهي تعمل على استبدال المحرك بل كل سباق. قمة الاثارة وقد قدر لبطولة العالم للسائقين ان تبلغ قمة الاثارة وتشد اهتماماً كبيراً حتى من أولئك الذين لا تعني هذه الرياضة لهم شيئاً كبيراً، بفضل المنافسات التي حفلت بها دائماً، فالرياضة من دون تنافس على الألقاب لا معنى لها على الاطلاق... ومعرفة هوية الفائز سلفاً ليست من الرياضة في شيء. بيد أن سباقات "فورمولا واحد" لم تكتسب الاثارة يوماً على غرار ما حصل في الموسم 1988 بين الفرنسي ألن بروست والبرازيلي ايرتون سينا، علماً بأن سباقاتها بدأت عام 1950 والتصميم على الفوز بأول لقب عالمي وصل الى حد التهور بين الايطالي جيوسبي فارينا ألفا روميو والارجنتيني خوان مانويل فانجيو الفاروميو أيضاً... وتوج الاول بطلاً برصيد 30 في مقابل 27 نقطة للثاني. لكن ما حصل بين بروست وسينا وصل الى حد خطير جداً، وباتت المنافسة بينهما غير شريفة بالمرة. والمهم ان منافسات هذا الموسم بقيت "نظيفة"، على رغم ما تردد من ان الحوادث التي تعرض لها ميكايل شوماخر كانت "مفتعلة" لابعاده عن الصدارة. والواقع ان المنافسة بين "شومي الكبير" وهاكينن اشتدت جداً طيلة الموسم، بيد أن الاول حسم اللقب في الجولة قبل الأخيرة بفوزه بجائزة اليابان الكبرى. وكان شوماخر بحاجة الى احراز المركز الأول في جائزة اليابان الكبرى أو انتزاع نقطتين اضافيتين عن هاكينن ليحقق حلماً راوده شخصياً 5 سنوات وشركة فيراري التي ينتمي اليها حالياً منذ عام 1979. وظل البطل الألماني منافساً قوياً طوال السنوات الخمس الماضية وكان قاب قوسين أو أدنى من احراز اللقب في كل موسم منها، باستثناء العام 1996 حيث كان الفارق كبيراً بينه وبين منافسيه. وكان بإمكانه أن ينتزع اللقب عام 1997 لو لم تلغ نتائجه عندما اتهم بأنه حاول عمداً الاصطدام بسيارة الكندي جاك فيلنوف الذي أحرز اللقب في حينه على سيارة من طراز وليامس رينو، وخسر شوماخر بالتالي النقاط التي كانت في حوزته 78 نقطة. وفي عام 1998، ضاع اللقب من شوماخر في المرحلة الأخيرة لمصلحة هاكينن، ثم تبددت احلامه في احراز اللقب العام الماضي في منتصف الموسم اثر الحادث الذي تعرض له على حلبة سيلفرستون الانكليزية حين أصيب على أثره بكسر مزدوج في ركبته اليمنى، لكنه عاد في المراحل الأخيرة وكاد يتوج بطلاً، لكن هاكينن استأسد وأحرز لقبه الثاني على التوالي. وبدأ شوماخر الموسم الحالي بقوة واحرز خمسة سباقات من أصل ثمانية وضعته في صدارة الترتيب بفارق مريح عن أقرب منافسيه ولولا انسحاباته من 3 سباقات لتعرضه لحوادث، لحسم اللقب باكراً. وبعد اللقب العالمي الثالث سيزداد حافز شوماخر لاحراز اللقب الرابع الذي ينفرد به الفرنسي الان بروست وأيضاً اللقب الخامس ليعادل الرقم المسجل باسم الارجنتيني خوان مانويل فانجيو في الخمسينات. مارانيللو لا تزال حمراء وعلى رغم مرور ما يقارب الشهر علي انجاز فيراري، بيد ان شوارع مدينة مارانيللو معقل الفريق لا تزال مزينة بالاعلام الحمراء المزينة بالجواد الجامح الذي يمثل شعار سيارات "فيراري". ولايزال الآلاف من المشجعين يتوافدون على مارانيللو للاحتفال بالفوز باللقب. واشادت الصحف الايطالية وقتها بالانجاز، ونشرت في صفحاتها الأولى صوراً لشوماخر وخصت مقالات كبيرة لهذا الفوز. وتحت عنوان "شكراً فيراري"، كتب كانديدو كانافو مدير صحيفة "غازيتا ديللو سبور" التي خصصت نحو 11 صفحة لهذه المناسبة: "تصالحت فيراري مع التاريخ في فجر يوم أحد مشع من فصل الخريف". ولم يكن تعليق صحيفة "لا