يفاجئ "المجمّع الثقافي" جمهور "معرض أبو ظبي للكتاب" كل عام بمنشورات يكاد يتفرّد بها كتباً تراثية محققة وترجمات من عيون الأدب القديم والآداب العالمية الحديثة، ناهيك بالكتب العلمية والفلسفية والمعاجم وسواها... وبات زائر المعرض يتجه مباشرة الى جناح المجمّع سائلاً عن الكتب الجديدة التي غالباً ما تتميز بطباعتها الأنيقة. وهذا العام قدّم المجمع باقة من كتبه الصادرة خلال العامين 2003 و2004 بعد الغاء معرض السنة الفائتة إبان الحرب التي شنّت على العراق. ومثلما قدم المجمّع قبل سنتين "تحوّلات" أوفيد في ترجمة الشاعر أدونيس و"ألياذة" هوميروس كما عرّبها الشاعر ممدوح عدوان، يقدّم هذه السنة "كتب الحب" التي أبدعها أوفيد أيضاً في عنوان شامل هو "قيثارة حب" وقد عرّبها الشاعر السوري علي كنعان، إضافة الى "ملحمة الرامايانا" الهندية الشهيرة التي لا تقل أهمية عن "المهابهاراتا" في ترجمة عبدالإله الملاّح. أما الكتب التراثية فهي كثيرة لدى المجمّع هذه السنة ومنها المهمّ جداً والمحقق للمرة الأولى مثل "نثر المرأة: من الجاهلية الى نهاية العصر الأموي" عبدالحيّ الحوسني و"هبة الأيام في ما يتعلّق بأبي تمام" الشيخ يوسف البديعي و"الأصنام" لهشام بن محمد الكلبي تحقيق أحمد عبيد و"ضوء السقط" للمعرّي... وإن كان معرض أبو ظبي للكتاب يشبه معظم المعارض العربية ما عدا معرض القاهرة الذي يمثل "حالة" خاصة، فهو يتميز بهدوئه وحسن تنظيمه علاوة على كونه فسحة حرّة لا يمنع فيه كتاب ولا تصادر منشورة. وترى فيه الناشرين مرتاحي البال، غير متوترين على رغم شكوى بعضهم من قلّة الإقبال على شراء الكتب. لكنّ ما يعوّض قلّة الشراء جعل المشاركة في المعرض مجانية ومبادرة المجمّع في شراء الكثير من الكتب المعروضة. دار "الجمل" تعرض كتبها المثيرة جهاراً ولا تخبّئها تحت الطاولة، وكذلك دار الريّس ودار الانتشار العربي... فهنا لا خشية من الرقيب وعينه "المفتوحة" ولا أجهزة أمن تفاجئ الناشرين وتصادر كتبهم. واللافت ان ناشري الخليج والمشرق العربي يحضرون بقوة في حين تندر الدور "المغاربية" وهذا ما يحصل عادة في معظم المعارض التي تقام في المشرق العربي. وبعض الدور تشارك من خلال مكتبات أو دور أخرى عبر نوع من "التعاون" الذي بات رائجاً. لكنّ الدور المشرقية الرئيسة تحضر بشدة وتحتل مواقعها الخاصة: دار المدى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الآداب، دار ورد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المجلس المصري الأعلى للثقافة، الدار المصرية - اللبنانية وسواها... وهذه الدور يقصدها الزوار بوفرة، إماراتيين وعرباً، باحثين عن العناوين الجديدة. الكتاب العراقي حاضر بخفر ومن خلال دور أخرى وقد يكون الشاعر العراقي المقتول محمود البريكان من اجمل مفاجآت المعرض، فدار "الجمل" أصدرت مختارات من شعره بعنوان "متاهة الفراشة" والدار العربية للموسوعات قدّمت دراسة شاملة عنه بعنوان "محمود البريكان: دراسة ومختارات". وهذا الشاعر الرائد الذي قتل قبل عام في منزله يستحق ان يعاد اليه وأن يقرأ من جديد كونه يمثل صوتاً حداثياً فريداً وقد قال فيه بدر شاكر السياب: "إنه شاعر عظيم ولكنه مغمور". أما اتحاد الكتّاب الاماراتيين فيحضر عبر كتب معظمها قديمة مما يدل على حال الجمود التي يشهدها الاتحاد بعد سنوات من الحماسة والنشاط. ومن عناوينه الجديدة: "زينة الملكة" رواية للكاتب علي أبو الريش، "جلوس الصباح على البحر" ديوان للشاعر أحمد راشد ثاني، "الجدار الذي يصدح" قصص لفاروق مرعشي، إضافة الى بعض الكتب النقدية القليلة. وعلى غرار معارض الكتب العربية ضمّ معرض أبو ظبي الكثير من الدور التي تعنى بالكتب الاسلامية وهذه لها جمهورها الخاص. وكما في المعارض العربية ايضاً تشهد كتب الطبخ والأبراج اقبالاً من جمهور