كورير ديللو سبور" أقل أهمية حيث خصصت هي بدورها 12 صفحة لهذا الفوز مشيدة ب"الاستراتيجية المثالية" التي أدت الى التغلب على الفنلندي ميكا هاكينن سائق فريق ماكلارين مرسيدس. أما صحيفة "ستامبا" التي تملكها مجموعة "فيات" مالكة فريق فيراري، فكرّست الصفحات الخمس الأولى لسباقات فورمولا واحد، كما نشرت ملحقاً من 8 صفحات خاصاً بالانجازات، إضافة الى حديث مطول مع جيوفاني انييلي الرئيس الفخري في "فيات" الذي شدد على "عظمة التكنولوجيا الايطالية". وتطرقت صحيفة "لا ريبوبليكا" الى "الحلم القديم الذي راود الجميع منذ 21 عاماً"، مؤكدة انه يحق "لايطاليا ان تهلل" لهذا الفوز. وجاءت تغطية صحيفة "كورير ديللو سيرا" الواسعة الانتشار للحدث أيضاً كبيرة حيث رأت أن الفوز "وضع فيراري في القمة". وذكرت الصحيفة بالسجل الحافل لفريق فيراري على الحلبات منذ فوزه الأول عام 1952، بقيادة مؤسسه انزو فيراري "ممثل العبقرية الايطالية". وكان من ابرز ردود الأفعال ما قاله رئيس ايطاليا كارلو ازيليو تشيامبي "وأخيراً توجنا أبطالاً للعالم مع فيراري". اما الوزيرة الايطالية المكلفة بالرياضة جوفانا ميلاندري، فقالت: "إني مرتاحة جداً لهذه النتيجة التي فشلنا في تحقيقها في الأعوام الأخيرة. انها نتيجة رائعة بعد موسم مثير ومشوق". وقال رئيس فيراري لوكا دي مونتيزيمولا: "إنه أفضل يوم في حياتي على الأقل من الناحية المهنية، الفضل يرجع الى السيارة والسائق والفريق، إنه فوز فيراري والتكنولوجيا الايطالية، إنه فوز طالما انتظرناه. لقد فزنا على أكبر الفرق تكنولوجياً في السيارات في العالم، لقد اتصلت بشوماخر وشكرته". واوضح الجنوب افريقي جودي شيكتر، آخر سائق أحرز اللقب مع فيراري، انه "سعيد جداً بفوز شوماخر، لكني في الوقت ذاته مستاء لأنه أزاحني عن العرش". لكن ماذا قال شوماخر نفسه وقتها:"لا أجد الكلمات لوصف شعوري لدى وصولي الى خط النهاية، كانت ظروف السباق صعبة بسبب الأمطار، حصلت على انتصاري بعد منافسة قوية. شكراً هاكينن، سنحت لنا فرص عدة لم نحسن استغلالها لأسباب مختلفة". وهنأ هاكينن نفسه شوماخر على موسمه الرائع، وأوضح "كان موسماً رائعاً مع ارتفاع المستوى احياناً وتدنيه احياناً أخرى. اني مستاء جداً لكني فزت باللقبين في العامين الماضيين والحياة مستمرة والسباقات أيضاً. كانت المنافسة قوية بيننا وفاز شوماخر وهذه هي الرياضة". فيلنوف ويعد سائق فريق لاكي سترايك، الكندي جاك فيلنوف من ابرز المتسابقين هذا الموسم، وافضل ما يميزه على الصعيد الانساني، الى جانب قدراته المهارية والبدنية، انه شخصية محبوبة جداً من قبل رجال الاعلام وهو يسعى دائماً الى الحديث معهم. وفيلنوف متحدر من عائلة لها باع طويل مع سباقات السيارات، ووالده هو جيل فيلنوف الشهير التي تسمى الحلبة الكندية باسمه... كما ان عمه "جاك الكبير" كان واحداً من الاسماء المعروفة في هذا الميدان. وبداية جاك فيلنوف الصغير كانت من طريق المشاركة في سباقات الكارتينغ، لكنه برز بشكل واضح بعدما حل ثانياً في سباق ال500 ميل في انديانابوليس وبفارق بضع ثوان عن البطل المعروف آل انسرالين. وهو عاد واصبح اول سائق كندياً يفوز بالسباق ذاته عام 1995. ثم بدأ فيلنوف مسيرته مع سباقات فورمولا واحد، وصعد السلم سريعاً وبنجاح كبير الى ان فاز ببطولة العالم عام 1997. وعموماً، امن سائق فريق لاكي سترايك دائماً مساحته الخاصة على منصة التتويج، ولا يزال يترك علامات واضحة على طريق البطولة الاكبر في هذا العالم الغريب القائم بذاته.