غير قليل يهتم بمثل هذه الكتب الرائجة عربياً والتي يدعمها الاعلام العربي المرئي... ليس المهم ان تشارك في معرض أبو ظبي خمسمئة دار للنشر ولا أن تبلغ العناوين العربية مئتي ألف، المهم هو اللقاء الجميل الذي يتيحه المعرض بين الناشرين والكتّاب والجمهور وكذلك فسحة الحرية التي يوفرها ويمكن من خلالها ان يتناقش الناشرون بالصوت العالي وأن يعلن الكتاب والقراء آراءهم ومواقفهم ببساطة تامة. ولعل المحاضرين الذين شاركوا في برنامج المعرض كانوا خير دليل على هذه الخصوصية التي يتميز بها المعرض. المؤرّخ الفلسطيني - اللبناني طريف الخالدي ألقى محاضرة عن "الحضارة العربية وأوروبا ما قبل الحداثة" وكانت له عبرها قراءة نقدية للواقع العربي الراهن الذي انفصل عن تاريخه الحضاري الذي عرف ازدهاراً كبيراً في العصور المتوسطة. وألقى الصحافي البريطاني المعروف نيكولاس غبرتي محاضرة عنوانها "وجهة الاعلام الغربي تجاه العرب" وتحوّلت الى ما يشبه المناظرة المفتوحة التي شارك فيها الجمهور مناقشاً آراء الصحافي البريطاني بجرأة. وقد حمّل الصحافي هذا العرب مسؤولية الصورة المشوّهة التي ترسخت في ذاكرة الغرب. وأشار الى ان الصورة العربية "قاتمة وغائبة في نظر الغرب" وانّ هناك اعتقاداً بأن المسلمين كلهم عرب وان ايران من الدول العربية. الموسوعة الشعرية الالكترونية في الطبعة الثالثة من "الموسوعة الشعرية" بلغ عدد الأبيات قرابة مليونين وأربعمئة وتسعة وثلاثين ألفاً موزعة على دواوين ألفين وثلاثمئة شاعر، اضافة الى مئتين وخمسة وستين مرجعاً أدبياً. كانت "الموسوعة الالكترونية الشعرية" حلماً من أحلام أمين عام "المجمع الثقافي" الشاعر محمد السويدي وإذا به يصبح حقيقة ولكن غير ثابتة. فطبعات الأسطوانة المدمّجة تتلاحق متطورة أكثر فأكثر وتوضع الآن اللمسات الأخيرة على طبعة جديدة هي الرابعة. وقد لا يصدّق القارئ المشغوف بالكتب ان هذه الاسطوانة الرقيقة تحتضن مكتبة شعرية ضخمة تضم حتى الآن معظم الدواوين الشعرية العربية ومعظم ما قيل من الشعر العربي منذ العصر الجاهلي مروراً بالعصور الاسلامية وانتهاء بالعصر الحديث. والمعيار الذي تعتمده الموسوعة يفترض ان يكون الشاعر متوفياً قبل العام 1952، على ان الموسوعة ستفتح بابها أمام المرحلة الشعرية الحديثة انطلاقاً من الخمسينات من القرن المنصرم. ومعروف ان العمل في "الموسوعة" كان بدأ في العام 1997 وصدرت النسخة الأولى منها في 1998 ثم توالت الطبعات مزيدة ومنقّحة ومتسعة للمزيد من الأبيات والقصائد والمعاجم. وشاء الأمين العام للمجمّع ان يكرّم خلال معرض الكتاب العاملين في مشروع الموسوعة فأقام حفلاً خاصاً بهم وتحدّث قائلاً: "ستّ سنوات من العمل المنهجي المتواصل، أمضاها عاملون مجدّون ومتحمّسون كي يصل الجزء الثالث من الموسوعة الشعرية الى أيدي عشاق الشعر، فاستحقوا ان نطلق عليهم المصطلح المتعارف عليه: "جنود مجهولون"، انهم أفراد يصنعون الحدث، يربطون الحلقات بعضها ببعض، يعيدون ترتيب الجملة وتركيب الكلمة وجمع المعلومات والتنقيب في المراجع وإضافة الحواشي". وأضاف: "ما أريد ان أقوله هو انّ الوصول الى قراءة مليونين ونصف المليون بيت من الشعر، عبر شاشة الكومبيوتر ومن خلال تخزينها على اسطوانة مدمّجة سي دي لم يكن قضية سهلة، إذ توفّرت فيها عناصر عدة: الابداع والاختراع، الصبر والتأني، الجمع بين الشعر والنثر، بين التاريخ واللغة، بين التراث والمعاصرة. قبل ست سنوات وضعنا كل الامكانات اللازمة حتى يرى النور هذا العمل الابداعي المميز وحتى يكون له مكان لائق به في مكتبات العالم وأرقى جامعاته". ثم قدم السويدي المكافآت والشهادات التقديرية لعدد من المساهمين في هذا المشروع الحضاري ومنهم: جمعة القبيسي، منذر العكيلي، أحمد راشد ثاني وسواهم... وفي موازاة مشروع "الموسوعة الشعرية" أنشأ "المجمع" مشروع "الكتاب المسموع" الذي بات له جمهوره الخاص وقد بلغ عدد الاصدارات في هذا الحقل نحو خمسين كتاباً تشمل الأدب العربي قديماً وحديثاً وكذلك الأدب العالمي. وهذا الكتاب موجه الى العاجزين عن القراءة سواء كانوا مكفوفين أو عجائز علاوة على الاستخدام اليومي لهذا الكتاب في السيارة أو البيت. "ارتياد الآفاق" مشروع آخر قام به السويدي ولكن من خارج المجمع وبدأ يلقى رواجاً بيّناً هو مشروع "ارتياد الآفاق". والعنوان هذا رشحته "دار السويدي" التي أسسها محمد السويدي لجمع تراث الرحالة العرب والعالميين ونشره في كتب مستقلّة ستصل وفق تصور الشاعر نوري الجرّاح أحد المشرفين الأساسيين على المشروع، الى مئة كتاب. وبلغ المشروع عامه الثالث وباتت السلسلة تضمّ نحو خمسة وعشرين كتاباً ومن ضمنها عيون الرحلات التي قام بها الرحالة العرب سياسيين وأدباء منذ قرون بعيدة. ومن هذه الرحلات: رحلة محمد بن جبير الأندلسيّ، رحلة الحبشة صادق باشا، رحلة الوزير في افتكاك الأسير محمد الأندلسي، رحلة ابن خلدون، رحلة جرجي زيدان الى أوروبا، الرحلة الشامية الأمير محمد علي باشا، رحلة الى أعالي النيل الأبيض... وتهدف سلسلة "ارتياد الآفاق" الى إحياء "أدب الرحلة" عبر تقديم الأعمال الكلاسيكية المعروفة وعبر الكشف عن نصوص مجهولة لكتّاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا يومياتهم وانطباعاتهم ونقلوا صوراً عما شاهدوا وخبروا في الأقاليم القريبة والبعيدة وخصوصاً في القرنين الماضيين، كما يعبّر نوري الجرّاح. والرحلات هذه محقّقة علمياً وموثّقة اضافة الى احتوائها الشروح والمقدمات. وأنشأت الدار جوائز عدة في هذا الحقل ومنها: "جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة، جائزة الدراسات الجغرافية...". طبعاً لم يخل برنامج "معرض أبو ظبي" من النشاطات الفنية، رسماً ومسرحاً وموسيقى... في مدخل المعرض علّق الرسام الكاريكاتوري حسن أدلبي رسومه التي شملت وجوه عدد من الأدباء والشعراء... ولكن على طريقته الساخرة واللطيفة في سخريتها والتي تستوحي ملامح الوجه من شخصية صاحبه وليس من نتاجه. بعض الوجوه سبق ان عرضها أدلبي سابقاً أو نشرها في مجلات وبعضها يستوحي أدباء إماراتيين من أمثال: عبدالحميد أحمد، ناصر الظاهري، سلطان العويس، ظاعن شاهين وسواهم. والطرافة في ريشة أدلبي أنها تدع الوجه يعبّر عن مزاج صاحبه، بحرية وبساطة. وفي سياق الأعمال الفنية قدم عرض خاص من مسرحية "الملك لير" في صيغتها المصرية التي أخرجها أحمد عبدالحليم وقام ببطولتها الممثل يحيى الفخراني. وارتبطت المسرحية، منذ ان قدّمت قبل اكثر من سنتين على خشبة "المسرح القومي" القاهرة، باسم يحيى الفخراني الذي يؤدي فعلاً أحد اهم أدواره الأخيرة. وأحيا الموسيقار المصري عمر خيرت وفرقته حفلة موسيقية عزفت خلالها أعمال عدة، كلاسيكية وحديثة، بعضها لمؤلفين معروفين وبعضها من تأليفه. وتميزت حفلته عزف هو على البيانو بغزارتها الموسيقية وتدفق الألحان العذبة وكذلك التلوين الأوركسترالي. وقدم المخرج السينمائي اللبناني سايد كعدو فيلمه الوثائقي الجديد "إرفع رأسك يا أخي" في عرض خاص. والفيلم يتناول الرئيس جمال عبدالناصر من خلال الوثائق والأفلام والصور ويقدم عنه صورة حقيقية جاعلاً منه "البطل" الوحيد بخطاباته الشهيرة ومواقفه وآرائه. وانتهز الناشرون العرب فرصة التقائهم في المعرض ليجتمعوا ويناقشوا قضية معرض فرنكوفورت التي ما برحت تتفاعل وتطرح الكثير من الأسئلة. وتوقف مجلس اتحاد الناشرين امام المشاركة العربية في المعرض وكيفية تفعيلها وإحيائها وسط الظروف المادية الصعبة التي يعانيها الناشرون العرب والمؤلفون بدورهم. وناقش المجتمعون أيضاً هموماً أخرى ومنها ما يتعلّق باتحاد الناشرين وبالكتاب العربي وتوزيعه...